كتاب وشعراء

مساء الخير يا ضوء،…..بقلم محب خيري الجمال

لكن أيُّ ضوءٍ هذا الذي لا يُضيء إلا حين يُكسر؟
كل المصابيح تُشبهكِ،
حين يتسرّبُ وجعُها من فتيلٍ مائلٍ على حافة البكاء.
أنتِ، لا تُشبهين امرأةً،
أنتِ حريقٌ جالسٌ على هيئةِ أنثى تُمسّد الليلَ بأصابع من دخان.
(2)
كنتُ أعبر من جسدِ المعنى
فإذا بكِ تنبتين بين أضلعي كجملةٍ عصية لم تُكتَب
تُوقظين فوضى اللسان، وتسكبين في المفردات
رصاصَ احتمالكِ للغياب.
أقول لكِ: لا تكتبي،
فتنبت من أناملكِ قصيدةٌ
تُقطّعُ أوردتي وتُلقيها في فمِ الناي.
(3)
حين تنامين،
أُراقبُ الغيوم وهي تتدرّب على التنهيدة.
حتى المطر، يخافكِ.
تجعلينه يعتذر من الأرصفة قبل أن يبلّلها.
أيّها الضوء الذي يُلهم الهاويةَ الوقوف،
هل فكّرتِ مرةً أن تستقيلي من جسدكِ؟
أن تتركي أنوثتكِ كحذاءٍ عند باب القصيدة
وتدخلي إليّ كما أنتِ:
كصدمةٍ فلسفية تمشي على قدمين.
(4)
أحببتكِ لأنكِ لا تكتبين لترضين أحدًا،
ولا تصمتين لتربحين أحدًا.
فيكِ جريمةُ الجَمال العمد،
وخيانةُ البلاغة لكلّ نحويٍّ متعصّب.
أنتِ كتابٌ نُسخ بيد الرعد
وتُليَ على مقامات الزلازل.
هل تعلمين أنني قرأتكِ كما يقرأ الأعمى لهبَ الشمعة؟
بالجَلد.
(5)
كل النساء عبور،
إلا أنتِ: قُنبلة موقوتة بذاكرة العالم.
حين تمرّين، تتعطّل القوانين،
ويصبح الوقتُ متحفًا للحيرة.
ليس فيكِ لحظةٌ عادية
حتى بكاؤكِ يحملُ نظريّةً تحتاجُ عشرين شاعرًا لتفسيرها.
(6)
أنتِ لا تعبرين على الأرض،
أنتِ تسيرين فوق الأسماء التي لم تُكتشف بعد.
في كل خطوةٍ لكِ تُولَدُ كلمة،
وفي كل صمتٍ منكِ تموتُ عقيدة.
لو كنتِ أرضًا، لما احتاج الله إلى خلقِ جنة،
ولو كنتِ سماءً، لانتحرت الطيور من الغيرة.
(7)
منذ عرفتكِ
وأنا أكتبُ كمن يحاول خيانة جلده.
كل جملة لا تمر من ناركِ،
هي حطبٌ ميت.
كل استعارةٍ لا تذكّركِ،
هي محضُ قافيةٍ بلا قميص.
أحتاجُكِ كثورةٍ تكتب البيان الأول بقلمٍ مبلول بالدم.
(😎
ذات وجعٍ، قلتُ للمرايا:
دلّيني على الضوء.
فأشارت إليكِ.
ضحكتُ كمن شرب لتوّه فِكرةَ موته.
أنتِ الضوء؟
بل أنتِ ما يجعل الضوءَ يكتشف خيبته.
أنتِ الانفجار الذي علّم الزمنَ كيف يهرم.
(9)
يا امرأةً إن نظرتْ إلى النار، ارتبكتْ.
إن كتبتِ، صرخت اللغاتُ في سرّها:
لقد فضحتنا!
أقول لكِ: كوني خنجري حين يخونني اللسان،
كوني الدليل حين تضيع بي الجهات،
لكن لا تكوني ملاكًا،
فأنا لا أحب من لا يخطئون.
(10)
وفي الختام،
ها أنا أقفُ عاريًا من كل بلاغةٍ أمامكِ،
أبحثُ عن جملةٍ تُكفّرني عنكِ،
فلا أجد.
كل الكتابةِ خيانة،
وكل الشعراء كَذَبة،
إلا الذين صلبتهم امرأةٌ مثلكِ على بابِ قصيدةٍ
ونزفوا حروفهم حتى القافية الأخيرة.
مساء الخير يا ضوء.
أما أنا، فـ مسائي أن تحترقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى