رؤى ومقالات

رياض حسن محرم يكتب ….أمريكا تعيد ترتيب المنطقة..أولها الحلف المصرى السعودى

  • منذ فترة والولايات المتحدة تخلط أوراق المنطقة وتعيد ترتيبها كأى لاعب ورق ماهر، فمن الواضح أن أهمية المنطقة تراجعت الى حد كبير فى الإستراتيجية الأمريكية بعد مجموعة من العوامل منها تراجع الحاجة للبترول العربى “خاصة بعد الإكتفاء الذاتى لأمريكا من النفط الصخرى”، وبعد تقلص الخطر النووى لإيران بتوقيع إتفاقية 5+1 ، وأيضا إستبعاد الخطر العسكرى ضد إسرائيل بعد ثورات  الربيع العربى ونشأة حالة من الإنكفاء الداخلى لتلك الدول على مشاكل أمنية وإقتصادية داخلية و حالة التمزق والحروب الأهلية بها، وبعد إنتهاء الحرب الباردة بسقوط الإتحاد السوفييتى السابق، كل ذلك ما حدا بأوباما الى تنفيذ عملية إنسحاب منظم من المنطقة بدأها منذ مدة بسحب معظم قواته من أفغانستان والعراق وتحديد الهدف من تدخله بالمنطقة فى حدود الصراع ضد التنظيمات المتطرفة التى تهدد الغرب وإسرائيل وعلى رأسها داعش والقاعدة بقوات محدودة للتدريب وطلعات جوية ضد داعش، على أن تظل دول المنطقة سائرة فى الفلك الأمريكى وتحمى المصالح الإقتصادية للغرب ولا تعادى إسرائيل.
  • الخلاف الظاهر بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربى هو خشية هذه الدول من تخلى أمريكا عنها وإتخاذها موقفا محايدا بينها وإيران والسماح لإيران بدور فى المنطقة من خلال إستخدامها للبعد الدينى فى الصراع فى العراق وسوريا واليمن ولبنان وحتى فلسطين، وقد جاء ذلك على خلفية تهديد ما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش” للدول الغربية وأمريكا وإمتداد وجودها الى السواحل الليبية ودول الشمال الإفريقى ومنطقة سيناء وجنوب اليمن ودور الأفكار الوهابية السعودية فى تأجيج ذلك الصراع وصنعها حاضنة لتلك الأفكار السنية المتطرفة وإستبعاد الجانب الإيرانى من لعب هذا الدور كما جاء فى حديث أوباما لصحيفة أطلانتك بزعمه أن الإرهاب يأتى من الجانب السنى فقط ولم تسجل حالة إرهابية أو تفجير إنتحارى شيعى ودعوته الى إقامة سلام بارد مع إيران على غرار العلاقات بين مصر وإسرائيل، وفى ذلك السياق سارعت السعودية للتدخل العسكرى فى اليمن والى إتخاذ موقف معادى للحشد الشعبى بالعراق ولحزب الله فى لبنان مع إحتضانها للمعارضة المسلحة السنية المتشددة فى سوريا ودعم تحالفها مع تركيا، ومعروف أن المصالح فقط هى التى تحرك العلاقات السياسية بين الدول ولا يوجد أى دعم مادى أو عسكرى دون مردود وهذا ما جعل أمريكا تخفض إهتمامها ودعمها لتلك الدول وتسعى للإنسحاب المنظم (Retrenchment)من المنطقة وتعطى إهتماما أكبر بمراحل للخطر الصينى إقتصاديا وربما عسكريا أيضا.
  • لاشك أن إسرائيل كان لها المصلحة الكبرى من التواجد الأمريكى المسلح بالمنطقة كعامل امان لها حيث ثبت لها فى حرب 73 أهمية وجود قوات أمريكية قريبة من أراضيها حتى يمكنها نجدتها فى أوقات الضرورة، على أن إسرائيل حاليا تعتبر أنها شبت عن الطوق وتتخذ قرارات منفردة وضاغطة على الولايات المتحدة بما فى ذلك معارضتها للإتفاق النووى مع إيران ورفضها لكل الحلول مع الفلسطينيين، وتتفق مع السعودية نظريا فى مواجهة بقعة الزيت التى سكبتها إيران فى مياه المنطقة، بعد كل ماحدث فقد تركت المنطقة بدون دولة أو تكتل قوى قادر على لم شتات الوضع العربى لتشكيل قوة مركزية حقيقية تمثل رافعة للعمل العربى فى مواجهة التحديات التى تواجهها وعلى رأسها الإرهاب والتمدد الايرانى، ورغم الخلافات السياسية والتوجهات المختلفة بين مصر والسعودية فقد رأت واشنطن أن تكاملهما قد يكون بديلا للوجود العسكرى الأمريكى ويتيح لها إنسحابا آمنا وإستمرار علاقاتها المحورية بالمنطقة ودورها الحصرى فى تسويق سلاحها لتلك الدول ودوام فتح الأسواق العربية لبضائعها مع عدم التهديد المباشر لحليفتها الأساسية إسرائيل وربما قبولها بالمنطقة وإمكانية التحالف معها مستقبلا،ولنجاح عملية تفكيك وإعادة تنظيم المنطقة يُشتَرَط إشراك أكبر دول الشرق الأوسط ” التى بقيت سليمة الى حد كبير” والمقبولة من قطاع أكبر من شعوب تلك الدول، ويلعب التباين النسبى فى السياسة الخارجية لمصر والسعودية فى الصراعات القائمة ” الموقف من الوضع السورى واليمنى والعلاقة مع إيران” دورا فى ذلك.
  • التشنج الظاهر فى علاقات الولايات المتحدة بالدب الروسى لا يبدو حقيقيا، فما زالت روسيا بعيدة عن أن تكون منافسا حقيقيا لأمريكا إقتصاديا أو عسكريا ولكن الخطر الحقيقى هو التنين الصينى المنافس القوى والقادم بقوة بالإضافة الى الهند وباقى دول جنوب الباسفيك ومنطقة المحيط الهندى خاصة مع ظروف الأزمة الإقتصادية الى كان أحد أسبابها الإنفاق العسكرى الضخم فى أفغانستان والعراق والذى تجاوز ترليونى دولار، لقد لعب الروس دورا منقذا للأمريكان فى سوريا الذين وصلوا بمجمل سياستهم الى طريق شبه مسدود نتيجة تعقيد داعش للموقف وعدم قدرة المعارضات السورية أو النظام السورى على مواجهتها، وجاء التدخل الروسى لدعم النظام فرصة سانحة أمام الإدارة الأمريكية لتعديل موازين القوى بما سمح للنظام بتحرير تدمر من داعش وتقليم أظافر جبهة النصرة وصولا الى وقف الأعمال العنفية وإدخال المساعدات للمناطق المحاصرة وبدأ التفاوض على حل سياسى.
  • إن أوباما يفعل الآن تماما مثل ما فعل ريتشارد نيكسون بعد هزيمته وإنسحابه من فيتنام حين عمد الى تقليص الإعتمادات الأمنية – العسكرية المباشرة فى العديد من المناطق وإستبدالها بدعم نظم إقليمية تدور فى الفلك الأمريكى منها شاه إيران وإسرائيل فى الشرق الأوسط والبرازيل فى أمريكا اللاتينية وتركيا فى البلقان وآسيا الوسطى وحلف الأطلسى فى أوروبا، لذا فإن أوباما يسعى حاليا الى تقوية الحلف السعودى المصرى ويسعى الى دمج إيران فى المنطقة وجسر الخلافات المصرية التركية بوساطة سعودية موجها تركيزه الحقيقى الى الصين والداخل الأمريكى الذى بدأ ينحاز الرأى العام فيه أكثر فأكثر الى مشاكله الداخلية وحالة الإسلاموفوبيا التى تفسر الصعود المفاجئ لدونالد ترامب فى الإنتخابات الأمريكية، إن الغرب وأمريكا  غير آبهين بمدى مراعاة دول الشرق الأوسط للديموقراطية وحقوق الإنسان وهمّها الأكبر موجه الآن الى وقف تلك الموجة غير المسبوقة من هجرة اللائجين الى الشواطئ الأوروبية، وفى محاولتها لإعادة ترتيب أوراق المنطقة فقد يساعدها فى ذلك الدور السعودى الطموح والذى ظهر بقوة بعد وصول الملك سلمان الى الحكم والذى إستطاع فى أقل من 5 شهور أن يعيد ترتيب مملكته من الداخل وأن يغزو اليمن بعاصفة الحزم ويشكل التحالف الإسلامى ويرسل طائراته الى تركيا تمهيد للتدخل فى سوريا بعكس سابقيه من الملوك الذين لم يظهروا قوتهم المباشرة أو يندمجوا فى تشكيل تحالفات إقليمية، وما إعلان الملك سلمان من القاهرة بموافقته على إقامة قوة عربية مشتركة الاّ جزءا من ذلك التوجه الأمريكى الجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى