رؤى ومقالات

خلفيات تغطية الجزيرة المكثفة للانتخابات الإيرانية بقلم : طه خليفة

الإيرانيون أنفسهم لم يشعروا أن عندهم انتخابات رئاسية، حتى جاءت قناة الجزيرة وأشعرتهم بذلك عبر تغطية مفتوحة متواصلة لها منذ عدة أيام.
هى انتخابات يغلب عليها الشكل أكثر من المضمون، ديمقراطية مصنوعة على مقاس النظام الإيراني، وتوجهات وتعليمات المرشد الأعلى على خامنئي.
إبراهيم رئيسي الذي تم إعلان فوزه منذ ساعات، كان معروف أنه هو الفائز منذ ترشح، وتأكد ذلك بعد إعلان مجلس صيانة الدستور قائمة المرشحين الذين يحق لهم الاستمرار، (هذا المجلس يقرر من يصلح للترشح، ويشطب من يراه غير صالح، باعتبار أنه ليس مع الثورة، وومشكوك في ولاءه لأهداف الثورة، والجمهورية الإسلامية)
هى انتخابات تحصيل حاصل، ولهذا جاءت نسبة التصويت أقل من المعتاد، رغم الضخ الواسع للتصريحات الرسمية من منظومة الحكم، وعلى رأسها المرشد الخامنئي، للشعب بضرورة التوجه للصناديق لمواجهة الأعداء (من هم الأعداء؟، إيران هى عدو نفسها، إيران النظام الديني المستبد، وليس الشعب الطيب المقهور صاحب التاريخ العميق).
الجزيرة منحت الانتخابات قيمة، وصنعت لها وجوداً، وهذا ليس عفوياً من القناة، ولا مهارة إعلامية.
المسألة لها جانب سياسي خفي مرتبط بطبيعة العلاقات من قطر صاحبة الجزيرة تجاه إيران القوة الكبرى في منطقة الخليج.
قطر تسعى لكسب ود إيران وعدم إغضابها أو توتير العلاقات معها، ولو بالزيف، لتفادي آذاها، ومناكفة السعودية بالورقة الإيرانية، خاصة خلال الأزمة الخليجية، ومحاولة كسب ود أذرع إيران في البلدان العربية (4 عواصم عربية تخضع لـ طهران)، وضمن شروط المصالحة من الرباعي العربي مع الدوحة تخفيض علاقاتها بإيران للحد الأدنى، (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر)، والدوحة ستلتزم وستهدئ من الارتماء في الحضن الإيراني، وستقوم بعملية مناورة والتفاف حيث ستعرض على الرياض القيام بدور الوسيط بينها وبين طهران، والمملكة بعد ذهاب ترامب مضطرة لتخفيف التوتر مع إيران، وتقديم تنازلات.
وتغيير الأدوار في لحظة من النقيض للنقيض مكون أساسي في سياسة قطر القائمة على البراجماتية المذهلة.
قطر تخفف من علاقتها السياسية مع إيران ترضية للسعودية، لكنها في نفس الوقت تقوم بتعويض جانب من ذلك لترضية طهران عبر منصة الجزيرة بمنح الانتخابات الشكلية صوتاً إعلامياً عربياً ودولياً مسموعاً ونافذاً (الجزيرة العربية، والجزيرة مباشر والجزيرة الإنجليزية) وبالتالي يتم تصوير هذا البلد أمام من لا يعلم طبيعة الحكم والانتخابات والسياسة الفردية في إيران بأنه بلد ديمقراطي ويجري انتخابات ويشهد تنافساً، فيقوم هذا الذي لا يعلم من العرب بعقد المقارنات بين ديمقراطية إيران وبين استبداد العرب.
هذا دور ماكر تمارسه الجزيرة لصالح إيران، فالتغطية كلها إيجابية، وتدعم النظام الإيراني، وتبيض وجهه، وتروج وتسوق له خارجياً، حتى المذيعة التي أرسلتها للتغطية من طهران في استديو خاص غيرت لباسها المعتاد إلى الزي الإيراني، وهى سورية بالمناسبة.
الإعلام ذراع مهم للسياسة، وأحياناً يصنع السياسة، أو يتقدم عليها، هيكل مثلاً في مصر كان صانع مهم لعقل وافكار عبدالناصر، والأهرام كانت موجه بارز للمصريين، ومنها يفهمون كيف يفكر رئيسهم وطبيعة السياسة والمواقف والتوجهات التي يقررها، والإعلام الأمريكي ساهم في خسارة ترامب للانتخابات.
في وثائق ويكيليكس هناك مقولة لوزير خارجية قطر الأسبق الشيخ حمد بن جاسم بشأن العلاقة بين قطر وإيران كالتالي : (هم يكذبون علينا، ونحن نعرف، ونحن نكذب عليهم، وهم يعرفون).
علاقات مزيفة، وتمثيل أدوار على ساحة مسرح السياسة، وهكذا كل قادة وبلدان العالم يمثلون مسرحياتهم الخاصة والثنائية والجماعية، وهم يعرفون، ونحن نعرف أيضاً، ومن لا يعرف هو المشكلة لأنه لا يفهم.
أعجبني

 

تعليق
مشاركة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى