مِيثَاقُ النُّضْجِ وَالِانْتِعَاش…بقلم حيدر البرهان

أُقْسِمُ بِهذَا الْوَعْدِ عَلَى نَفْسِي،
لِإِنْسَانِ الْغَدِ الَّذِي أَصْبُو إِلَيْهِ.
لَنْ أَلْعَنَ الْمَاضِيَ بَعْدَ الْيَوْمِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ مَشَقَّاتٍ،
بَلْ سَأَحْنِي هَامَتِي شُكْرًا وَإِجْلاَلاً لِدُرُوسِهِ الْقَاسِيَةِ الضَّرُورِيَّة.
أَعِدُ بِأَنْ أَحْمِلَ نُدُوبِي لَا كَشَاهِدٍ عَلَى الأَلَمِ،
بَلْ كَنُقُوشٍ تَحْكِي قِصَّةَ صُمُودِي،
فَقَدْ أَدْرَكْتُ أَنَّ الأَلَمَ هُوَ إِزْمِيلُ النَّحَّاتِ الَّذِي يَنْحَتُ مِنْ أَعْمَاقِنَا ذَاتًا أَقْوَى.
أَتَعَهَّدُ بِأَنْ أَجْعَلَ مِنْ دُمُوعِي رِيًّا لِبُذُورِ شَجَاعَتِي، مُقِرًّا بِأَنَّ مَنْ شَعَرَ بِعُمْقٍ قَدْ عَاشَ بِكُلِّيَّةٍ.
فَدَمْعُ العَيْنِ لَيْسَ ضَعَةً،
بَلْ هُوَ مُعْمَدُ الشُّجْعَانِ وَمِحْنَتُهُمْ.
أَحْلِفُ بِأَنْ أَحْمِلَ ذِكْرَى مَا فَقَدْتُ لَا كَفَرَاغٍ مُوجِعٍ،
بَلْ كَإِنَاءٍ مُقَدَّسٍ.
لَقَدْ عَلَّمَنِي الفَقْدُ ثِقَلَ الْحُبِّ وَالارْتِبَاطِ.
فَالخَسَارَةُ مُعَلِّمٌ صَارِمٌ يُجْبِرُ الْقَلْبَ عَلَى أَنْ يُدْرِكَ وَيُعَظِّمَ قِيمَةَ النِّعَم.
سَأَسْتَقْبِلُ الْفَشَلَ لَا كَشَاهِدِ قَبْرٍ،
بَلْ كَبوصَلَةٍ تَهْدِينِي.
سَأَسْتَخْرِجُ الْحِكْمَةَ مِنْ أَعْمَاقِ كُلِّ عَثْرَةٍ،
وَأَنَا مُدْرِكٌ أَنَّ الفَشَلَ لَيْسَ نَقِيضَ التَّقَدُّمِ،
بَلْ هُوَ عَجَلَتُهُ الْبَطِيئَةُ الَّتِي لا بُدَّ مِنْهَا.
سَأَرْتُقُ قَلْبِي الْمُكَسَّرَ لَا بِمَرارَةِ الْيَأْسِ،
بَلْ بِذَهَبِ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ.
سَأَرَى فِي كُلِّ انْكِسَارٍ لَهُ مَدْرَسَةً عُلْيَا فِي فُنُونِ الْحُبِّ وَالْحُدُودِ وَقَدْرِ الذَّاتِ.
فَانْكِسَارُ الْقَلْبِ لَيْسَ نَكْبَةً،
بَلْ هُوَ النَّارُ الَّتِي تُصَفِّي الْمَشَاعِرَ الْخَامَ لِتَحْوِلَهَا إِلَى حِكْمَةٍ نَاضِجَةٍ.
لِذلِكَ، أَتَقَدَّمُ بِالشُّكْرِ لِكُلِّ أَلَمٍ،
وَلِكُلِّ نِهَايَةٍ،
وَلِكُلِّ حُلْمٍ تَهُوَّرَ وَسَقَطَ.
لَمْ يَكُونُوا أَبَدًا أَعْدَائِي،
بَلْ كَانُوا مُرَبِّينَ عِظَامًا،
لا يُهَونُونَ وَلا يَتَرَاخَوْنَ، هَذَّبُونِي وَهَيَّأُونِي لِمُسْتَقْبَلٍ لَمْ يُبْنَ عَلَى صُدْفَةٍ عَرَضِيَّةٍ،
بَلْ عَلَى أَسَاسٍ مِنْ قُوَّةٍ مُكْتَسَبَةٍ،
وَشَجَاعَةٍ وَاعِيَةٍ،
وَأُنْسٍ بِالنِّعَمِ، وَتَقَدُّمٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ،
وَحِكْمَةٍ رَاسِخَةٍ عَمِيقَةٍ.
هذا هُوَ قَسَمِي.
لَقَدْ أُعْطِيَ الْمَاضِي حَقَّهُ مِنَ الإِجْلاَلِ.
وَالمُسْتَقْبَلُ قَدِ انْفَتَحَتْ أَبْوَابُهُ.
وَأَنَا..
أَنَا قَدِ اسْتَوَيْتُ وَاكْتَمَلْتُ.