رؤى ومقالات

د. محمد فاروق يكتب : كيف كان الزند وزيرا للعدل .. كيف ؟!

الباحثون عن الحق والحقيقة ينبغي أن يقفوا دقيقةَ حداداً على ضياع البوصلة ، وتشويش العقل المصري ،وتشويه الصورة البيضاء التي نحاول جاهدين رسمها دونما رتوش إضافية من هنا أوهناك ، دونما مغالاة أو تمجيد ، دونما قتل أو هزيمة واغتيال لكل الإيجابيات ، الحق والحقيقة يعانان من مرض عضال ، تسببت فيه شرذمة إعلامية من هنا وهناك أيضاَ ، ما أدى إلى صنع حالة من الفتنة أصبح الحليم فيها حيراناً .

المستشار أحمد الزند لا يختلف كثيراً عن شلة المنتفعين ، أو مجاذيب اليسار ، كلهم لا يألون في مصر وشعبها إلاًّ ولا ذمة  ، وقرار تعيينه بالأصل وزيراً للعدل كان قراراً خاطئاً ” إلا إذا ” !

أحمد الزند هو الشخصية أو أحد الشخصيات والتابوهات التي قامت من أجلها الثورة ، قل ثورة أو مؤامرة ، ليس هذا حديثنا ، إنما هو أحد مكونات الاحتقان ، رمز من رموز العدالة الاجتماعية ” الغائبة ” والتي كانت تحرص السلطة الأسبق على تربيتها وتسمينها واستخدامها في حرث أرض الفساد ورعايتها وزيادة محصولها عبر أفكار وقوانين وتشريعات وتأييد  مطلق ومنقطع لتحويل الباطل إلى قانون لا يمكن أن ينال من الفاسدين والمعتدين والراقصين على لحوم المساكين !

وقفة أحمد الزند في عهد الإخوان لم تكن لله ولا لرسوله ولا للمؤمنين ، أسد القضاء لم يكن أسداً من أجل مصر ، مصر غير مدينة لأحد ، لم يكن لمصر وشعبها في ذلك درهم ولا دينار ، بل هو دفاع عن مكتسبات العمر وصولجان السلطة وموقع الأشراف والأسياد ، تماماً كما جاءت زلاّت اللسان المتعاقبة ، الواحدة تلو الأخرى ، لتكشف عن بواطن الرجل وما تكنُهُ من كِبر وتكبُر وتجبُر ، الجميع يذكر له جملة ” نحن أسيادهم ” ! فيمن قيلت ؟ ليس هذا هو المهم ، إنما هي لا تقال حتى عن أبي لهب أو زوجته ، كلنا عباد الله أيها المتغطرس الجبار ! فينا ما فينا ، ولا يوجد منّا سيداً على الآخر ، مهما بلغت حقارة الآخر ! فكيف كنت وزيراً للعدل ؟! كيف أخطأت القيادة السياسية في اختيارك ممثلاً للعدل ؟! اللهم ” إلا إذا “

ثم الذين انبروا في مدحك وقتذاك ” وقت تعيينك وزيراً للعدل ” ! ألم يسألوا أنفسهم ماذا أعددت للعدل منذ أن توليت منصبك ؟! ماهي القرارات الاستثنائية الناجعة والمؤثرة في سير العدالة التي اتخذتها ؟! كل ما جاء منك من قرارات لا يختلف عن كونك نقيباً للقضاة ! افتتاح محاكم ، تصريحات بشأن استحقاقات الرفاهية والترف لمنسوبي القضاء في أوقات الأزمة ، ضرورة وجود نادي خاص للقضاة بشرم الشيخ ، وبحد تصريحك ” إذا لم يكن للقضاة مكاناً بشرم الشيخ ، فلمن تكون شرم الشيخ ” ؟! ناهيك عن ظهورك المتكرر مع شلة المتسلقين من الإعلاميين لتأمر بما لا يُستطاع ، وتطالب الدولة بفرض ضريبة شهرية قيمتها عشرون جنيهاً عن كل فرد تذهب لدعم جهاز الشرطة !

وفي الحقيقة أن القضاء والقضاة وجهاز الشرطة يستحقون التبجيل والاحترام خلال الخمسة سنوات العسيرة المنصرمة ، لكن الشعب المصري عن بكرة أبيه يستحق الشفقة والرحمة التي نُزعت من قلبك تجاه المساكين ، هذا الشعب الذي عانى لعقود طويلة من جحود الحاكم ، من أطماع الحاكم ، من مآرب أمثالكم ! صدق مَن قال ” لقد عانى هذا الشعب الكريم ، ولم يجد من يرفق به أو يحنو عليه ” هذه الجملة لا تقال إلا تعبيراً عن الزمن البعيد ، ولا تعني عاماً واحداً فقط من حكم جماعة المجرمين المتأسلمين  ! هذه التصريحات تخلو تماماً من الإشاعات التي كانت جماعة الإخوان تروجها بين الحين والآخر ، نحن لا نتبع الشبهات ولا الإشاعات ، لنا الحقائق دون مغالاة .

المستشار أحمد الزند أنهى جلسته مع رئيس الوزراء بالأمس رافضاً تقديم استقالته ! مَن أنت حتى ترفض تقديم استقالتك ؟ ولماذا ؟ إنه صولجان السلطة يا سادة ، أطماع المناصب والحفاظ عليها ، تماماً كما كان موقفه الصارم إبان حكم الإخوان ، ليس لمصر وشعبها درهم ولا دينار في مواقفه ! .. ثم ذهب الرجل ليستقوي  بنادي القضاة !! أنظر إلى الغريق الذي يتعلق بالقشة ؟! أنظر كيف أحاطت الغشاوة بأعيُنه ؟ ماذا سيفعل بك ، ولك ، ومعك نادي القضاة ؟! أنت تحت إمرة السلطة التنفيذية ! وأنت تعلم ذلك جيداً ، ولكنك تريدها ناراً ، تريد ضغوطاً على القرار السياسي قبل أن يصدر بحقك ! فأين مصر وشعبها من حرصك على المنصب الآن ؟!

القيادة السياسية لم تتردد في إعفاءك من منصبك مساءً ، لم تُمهلك حتى إلى الصباح ، الأمر الذي أثبتت معه القيادة أنها لا تُحابيك أنت ولا غيرك ، والأمر الذي كشفك على حقيقتك ! مجرد لاهِث على السلطة ، شديد البحث عن البقاء الآمن في أحضان النعيم ! قُل اللهُم مالكَ الملكِ تؤتي المُلكَ مَن تشاء ، وتنزِعُ الملكَ ممن تشاء !

القيادة السياسية لم تفكر على إطلاق الكلمة في تأثير هذا القرار على الأطراف الأخرى ” فرحاً أو حزناً ” لم تفكر في شماتة الإخوان ، أو شلة المجاذيب من اليسار ” وليس كل اليسار مجاذيب ” .. لم تفكر القيادة في سرادق العزاء الذي نصبه بعض الإعلاميين من المنتفعين والمتسلقين ، القيادة السياسية التي حسناً فعلت أنها أبعدتك عن السلطة القضائية بتعيينك وزيراً للعدل تحت إمرة السلطة التنفيذية ، ثم أزاحتك في أروع جملة موسيقية أتمناها كذلك تحت شعار ” إلا إذا ” .

والآن : أما آن لنا أن نُعمل عقولنا من أجل مصر ؟! ألم يأنِ لنا أن نتحرى الحقائق ؟ أن نكف عن ظلم السلطة السياسية واتهامها بما ليس فيها ؟ أن نُخرس ألسنتنا عن وصمها بالسلطة التابعة لدولة مبارك ، أو التابعة للفكر السلفي والواقعة تحت تأثيره ؟ أو النيل منها من أصحاب المصالح بوصفها ضد يونيو ؟! هل سنظل في ترديد الإشاعات السياسية والاقتصادية ونشرها وغيرها بلا عقل أو ضمير ؟! ما هي البوصلة التي نتجه إليها ؟! يا سادة يا كرام هذه السلطة ليست كأي سلطة ، ولا الواقع أشبه بأي ماضِِ ذهب بلا رجعة ، ولا الظرف مشابهاً ، ولا حتى المكان من حولنا أصبح كما هو ، اللهم إلا مصر ، كنانة الله في أرضه ، هي المتفردة والمتماسكة في جغرافيتها ، فاللهم احفظها بحفظك الذي لا يُضام .   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى