كتاب وشعراء

بين الجدران الأربعة….بقلم كريم لمداغري/المغرب

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

عرفته هادئًا، كأنما استعار سكونه من جدران بيته الأربعة، يجلس في ركنه المعتاد، يصغي لصدى أوجاعه وهي تتردد في تجاويف صدره، ولصوت القيظ وهو يزحف على زجاج النوافذ كأنفاس متقطعة.

وحيدًا، غريبًا في محيط ضحل، لا يخصه. اعتاد أن يسند ظهره إلى الحائط، كمن يتكئ على ذاكرة مثقوبة، يلتهم ما تيسّر من كتبٍ ومؤلفات تُعدّ على رؤوس الأصابع، مستأنسًا بموسيقى هادئة تنساب كالماء على جراحه، منتظرًا رنين هاتفٍ لا يرنّ. يكفيه أن يخطئ أحدهم الرقم، ليشعر أن العالم لم ينسه تمامًا.

أو لعلّه ينتظر طرقًا على الباب، يطلب فيه أحدهم خدمةً يؤديها بصمت، غالبًا ما تُكافأ بفتات رمزي، وأحيانًا بلا مقابل، سوى شعورٍ عابر بأنه لا يزال مرئيًا في هذا العالم.

ذات مساء، قال لي بصوتٍ خفيض كأنّه يهمس لنفسه:
“مثقلٌ أنا بالديون، لا أدري كيف أفي بها. لو تخلّصت من هذا العبء، لكنت أسعد الناس، ولا يهمّني بعدها إن قرقرت أمعائي أم صمتت إلى الأبد.”

لكن من أين له الخلاص؟
هو الذي اعتاد أن يقتات على ما تبقّى من فتات مطبخه المتواضع، مكتفيا برفاهية الماء البارد، كما يقولون في لهجتنا: “عايش بالستارتير”.

وإن حالفه الحظ ببعض الدراهم، قصد ركنًا قصيًّا في مقهى شعبي، يتحسّس فيه إشارة الواي فاي، تلك التي لا تطاله إلا هناك، ليبدأ طقسه الباذخ: فنجان قهوة، سيجارتان أو ثلاث، ثم يغوص في فلك هاتفه الذكي، يدوّن حضوره في مواقع اعتاد أن يتقيّأ فيها بعض الحروف والحروق، أو يلتهم ما يسدّ به جوعه المعرفي.

من يراه، يحسبه من المحظوظين. فمظهره أنيق، ونظراته وادعة، كأنّه لا يعرف الفاقة طريقًا.
لكنه في الحقيقة، رجل ينمو في الظل، يسمو في صمت، ثم يموت كلّ مساء، مدركًا أن الغد لن يكون أكثر إشراقًا، ولا أقلّ ضبابية من الأمس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock