رؤى ومقالات

د. محمد فاروق يكتب : رحلة من الشرق إلى الغرب (1ـ 2)

عزيزي القارئ :
إسمح لي أن أصحبك في رحلة ” من الشرق إلى الغرب ” في الجزء الأول منها ، رحلة لا تعترف بترتيب الأحداث بقدر ما تعتمد على إظهار ما مضى ومحاولة ربطه بالحاضر لنصل إلى نتيجة ” أسعى جاهداً منذ فترة للبحث فيها ” رحلة النسيان ونُكران الجميل ، ورحلة الصِدق وعدم ضياع البوصلة ” والفرق بين الفريقين ، ومعرفة المُحركات الأساسية النفسية التي تحكم الطرفين بين الرضا والغضب ، بين السخط والإحساس بالمسئولية ، بين ما يجعل أحد الفريقين مع الدولة ، والآخر ضدها على طول الخط ، والطرفان مصريان وطنيان أصيلان ، فنحن هنا لن نتحدث عن الخونة وأهل الشر ، بل تشريح للضمير المصري الوطني وفقط .

حاول معي أيها القارئ أن تربط الأحداث المتلاطمة والمتفرقة ببعضها ، لنصل بنهاية أجزاء هذه الفكرة إلى تشريح دقيق لحال المؤيدين والمعارضين ، وهل كانت الذكرى والذاكرة ” وجوداً أو عَدَماً ” هما العاملان الرئيسيان في التأييد أو في المعارضة ؟!

بدايةً أنا لم أنسى يوماً ” الحسرة التي كانت على وِجه الرئيس السيسي ” بعد تفجير طائرة الركاب الروسية ، كان لسان حالُه يقول ” يا رب ساعدني ” ، يا رب أنا أحمل على عاتقي هموم الدنيا ، وكلما حاولت الاستفاقة والنظر والعمل للمستقبل فوجئت بكارثة من نوع جديد آخر !.
إذا قمنا بحساب الكوارث والمصائب المُباغِتة والصادمة التي وقعت على مصر وعلى رأس هذا الرجل وهو يحاول ينتشل مصر من الضياع منذ 2013 ، و مقارنةً بين الوضع الآن في 2020 سنعرف ونُدرك مدى رعاية وحب الله لهذا البلد وهذا الشخص ، منذ أن تولى المسئولية وهو يعبُر كل كارثة وكل مصيبة تسقط على رأسه ورأس مصر بفضل الله وكرمه ، ومَن يتوكل على الله فهو حسبُه .
أرجو أن تعود معي بالذاكرة قليلاً :
في الشهور القليلة قبل يونيو كان الحديث الشعبي الدائر في كل الأوساط “عن تقاعُس رجل العسكرية في إنقاذ مصر ” من الخيانة والتآمر الذي بات واضحاً ولم تستطع هذه الجماعة إخفاءه أو مُداراته ، فقد سلّط عليهم ربُهم أنفُسَهُم وسارعوا وتصارعوا على جمع الغنائم قبل إحكام قبضتهم على مصر ، وكانت تمر الساعات علينا ونحن ننعي غياب الرجل الذي يتخذ من هذه المعطيات ذريعة لمساندة الشعب والإطاحة بهذه الجماعة قبل بيع الشجر والحجر المصري بما فيهما من تاريخ وجغرافيا وهويّـه عاشت وستظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها

لم نرى بادرة أمل في توجهات ” السيسي ” لمساندة الشعب في كل التظاهرات السابقة على يونيو ، بل العكس رأيناه يُطفئ نار الثورة في مدن القناه التي سارعت لعمل تفويض رسمي موثق لتولِّيه مسئولية البلاد وسحب الثقة من مرسي وجماعته ، بالرغم من أن هذا الحل غير دستوري ، لكنه كان تحركاً هائلاً من أهالينا في مدن القناة .

كذلك الحال في انقلاب محافظة الدقهلية وأحداث المنصورة على وجه التحديد ، أيضاً تم هذا حيال التظاهرات الواسعة التي ضربت القاهرة والإسكندرية في فترات متتاليه وبغض النظر عن بعضها الذي كان قليلاً في عدده بعض المرات ، لكن كانت هناك تظاهره شهيرة في ديسمبر 2012 والتي أدت إلى مجزرة الاتحادية ، ثم في 25 يناير 2013 ، ولم نجد للسيسي أو الجيش ” حِس ولا خبر ” . ولا داعي هنا لأن يقول البعض أنه كان واثقاً في السيسي ، فمعرفة الشعب بالسيسي لم تبدأ إلا في 2013 ، وإذا سألت أي مصري عن مدير المخابرات الحربية في عهد مبارك وتحت رئاسة المشير طنطاوي ، سيقول لك لا أدري ولم أعرفه !

وعلى ضوء ذلك بدأنا في اتهام الرجل والانقلاب عليه ووضعه في خانة المجرم المتستر على ” جماعة ورئيس ” أقل ما يوصف به أنه خادم لمعبد الكاهن الأعظم القاطن بالمقطم والسارق لمصر والقاتل لشعبها . بل ذهب البعض لاتهام السيسي بأنه تابع لجماعة الإخوان ، وازداد النقد الشعبي والكراهية لشخص وزير الدفاع عندما خرج علينا ليُعلن عن موافقة الجيش على مشروع ” إقليم قناة السويس ” حيث أفاد بكل ارتياح عن تقديمه لبعض التعديلات على المشروع وموافقة الرئاسة ورئاسة الوزراء والبرلمان على هذه التعديلات ، وهو مشروع مسموم وخطير ويضرب بالأمن القومي المصري عرض الحائط ، فكيف اعتبر مدير المخابرات الحربية المسئول عن الأمن القومي الحدودي أن الأمر ليس بهذه الخطورة ، ولا يجد مانع للموافقة و تمرير المشروع !!

وكثيراً ما قال للشعب أن التغيير لا يأتي إلا بالصندوق ، وابتعدوا عن استدعاء الجيش لأنه كُرَة لَهَب وجمرة نار فلا تُقحموه في السياسة ، فأصاب الجميع وقتها خيبة أمل ، و أيقن أن الدولة المصرية ذهبت مع الريح ، أدرك الجميع أن مصر العظيمة صاحبة السبعة آلاف سنة أصبحت بضاعه أتلفها الهواء ، وباتت قاب قوسين أو أدنى من الضياع بلا عودة
فهل كان الشعب في هذه الآونة مُحباً للسيسي مرتبطاً به آملِاً فيه ؟ أنا أحد أبشع الذين نالوا من هذا الرجل ، كل الشعب المصري نال منه وقتذاك .

إلا أن الرجل كان يسعى كما هي عليه صفات رجل المخابرات والمُدرك لأبعاد الملف والمشهد وتداعياته وطريقة الانقضاض عليه مع تقدير كامل للوقت والكيفية حتى لا تتضرر مصر أو يُسمى هذا الحدث الجلل ” انقلاباً عسكرياً ” .. ومع كل المشهد الشعبي في 30 يونيو لم نَسلم من اتهامات العالم وتوصيف ما حدث بأنه انقلاب ولو من خلال بعض التصريحات أو السياسات المُتخذة ضد مصر .

إكتشف الشعب أن السيسي كان يعمل قُرابة عام كامل على تأهيل الأرضية السانحة والسامحة بتحرير مصر دونما خسائر ، تبيّن للشعب أن هذا الرجل يعمل منذ عام لتأميم مصر وجلاء العدوان ، بالفعل العملية كانت تحتاج لوقت وتدبير وترتيب عظيم ، كيف تم تأميم قناة السويس وهي شركه أو أحد موارد مصر ؟ …. إذاً كيف لو قمت بتأميم مصر بكل قطاعاتها ووزاراتها ومؤسساتها واستبدالهم مباشرةً بعد بيان السيسي والإعلان الدستوري بالشكل الذي لا يسمح بالضرر لأياً من مصائر الشعب والدولة والتزاماتها داخلياً وخارجياً !

من هنا وقعت مصر في حب هذا الرجل ، كيف لا ؟ قل لي بالله على دينك ماذا فعلنا كلنا حتى نهاية يوم 30 يونيو ؟ هل استطعنا زحزحة مرسي وجماعته ؟ هل كان لنا ملجأً أو مُنقذاً غير الله ثم الجيش بقيادة وقرار هذا الرجل ؟ عربون محبه مُكلَّلّ بتضحية عظيمه كادت أن تُودي بحياة الرجل إلى حبل المشنقة ، فكيف لا يعشقه الشعب الخالي من أمراض الأجندات والأحزاب والمصالح . !
هذه هي قصة الشعب الشريف مع هذا الرجل ، فاعطني سبباً واحداً لاتهامهم بأنهم عبيد أو خانعين ؟

أتذكر جيداً اليوم الذي قطع فيه زيارته وحضوره لمؤتمر القمة الإفريقية في 2015 فوراً حينما مرت مصر بأحد أسوأ الأحداث التي شاهدناها خلال السنوات الماضية ، وهو حادث اغتيال واستشهاد 30 ضابط وجندي وإصابة 50 آخرين في شمال سيناء !

قُل لي بربك ماذا تفعل ؟ كيف تستطيع التركيز في بناء المستقبل وكل العوامل ضدك وتتحداك وتزداد ضراوة وصعوبة يوماً بعد يوم !!
قُل لي فقط نقطة واحدة أو حل لمشكلة واحدة بعينها ” كيف ستدفع مرتبات العاملين بالدولة دون تأخير طيلة هذه الشهور الطويلة منذ منتصف 2013 وحتى نهاية 2015 !

في وسط كل ذلك كانت الحرب في سيناء وتطهير جبل الحلال وتدمير الأنفاق التي تخطى عددها ثلاثة آلاف نفق ، ليس هذا فحسب ، بل كانت عجلة التنمية والمشاريع الخاصة بتعمير سيناء وحفر الأنفاق وسحارات سرابيوم يتم بالتوازي مع عمليات التطهير والحرب الدائرة ، حيث أن تطهير سيناء مرتبط بالقضاء على الإرهاب كَشِق أمني وبالتوازي معه التشييد والتنمية والتعمير كَشِق تنموي !

ثم في وسط كل هذا تحدث عمليات إرهابية تستهدف كنائس وأوتوبيسات سياحة دينية مسيحية لبعض الأديرة ، وبعدها فوراً تفجير وقتل واستشهاد لمسجد الروضة بكل المصليين!
وما يترتب على ذلك من أحزان ، وتعطيل لعجلة السياحة ، واعتبار مصر بلد غير آمِن ، ويتأثر الاقتصاد بالتبعيَّة ، والمواطن لا يعلم إلا حاجته لراتبه في آخر كل شهر ، كيف ؟ و من أين ؟ لا علاقة له بذلك !

هذا بخلاف الذين يتهمون الرئيس بأشياء لا دخل له بها ، كالذي يشكو من الخدمات الصحية المتدنية ، أو نظام التعليم السيء ، أو المحافظات والقُرى التي ليس بها صرف صحي ، أو ما شابه ذلك ، وهذا كله ميراث ثقيل من العصر البائد ، وليس للسيسي فيه ناقةً ولا جمل !

أعود بك أيضاً للخلف عزيزي القارئ ، وقبل استقالة البرادعي من منصب نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية بأيام قليلة ، وترددت أنباء عن استقالة البرادعي من منصبه في هذا التوقيت العصيب ، ثم ظهر على قناة الحياه في حديث خاص نفى كل هذه الأنباء ، وقال إنها مجرد إشاعات .

مصر وقتها كانت في وضع لا تُحسد عليه – مصر وقتها كانت مُهدده تهديدات عظيمة ، وضغوط وتهديدات سياسية ودبلوماسية خطيره جداً في ظل تسمية ما حدث في 3/7 على إنه انقلاب بكل ما تحمله الكلمة من ضغوط عالميه بشعه . ليس هذا فحسب ، وقتها كان الشعب المصري في انتظار انفجار أبشع قنبلة إرهابيه في تاريخ مصر ” منطقة وتجمُع رابعه – ومنطقة وتجمُع النهضة ” ! كنا نواجه ادعاءات ومسلسلات قذره ، وتجاره بالدم وافتعال أحداث وتمثيل ونقل صورة مزيفة للخارج !

ثم في وسط كل ذلك ، وبعد أن نفى الدكتور البرادعي إشاعات استقالته في هذا التوقيت القاتل ، وجدناه استقال بالفعل وطار مع أول طائرة ذاهبة إلى الدنمارك ثم إلى فيينا ” موطنه الأصلي ” كيف يحدث ذلك ؟ لماذا استقال ؟ وإذا سلّمنا جدلاً أنه لا يريد المنصب ، فلماذا لا يجلس في بلده ؟ لماذا فَرّ وهرب وترك البلاد في أسوأ حالاتها ، لا سيما وأن استقالة شخصية عالمية بحجم البرادعي وقتها ، ثم هروبه من مصر ، تُوحي للعالم أجمع أن النظام المصري نظام انقلابي ، وأن البرادعي رفض التعاون مع هذا النظام ! والجميع وقتها كان يبحث عن 1% من خبر وحدث مثل ذلك ، ويقيمون من أجله الاحتفالات بالخارج ، ويظنون أنهم بذلك قد أسقطوا اليد العُليا لمصر .

عزيزي القاريء : كنت معك في جولة من الشرق إلى الغرب ، سنُكملها في الجزء الثاني بمشيئة الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى