لَمْ أَدَعْها تَسْتَخْرِجْ قَلْبي…..بقلم عمر لوريكي

لَمْ أَدَعْها تَسْتَخْرِجْ قَلْبي لِتَزْرَعَ فيهِ تَعَلُّقَهَا بِي
ها هِيَ كَما لَمْ أَتَوَقَّعْها، لا تَكادُ تَعْرِفُ لِلِاسْتِسْلامِ سَبيلًا. لا تُؤْمِنُ أَبَدًا بِطولِ اللَّيْلِ وَلا جُنوحِ الضَّبابِ لِتَكْثيفِ عَتْمَتِهِ عَلى السُّبُلِ الَّتي مَشَتْ عَلَيْها حافِيَةَ الْخاطِرِ، منزوعة الأحلام، مُرْغَمَةً مِنْ أَيِّ بساطٍ تَسْتَدْفِئُ إِلَيْهِ.
ها هِيَ وَقَبْلَ انْقِشاعِ الصَّباحِ تَقولُ إِنَّ ما قَضَتْهُ مَعِي بَيْنَ أَزْهارِ شوتبوص لا يُقاسُ بِالْأَيّامِ وَلا الْأَشْهُرِ، وَلَنْ تَقْبَلَ تَشْييئَهُ بِمُدَّةٍ لا تَعْتَرِفُ هِيَ بِمساحاتِها وَلا مَجازِها.
كَمْ مِنْ حُلولٍ اسْتَحالَ عَلَيَّ إِيجادُ مَنْطِقٍ لِتَوَفُّرِها بِصَدْرِها بِهَذِهِ الْغَزارَةِ، وَهِيَ تَنْفُثُها عَلَيَّ عَبْرَ شَفَتَيْها الْحَمْراوَيْن. وَكَمْ مِنْ مَتاهاتٍ أَجْهَدَتْ نَفْسَها لِتَبْسيطِ تَعْقيداتِها لي، عَساني أَرى مُنْعَتقًا شافِيًا فيها، هُنا داخِلَ هَذِهِ الْمَزْرَعَةِ الَّتي رَأَتْ فيها النّورَ ذاتَ رَبيعٍ فلاماني هادئ، هُنا حَيْثُ كَبِرَتْ وَهِيَ لا تُتْقِنُ سِوَى أَعْجَمِيَّتِها، مُنْتَعِشَةً بِطُفولَةٍ معْزولَة عَنْ أَيِّ فَهْمٍ غَريبٍ لِلْحُبِّ أَوْ أَيِّ تَعَلُّقٍ يَغْشاها وَيُحَوِّلُها لِكومَةٍ مِنَ الْأَفْكارِ وَالْكَوابيسِ الْمُرْعِبَةِ.
تَقولُ لي: لَا تُحَدِّثْني عَنْ فَلْسَفَةِ الرَّحيلِ بِكِتاباتِكَ، فَروحي لَنْ تَسْتَوْعِبَها، وَلَا تُحَدِّثْني عَنْ آثارِ النِّسْيانِ وَتَظُنَّ أَنَّها سَهْلَة الْحَذْفِ، وَلا تُحاوِلْ إِقْنَاعي بِأسرارك العميقة والغامضة، فَهَذا القصر الْمَحْدودُ في الْحَياةِ لَنْ يَتَحَمَّلَ مِنْكَ كُلَّ التَّقَلُّبِ وَالتِّرْحالِ عَلى الدَّوامِ.
كَمْ مِنْ تَوَسُّلٍ لا يَليقُ بِسِحْرِها لِأَقْبَلَ بِالِاسْتِمْرارِ عازِفًا عَلى جَسَدِها نُوتاتِها، فَما وَجَدْتُ غَيْرَ انْقِطاعٍ يَلي اِنْقِطاعًا، وَانْعِكاسٍ لا يَشي بي وَلا يَدْفَعُني دَفْعًا حتى لِأَعْتَذِرَ لَها…
ها هِيَ تُحاوِلُ جاهِدَةً إِنْقاذي مِنْ وَرْطَتي، بَعْدَما وَقَعْتُ فيها وَقَرَأْتُ رِسالَتَها بِعَيْنِ الْبَليدِ الَّذي لا يفْقهُ شَيْئًا مِنْ ذاتِهِ وَلا دُنُوَّها الْمَحْتومِ مِنْهُ، كَأَنَّها تَعْرِفُ كَيْفَ تَسْتَخْرِجُ قَلْبي مِنْ جَسَدي لِتَزْرَعَ فيهِ تَعَلُّقي بِأَهْدابِ خَيالِها وَهُدوئي في هُدوئِها.
كَيْفَ لي أَنْ أَسْتَلْقِيَ عَلى اخْتِلافِها مَعِي؟ كَيْفَ لي بِتَمْتيعِها بِهَذا الِانْشِطارِ الثَّقافِيِّ بَيْنَ ما لَمْ تَعُدْ تحسّ بِالِانْتِماءِ إِلَيْهِ وَبَيْنَ ما صارَتْ تَميلُ إِلى حُبِّهِ وَالْهُيامِ بِهِ، فَقَطْ لِأَنَّهُ أَظْهَرَ ما خَفِيَ مِنْها وَاسْتَخْرجَ مِنْها أَقْحُوانَها الَّذي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَبْلي هُنا.
ها هِيَ أَوْراق شوتبوص تَتَساقَطُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِها عَلَيَّ وَحيدًا كأني معها ودونَها، وَأَنا أَكْتُبُها بَيْنَما تَسْتَلْقي هِيَ عَلى التَّأَمُّلِ في صَنِيعي الَّذي صارَتْ مُتَيَّمَةً بِهِ.
ها هِيَ أَشْجارُ جَنَّتِها الْخَضْراء تَتَقَمَّصُ حُزْنَها، بَيْنَما أُقَرِّر أَنا الْبُكاءَ كَالْماضي الَّذي لَنْ يَعودَ أَبَدًا عَلى وُجودِها، وَأَخْتار مُرْغَمًا قَبْرًا لَها، أَعودُ لِأَضَعَ عَلَيْهِ بَعْضًا مِنْ أَكَاليلِها بَعْدَ زَمَنٍ ما، وأنا نادم على عدم السماح لها باستخراج قلبي لزرع تعلقها بي…
يتبع…







