رؤى ومقالات

رياض حسين محرم يكتب ….هل تكون السعودية هى الهدف القادم لتنظيم “داعش

كان الأولى بتنظيم داعش أن يؤسس دولته فى السعودية حيث الفكر الوهابى المؤسس للسلفية بأنواعها والحاضنة الشعبية الواسعة التى تتبنى تلك الأفكار التكفيرية بدلا من مجتمعات حضارية ذات مستوى ثقافى متقدم وتاريخ طويل فى فصل الدين عن الدولة كالمجتمعين العراقى والسورى، لكن لم يكن هذا التنظيم بإستطاعته مجابهة أنظمة أمنية قوية لدول مستقرة بل كان من السهل عليه إنتهاز فرصة الصراعات الداخلية والحروب الأهلية كى يضرب ضربته ويؤسس دولته، تماما كالجراثيم الإنتهازية التى تختار الجسم المرضوض حيث المناعة ضعيفة وإمكانية النفاذ إليه متاحة فالجهاز الليمفاوى منهك وكريات الدم البيضاء رافعة الراية البيضاء.

نعلم أن شرعية الحكم السعودى تعتمد على الفكر الوهابى السلفى، مملكة (الأمير والشيخ) منذ تحالف إبن عبد الوهاب مع محمد بن سعود فى الدرعية على مبدأ ” الدم الدم ..الهدم الهدم” وتم بموجبه تقسيم السلطة بشكل ضمني إلى سلطة سياسية (زمنية) يتولاها ابن سعود (وورثته من بعده)، وأخرى ثيولوجية (دينية) يتولاها الشيخ (وورثته من بعده). واعتبر كل من رفض دعوة الشيخ وجب قتاله لأن دعوته هي دعوة الرسل فمن يرفض فكره فهو بالضرورة يرفض الإسلام والتوحيد، وكل من يرفض مبايعة الدولة يجب قتاله لأنه يرفض الدخول في عقد الدولة التي تحمي التوحيد من الشرك وحافظ على عقده من بعده أبنائه وتلامذته كإبن باز وإبن عثيمين وغيرهم الحاملين لمفاتيح هذا الفكر والمفسرين له فى مواجهة المفكرين المعارضين من رجال دين أو ليبراليين أمثال وليد أبو الخير أو رائف بدوى وتمارس الوهابية سيطرتها المجتمعية من خلال “هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر” ونشر المطبوعات الوهابية فى أنحاء العالم الإسلامى وتقديم العون المادى للتنظيمات السلفية المتشددة لنشر تلك الأفكار التى تركزّ على المسائل السطحية الخاصة بالعبادات ومحاربة العلمانية والديموقراطية والحضارة بكل تجلياتها العقلية فى أفكار سطحية مغيبة كالزعم بكفر القائلين أن الأرض تدور حول الشمس وتطور الأنواع وجواز قتال الشيعة “الروافض” وقتلهم، ذلك الفكر الذى أفرخ عتاة التكفير فى الحركة الإسلامية المعاصرة إبتداءا من حسن البنا وسيد قطب وصالح سرية وشكرى مصطفى وجهيمان العتيبى ” جليس وتلميذ إبن باز” وصولا لعبد الله عزام وأسامة بن لادن والظواهرى ومن لف لفهم.

عندما أتت “داعش” آخر عنقود الوهابية ” فى آخر المطاف أو نهاية الزمان – كما يزعمون- والتى تعد نسخة حديثة للوهابية وجدت ضالتها فى الوهابيين بالجزيرة العربية الذين دعموها بالمال والرجال والذين يعتبرون أعضاءا غير منظمين داخل داعش لذا فإن السعودية تعد منبتها وأصل شجرتها وهى بمثابة الحبل السري الذي يتغذى عليه الدواعش، ذلك باعتراف الوهابى “عادل الكلبانى” الإمام السابق للحرم المكى بقوله “إن تنظيم داعش يستلهم أفكاره ومناهجه من الفكر الوهابى المتبع فى السعودية” هذا الفكر الذى يعتمد على المبادئ الوهابية بأضلاعها الثلاث: التكفير- الهجرة- الجهاد، فلا غرو أن يكون من بين ال 19 إرهابى الذين نفذوا أحداث 11 سبتمبر 15 سعوديا وليس مصادفة أن يؤسس تنظيم القاعدة سعودى وأن يتولى الأمير خطاب السعودى قيادة المجاهدين فى الشيشان، والأمثلة لا يمكن حصرها، لذا فلم يكن غريبا أن تتطلع داعش الى الجزيرة العربية لإقامة خلافتها وفى ذلك يقول فرانك جاردنر محرر الشؤون الأمنية بالبي بي سي والمطلع على الشأن السعودي إن تنظيم الدولة الإسلامية “يوجه أنظاره تجاه المملكة العربية السعودية ، تلك البقعة التي شهدت بداية ظهور الإسلام والتي تعد أكبر دول العالم إنتاجا وتصديرا للنفط” وكما يذكر الباحث السياسي والأكاديمين بيرنارد هيكل، أستاذ العلوم السياسية للشرق الأدنى، في مقابلة مع  CNN، إن تنظيم داعش يرغب بالتأكيد بمواجهة الحكومة السعودية وإسقاطها.

أماّ لماذا كانت السعودية تحديدا تمثل البيئة الحاضنة للأفكار الوهابية فإن لذلك “فى وجهة نظرى” مبررا هو كون هذا البلد مهبط الوحى والرسالة ويضم الحرمين الشريفين قبلة المسلمين لذا كان شرطا لريادتها التمسك الحرفى بتعاليم وعقائد الإسلام فى صورته الأصلية بحكم مسؤوليتها الدينية والتاريخية، تلك المعادلة الصعبة التى يتململ منها المواطن والحكام فى السعودية ويحاولون موأمتها مع فقه الواقع والتغيرات المتسارعة فى العالم حتى لا يسقطون من ثقب التاريخ، لاشك أننا أمام الرؤية الوهابية النقيّة التي صاغها محمد بن عبد الوهاب حين أقام إمارة دينية تكون منصّة لإطلاق مشروع الخلافة الاسلامية القائمة على: التوحيد، والولاء والبراء، والهجرة والجهاد، وذلك هوالفهم الفريد لدى الوهابية لعقيدة التوحيد بأركانها الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، كما أن كثير من أدبيات داعش مبنية على رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عقيدة التوحيد. فقد ذكر في كتابه أن نواقض الاسلام العشرة من بينها (من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفراً إجماعاً) ويتطابق أيضا مع موقف الشيخ من الشفاعة، والتوسل، والنذر، والبدعة، وزيارة القبور، إن خطورة داعش تكمن إذن في اعتناقها ذات المدّعيات العقدية وتبشيرها بنفس التعاليم الدينية التي صاغها المؤسس محمد بن عبد الوهاب، وتزيد على ذلك أنها تحمل في طياتها الوعد المؤجل بإقامة دولة الخلافة وفى هذا منافسة حقيقية مع فلسفة الحكم السعودى، إن السبب الحقيقى فى تأييد حكام السعودية لإزاحة حكم الإخوان فى مصر يكمن فى الخوف من ظهور حكم ذا طبيعة إسلامية سنية منافس لهم بنفس المبررات الدينية مقوضا مشروعية قيادتهم للعالم السنى فى مواجهة حكم آيات الله الشيعى، والمدير التنفيذي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” كينيث روث يحدد “إذا نظرت إلى الأيديولوجية السعودية الوهابية، فإنك ستدرك أنها الأيديولوجية الحقيقية التي أدت إلى ظهور مجموعات مثل داعش، إنها أيديولوجية خطيرة جدا لا دور فيها لحقوق الإنسان من خلال ممارسة الدين”، كما يقول عميل المخابرات البريطاني (أم أي 6) السابق أليستر كروك فى بحث نشره موقع «هافينغتون بوست» على حلقتين «تاريخ إخوان السعودية واضح: فكما فعل إبن سعود وإبن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر، وفعل الإخوان السعوديون في القرن العشرين، فهدف داعش الحقيقي سيكون الحجاز والسيطرة على مكة والمدينة، وبالتالي الشرعية التي ستضفيها عليهم كأمراء جدد على شبه الجزيرة العربية».

كما ساهم إكتشاف النفط فى إنتعاش الفكر الوهابى وأدى إرتفاع سعره الى إنتشاره فى ربوع العالم الإسلامى فإن إنهيار أسعاره ودخول النظام السعودى فى مغامرات خارجية مكلفة سواء باليمن أو التدخل فى الصراع السورى كطرف يدعم منظمات إسلامية متطرفة ” فى محاولة إستنساخ التجربة الأفغانية” وإرسال طائرات وجنود للتدخل البرى ” فى ظل إهتزاز العلاقات السعودية الأمريكية بعد توقيع الإتفاق النووى مع إيران” بما يؤدى الى زعزعة تماسك الحكم السعودى والإنزلاق سريعا الى دولة رخوة تسيل لعاب الداعشيين فى الوصول اليها بصفتها قاعدتهم المجتمعية الأساسية التى تحمل أفكارا هجينة لأفكارهم ومعتقداتهم، هذا بينما تؤدى الحرب الدولية على داعش ودولتها فى العراق وسوريا الى محاولة الهروب الى مناطق دافئة تحقق فيها بعض الإنتصارات كمنطقة سرت فى ليبيا وفى جنوب اليمن التى أعلنت القاعدة “رديف داعش” أنها إستولت فيها على محافظات كاملة كالمكلا وأبين وزنجبار وفى طريقها للحسم فى عدن وتوسع عمليات داعش فى القارة الأوروبية ومناطق أخرى، الظرف الحالى قد يغرى داعش بالعودة الى الأصول ومحاولة إيجاد نقطة حصينة لها على ارض الجزيرة، أم أن الأوان لم يحن بعد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى