رؤى ومقالات

خالد الشربيني يكتب :تقييم الأثر و تأثيرات رأس الحكمة

على مدار عشر سنوات حقيقية بعد قيام ثورتين شعبيتين ماذا قدمت الحكومات المصرية المتعاقبة من مشاريع قومية مستهدفة ، وكم بلغت تكلفتها، ومن أشرف على التنفيذ، وماذا تحقق من إنجازات، ومن هم المستفيديون ، وما هي الحلول والخطط التي كانت مطروحة للتغلب على العثرات المتوقعة و المحتملة ، وأين الشروط المعلنة ، ولماذا غابت المعاير الدقيقة ، وما هي أولويات التفضيل بين المستهدف وفق رؤية أحادية أو مدروسة وبين البدائل المطروحة وفق رؤى أخرى ، وهل لعب المتخصصين الدور الفاعل أم كانت التوجيهات أمراً مفروضا لا يقبل النقاش وهل كانت الخطوات الفاعلة تسير وفق خطة مدروسة بالفعل ؟ أم أن الرغبة وحدها هي المحرك للإرادة،
.. الحقيقة أن الدولة المدنية هي نسيج من مؤسسات الدولة المتخصصة والأهلية وشريك موازي مع أدوات الاستثمار الخاصة والتي من المفترض وشرط أن تعمل جميعها على أساس مبدأ تكافؤ الفرص وذلك بمسئولية نحو خدمة مصلحة الوطن أولاً ،
ومع تحقيق المصداقية من توافر مبادئ الحيادية التنافسية والمحفزات المدرة للمنفعة العامة والخاصة دون تفضيل ؛ وعلى جميع الشركاء تطبيقا وشرطا ثانياً،
هذا المبدأ والذي يأتي كضمان معلن لجذب الاستثمار ، مساندة ودعما للاقتصاد القومي للدولة.
وعلى أن تقوم الدولة بدور الراعي للشعب حفاظا على مقدراته و أصوله الإستراتيجية، وذلك وفق رؤى متعددة تتفق مع وحدة الهدف، وصولا إلى النتائج المرجوة تفضيلا و دون تفريط وفق خطط مدروسة لا تقبل المغامرة أو المقامرة بين احتمالين أو المخاطرة بمقدرات شعب ملك إرادة التغيير مرتين حتى يصل إلى حلمه الذي خرج يطالب من أجله.
أسئلة كثيرة و معطيات و مؤشرات الجميع يتعايش مع واقعها ويتحدث ولا يعلم إجابتها وتبقى ( لماذا ؟ ) لسان حال الناس مع تراجع الثقة بين الشعب وحكومته وهي السؤال المتكرر والمطروح دوما بلا تفسير ولا إجابة واضحة رغم قراءة الأحداث بين المتراجع و المرجو والمحقق بين وعود الماضي و الحاضر و آمال المستقبل ،
إن الثقة التي يُستند إليها في إدارة المشروعات القومية يجب أن تكون مدعومة بالتخصص ؛ وهي مبدأ التكليف ابتداءا وأيضا هي مبدأ المحاسبة انتهاءا ؛ وذلك استنادا إلى العلم واختيار الأفضل لا إلى الولاء والطاعة كمنطق وحيد في تقييم الأداء بعيدا عن الأثر و المردود،
وإذا تحدثنا عن التقييم والأثر فالأمثلة كثيرة ومتعددة بين ما كان مستهدف وتمت بموجبه الاستدانة الداخلية ما بين رفع الروح المعنوية اصطلاحا، واستدانة خارجية تمثلت في تمويل وانشاء محطات عملاقة للطاقة الكهربائية تعمل بالغاز والذي تقرر الاستغناء عنها مؤخرا بالبيع،
وجدير بالذكر أن قرار البيع الذي اتخذته الإدارة المصرية مازال يواجه عراقيل وتحديات عدة أهمها رفض المقرض الألماني للقرار والذي بدأ بالتفاوض مجددا على تحصيل قيمة القرض بصورة أسرع أو الاستمرار مع رفع أسعار الفايدة عليه،
حيث أن قرض الإنشاء كان تنمويا بغرض مساندة الدولة المصرية وبفائدة بسيطة ولم يكن بغرض البيع والاستثمار، يأتي المعرقل الثاني في عدم وجود إطار زمني في التغلب على أزمة نقص الوقود الشديد اللازم لتشغيل المحطات.
ومن الأمثلة الأكثر تأثيرا والتي ترتب عليها تفاقم بعض الأزمات والتي تعد كأولوية قصوى في عملية التقيم..
مشروع العاصمة الإدارية الجديدة بعد أن تأكد للجميع أنه كان توجه غير مدروس ولم يأتي بثماره الجيدة في الأجل القريب
رغم أن الفكرة من المشروع كانت بهدف الاستثمار وتحقيق أرباح وليست اتجاه لبيع أصول الدولة،
ومن هنا أود أن أوضح ببساطة الفرق بين الشراكة في الاستثمار وعقود الانتفاع المؤقتة وبين التملك المشروط الذي يخضع لدستور الدولة ولا ينظمه اتفاق يخالف قوانينها، وبشكل مختصر دون استفاضة فلا يجوز تملك الطرق والكباري والمرافق العامة المؤدية والتي تقدم خدماتها للمشروع المستثمر والمقام على أرض مملوكة للدولة،
والدولة هنا صاحبة السيادة ، أما  في حالة البيع المطلق فالدولة هنا وإن كانت شريك في الاستثمار غير المباشر إلا أن صاحب رأس المال دائما تكون له اليد العليا في فرض شروطه…
ومنذ بداية ميلاد  الفكرة من الاستثمار في الأرض لم تكن هناك دراسة موضوعية ترجح جدوى المشروع ولم يصدر عنها توصيات لها سابقة الفصل أمام جرأة القرار بين العائد المخاطرة،
حتى أن طلب المصريين لم يكن مستهدف منذ البداية ، لأنه أقل ، ولن يكون أبدا بحجم هذا المشروع العملاق،
ذلك لأن الطلب على المشروع أكبر من إمكانيات الـ ٩٠ ٪ من غالبية الشعب المصري، و أكبر بكثير من احتياجات نسبة الـ ١٠٪ الباقية و الذين يملكون الثروة ، ولأن المشروع كان رؤية ملحة لدى الدولة وكان مستهدف منه سرعة استجابة الاستثمارات الأجنبية و الخليجية بشكل خاص وهو ما لم يحدث وبالتالي زادت معه تكلفة المخاطرة وكنتيجة مباشرة لبعض العوامل و التوترات العالمية المفاجئة في توقيتها تسارعت الأزمات أكثر فأكثر وتضرر الشعب المصري مرات ومرات من زيادات الأسعار المتعاقبة نتيجة قرارات التعويم المتلاحقة وتوحش تجار السوق السوداء نتجية نقص العملة في البنك وارتفاع السعر الموازي للدولار،
تلك كانت الأزمة الغير متوقعة من الحكومة المصرية رغم أن المشهد كان محتمل وقريب جدا ؛ والتي تسببت فيها تطورات جيوسياسية عالمية واقليمية قريبة وبعيدة ترتبط مباشرة بمصالح الدولة المصرية ؛ و بمصلحة شعبها من تدبير احتياجاته الملحة في أمور متعددة تستلزم وجود سيولة من النقد الأجنبي كذلك اقتراب موعد سداد القروض وتزاحم الديون وفوائدها وهو ما نتج عنه توقف العمل بالمشروع مع تراجع العائد المرتقب في الأجل القصير وبالتالي في سداد تكلفة المخاطرة الغير مدروسة،
والقاعدة دائما تقول أن رأس المال جبان يناظر ويتفاوض ويضغط ليحصل على امتيازات جديدة متوافقة مع الأوضاع الجديدة وفق قرارت مؤجله تتفق مع مصلحة شريك الاستثمار مستغلا في ذلك عامل الوقت الضاغط من تراجع سعر العملة وتدهور الظروف المحيطة والديون الملحة
والنتيجة تمثلت في فشل الاتفاق وتحمل الدولة تكلفة التنفيذ كاملة وعائد المخاطرة وحدها ،
وكطبيعة الرؤية الضبابية والعشوائية حتى وإن كان المتوقع والمستهدف كان أكبر
تمثل في حلم بناء عاصمة عملاقة واستغلال العائد منها في المساهمة في إقامة مشروعات أخرى موازية هدفها رفع الناتج القومي وبالتالي زيادة الدخل القومي الحقيقي على مستوى الدولة والفرد،
الحقيقة أن القرارات الاقتصادية المسئولة لها خطوات مقدمة وليست مؤجلة تُعَظّم فيها المصلحة وفق رؤية واتفاق بين الشركاء المستهدفين تقتسم فيها الدولة نسبة من العائد من الاستثمار الجزئي المرتقب وتتحمل فيها بداية مع الشريك نسبة مدروسة من التكلفة وفق شروط معلنة تضمن وفاء الشركاء بالعقد المبرم وهذا الالتزام يكون في مواجهة أي احتمال ويقلل من تأثير أية معوقات أو مخاطر ممكن أن تطرأ والتي من شأنها أن تعمل على تخفيض حجم الضرر،
أما الخطر الواقع اذا تحملت الدولة وحدها كامل التكلفة، ذلك لأن الدولة في ظل وضع اقتصادي صعب ولا تستطيع أيضاً تحمل تبعات قرار الانتظار أو عرقلته أثناء أو بعد الانتهاء لتقرر هي و تطرح فيها العقود عبر منصات استثمارية ، فاقتصاديات مالية الدول لا تدار بالنوايا ولا يخضع التأثير المباشر من جدواها فقط لتغيرات السوق المتقلبة بين العرض والطب.
ومن التقييم سريعا إلى مجريات الحل..
رأس الحكمة كان بمثابة طوق النجاة للدولة المصرية والعائد من المشروع كان المنقذ والحل الأسرع في احتواء الموقف والرد على ضغوط البنك الدولي والاستجابة لقرارات لم تكن مطروحة من قبل
فكانت الحصيلة الدولارية الأولى من الأموال المستثمرة في مشروع رأس الحكمة تبعها الموافقة على القرض الجديد الممنوح لمصر من قبل البنك الدولي بمثابة شريان اغدق على البنوك المصرية وفرا من السيولة وكانت الخطوة المتعاقبة ضربا للسوق السوداء بأتخاذ قرار التعويم الحر لأول مرة بديلا عن التعويم المدار،
فبين أولويات الدولة في رفع المعاناة عن الشعب المصري وتقديم الدعم الحقيقي له ، وكبدابة مبشرة في مواجهة ارتفاع وتيرة التضخم ومحاربة السوق الموازي وجزب المزيد من الاستثمارات هذا من جهة ، وبين مبدأ الحيطة والحذر وتكلفة المخاطرة من جهة أخرى ؛ ظل هذا القرار محل الدراسة خلال الأشهر الماضية إلى أن حانت الفرصة المميزة في اتخاذ القرار الأكثر جرأة ، والغير متوقع ، والذي يمكن الدولة من السيطرة على التضخم في الأجل القريب ، والقضاء على السوق الموازية ، من خلال توحيد سعر صرف العملة المحلية وفق آليات العرض والطلب ، وهو ما يعرف بالتعويم الحر والذي لم يكن مطرح لولا توافر السيولة النقدية من النقد الأجنبي الذي أدره مشروع رأس الحكمة ،
وبرغم تخطي الأزمة بنجاح إلا أن الخطر مازال قائم ، إذا لم تستغل الحكومة المصرية الأموال المستثمرة في تنشيط عجلة الاقتصاد القومي المصري المتباطئ بمشاريع تنموية حقيقية ، تدر أرباحا فعلية تساهم في تقليل وتيرة التضخم وتقلل من سعر الصرف نتيجة النمو الاقتصادي المتوقع ،
ومن المتوقع أن تنتهي موجة الغلاء تدريجيا اذا احكمت الدولة قبضتها الرقابية على الأسواق المصرية حيث أن طبيعة السلع متنوعة محلية وغالبيتها مستوردة والتي انخفض ثمنها رغم قرار التعويم حيث كانت تدبر قيمة الاحتياجات منها من السوق الموازي على اسعار تفوق السبعون جنيها مصريا مقابل الحصول على الدولار ولم يكن الدولار متاحا داخل البنوك المصرية على السعر الرسمي ٣١ جنيها حين ذاك أما الآن بعد القرار الصائب وتوافر العملة الأجنبية فقد فتحت الاعتمادات المستندية والإفراجات الجمركية عن البضائع والأعلاف وخلافه وانتهت مافيا السوق السوداء ،
هذا ويتراوح سعر الصرف الحالي على متوسط تقدير ما بين سبعة واربعون جنيها و خمسون جنيها صعودا وهبوطا مقابل الدولار داخل البنوك المصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى