رؤى ومقالات

د.عادل عامر يكتب ….طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية في الميزان الدستوري والمعايير الدولية

إن موضوع استقلال القضاء شأن يتجاوز بكثير حدود القضاة أنفسهم إذ أنه في جوهره وثيق الصلة بقضية العدل وميزان الحرية في المجتمع‏,‏ وفي العالم المتحضر فإن قيمتي العدل والحرية تتأثران سلبا وإيجابا بمقدار ما هو متوافر من استقلال للقضاء في كل بلد‏,‏ لذلك فإننا حين ندافع عن استقلال القضاء ونتشبث به‏,‏ فإنما ندافع عن أنفسنا في حقيقة الأمر‏,‏ وحين يستشعر القضاة قلقا من جراء نقصان استقلالهم‏,‏ فإن ذلك القلق ينبغي أن ينسحب علينا تلقائيا‏.‏ إن استقلال القضاء ليس ترفاً، وليس خيارا للشعوب أو الحكام .. بل هو حتمية حياة وضرورة وجود .. بغيره يأكل القوى فينا الضعيف، ويفتقد المظلوم من يلوذ به ويثق في استقلاله ونزاهته.. وهو صمام الأمان للمتقاضى قبل القاضي .
مبدأ سيادة القانون
والحديث عن دولة المؤسسات وعن مبدأ سيادة القانون وعن المشروعية في دولة لا يوجد فيها قضاء مستقل يصبح نوعاَ من العبث، لأن هذه الأمور جميعا مرتبطة ارتباطا وثيقا لا ينفصم، فحيث يوجد إيمان بمبدأ المشروعية وسيادة القانون وحيث يوجد الدستور، فان السلطة القضائية المستقلة تأتى كنتيجة طبيعية، أما عندما يختفي مبدأ المشروعية وعندما لا يكون هناك إيمان بمبدأ سيادة القانون، فانه لا يمكن تصور وجود سلطة قضائية مستقلة في مواجهة بطش السلطة التنفيذية. الهدف من استقلال القضاء ومن حماية هذا الاستقلال هو تحقيق العدالة التي لا يمكن أن تتحقق في غياب أحد مقوماتها الأساسية وهو استقلال القضاة وحماية هذا الاستقلال من أي تدخل وتأثير، فما هو مفهوم هذا الاستقلال؟ وما هي مقوماته؟ وما هي ضرورته؟.
مفهوم استقلال القضاة
يقصد به استقلال سلطة القضاء كسلطة وكيان عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعدم السماح لأية جهة بإعطاء أوامر أو تعليمات أو اقتراحات للسلطة القضائية تتعلق بتنظيم تلك السلطة، كما يعني عدم المساس بالاختصاص الأصلي للقضاء، وهو الفصل في المنازعات بتحويل الاختصاص في الفصل لجهات أخري كالمحاكم الاستثنائية، أو المجالس التشريعية أو إعطاء صلاحيات القضاء إلى الإدارات التنفيذية، وكذلك باعتبار القضاء سلطة وليس وظيفة.
أعتبر مبدأ استقلال السلطة القضائية من المبادئ المهمة والحيوية التي تتعلق بحقوق الإنسان، فقد عرف هذا المبدأ منذ القدم أي في العصور الفرعونية واليونانية، كما وأدرجت العديد من الوقائع في الإسلام منها ما يشير إلى دور القاضي العادل في تأدية وظيفته بصورة مستقلة، ومنها ما تدل على تطبيق القانون بالتساوي بين البشر، بلا فرق بين غني وفقير ولا بين حاكم ومحكوم؛ لاعتبارات شرعية أو دينية أو أخلاقية، غير أن العديد من الشخصيات كانوا يرفضون تولي منصب القضاء لخطورة هذا المنصب، وأهميته في المجتمع، ولإيمانهم بوجود جزاء أخروي ودنيوي يحل بمن يخل بواجبات هذه الوظيفة.
ومن هنا وجدنا ضرورة البحث في القواعد العامة التي يجب ألا يحيد عنها القائمون على السلطة القضائية ووزارة العدل عند إعادة هيكلة وتشكيل السلطة القضائية.
المبادئ العامة الواجب الالتزام بها لكي تشكل السلطة القضائية بما يتفق والدول المتحضرة:
1. ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (عندما تحدث عن حق الالتجاء للقضاء)
أجمل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حقوق الإنسان في أن لكل فرد الحق في الحرية، والمساواة والحق في الحياة وفي سلامة شخصه من الرق والتعذيب والمعاملة القاسية، وفي التملك والضمان الاجتماعي، والعمل والتعليم، والحق في مستوى مناسب من المعيشة يكفي للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، كما نصت المادة الثامنة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على:
 “أن لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم المدنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحه إياها القانون”، كما نصت المادة العاشرة على: “أن لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة، نظراً عادلاً علنياً؛ للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه”، ونصت المادة الحادية عشر على: “أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً، بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه، ولا يدان أي شخص من جراء أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً
وفقاً للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب، ولا توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب الجريمة”. كما تضمنت الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/ ديسمبر 1966، بضعة نصوص مفصلة لحق الالتجاء إلى القضاء وضماناته، وقد أكدت على أن لكل فرد الحق عند النظر في أية تهمة جنائية ضده أو في حقوقه والتزاماته في إحدى القضايا القانونية في محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استناداً إلى القانون
، ولكل محكوم بإحدى الجرائم الحق في إعادة النظر في الحكم والعقوبة بواسطة محكمة أعلى بموجب القانون، كما أننا نجد كفالة تامة لحق الالتجاء إلى القضاء في جميع دساتير الدول ذات الثقافة القانونية المتحضرة بالنص على أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي كما وتكفل الدول تقريب جهات القضاء من المتقاضيين وسرعة الفصل في القضايا، كما وتحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.
2. الالتزام المصري بالمعاهدة والمواثيق الدولية، وعلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ بما يتضمن حق الالتجاء للقضاء، كحق من حقوق الإنسان ألزمها توفير سلطة قضائية مستقلة تكفل هذا الحق لمواطنيها أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس: حرية الرأي، وحرية تكوين الأحزاب، ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية، واحترام الأقليات قرارات الأغلبية وعلى العدل الاجتماعي والمساواة، وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرف أو الدين أو اللون، أو بين المرأة والرجل في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل، وعلى أساس الوفاء الكامل للوطن المصري و الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون”.
استقلالية السلطة القضائية:
يضمن الفصل بين السلطات، وهذا يقتضي وجوب التزام السلطة التنفيذية حكم القانون في كل أنشطتها وتصرفاتها، وبما أن السلطة التشريعية هي صاحبة الحق في سن القوانين، فلا يجوز لها أن توافق على تشريع أي قانون لا يتفق وأحكام الدستور،
 كما أن الفصل بين السلطات يقتضي أن يكون سن القوانين من اختصاص مؤسسة غير السلطة التنفيذية، بمعنى أن تختص السلطة التشريعية بسن القوانين وتعديلها دون أن يكون ذلك للسلطة التنفيذية، فإذا كان للسلطة التنفيذية حق سن القوانين، وحق تعديلها، أو إلغائها،
 فإن معنى ذلك أن تصبح إرادة السلطة التنفيذية هي القانون. وتلك حالة لا يتحقق معها سيادة القانون، إذ تنقلب السلطة التنفيذية إلى سلطة دكتاتورية استبدادية وتصبح الدولة دولة بوليسية تهدر فيها الحريات، ولا يجد الفرد حماية لحقوقه في مواجهة الإدارة الظالمة والمتعسفة.
إن الفصل بين السلطة التنفيذية والتشريعية غير كاف لتحقيق مبدأ سيادة القانون إلا بالفصل، كذلك بينهما وبين السلطة القضائية؛ لأن السلطة القضائية لها حق الرقابة على السلطة التشريعية، من حيث عدم مخالفة التشريعات الصادرة عن السلطة التشريعية للدستور.
وهذا يعرف (بالمحكمة الدستورية العليا) والتي من واجبها مراقبة دستورية القوانين، وكذلك لها حق إبطال أي عمل أو أي قرار إداري مخالف للقانون صادر عن السلطة التنفيذية .
1- ضمانات للقضاة ضد السلطة:
أ‌. عدم قابلية القضاة للعزل:
يقصد بهذا المبدأ أن القاضي لا يفصل أو يحال إلى المعاش أو يسحب تعيينه أو ينقل بإدارة الحكومة إلا في الأحوال وبالكيفية المبنية في القانون، فلكي يمسك القاضي بميزان العدالة، يجب ألا يخشى على وظيفته ومستقبله؛
لذلك لابد من تقرير هذا المبدأ لتشيع الطمأنينة في نفس القاضي الذي يستطيع أن يحكم طبقاً لضميره والقانون، وهو آمن على وظيفة.
ب‌. عدم التأثير على عمل القاضي:
ضمانات استقلالية القاضي في عمله هو عدم التأثير عليه من الهيئات الإدارية والمتصلة بعمله اتصالاً مباشراً أو غير مباشر وتكون كالتالي:
• علاقة القاضي بوزير العدل:
وإن كان لوزير العدل حق الإشراف على جميع المحاكم والقضاة لا يرقى إلى درجة توجيه القاضي في عمله بما يمس نزاهته،  ولا يصل إلى درجة توجيه تنبيه إليه؛ فوزير العدل عضو في السلطة التنفيذية ولا يملك أن يأمر القاضي باتخاذ إجراء، أو أن يحل محله للحكم إذ لا ولاية للوزير في ذلك.
• علاقة القاضي برئيس المحكمة:
لكل رئيس محكمة حق الإشراف على القضاة التابعين له، وحق تنبيه القضاة إلى ما يقع منهم مخالفة لواجباتهم أو مقتضيات وظائفهم بعد سماع أقوالهم، ويكون التنبيه شفاهة أو كتابة.
• التفتيش القضائي:
ويتم بوزارة العدل تأليف إدارة للتفتيش القضائي على أعمال القضاة، ويختار أعضاؤها من القضاة، وتكون مهمتها تقييم عمل القضاة وتعطي لهم الدرجات، ويجري التفتيش على القضاة مرة كل عامين على الأقل، وتقوم بإبلاغ القضاة بنتيجة التفتيش، وإن كان التفتيش القضائي يتبع وزير العدل إلا أنه يتمتع بكيان مستقل وموضوعي لاستناده إلى أسس وقواعد قضائية موضوعية. 
2- ضمانات الترقية والنقل:
إن مبدأ عدم القابلية للعزل لا يكفي بمفرده لحماية استقلال القاضي، إذا لم يدعم بضمانات تمنع الحكومة من التحكم والتأثير عليه عن طريق نظام الترقية أو النقل، لذلك يوجد في جميع بلاد العالم نظام خاص للقضاة يختلف عن نظام باقي موظفي الدولة.
3- ضمانات للقضاة ضد ضعفهم:
هذه الضمانات وضعت حماية للقاضي من التأثير بعواطفه الخاصة، فالقاضي بشر له حياة ومصالح خاصة قد تؤثر في قضائه، وإذا تعارضت هذه المصالح مع المصلحة المطلوب فيها حمايته، فلا يمكن أن تتطلب منه أن يكون مثالياً، فيحكم طبقاً للقانون ولضميره إذا توافرت أسباب معينة يخشى معها ألا يكون محايداً أو أن يتأثر بميوله ومصالحه الشخصية، فيتنحى القاضي عن نظر تلك الدعاوى، وهذا غير مبني على الشك في نزاهة القاضي؛ فالقاضي المطعون في نزاهته لا يصلح أن يكون قاضياً،
 وإنما أساسه الرغبة في استيفاء مظهر الحياد الذي يجب أن يظهر به القاضي أمام الخصوم وأمام الجمهور، وأمثلة ذلك منع القاضي من نظر الدعوى إذا كان أحد الخصوم قريباً أو صهراً لأحد الخصوم، إلى الدرجة الرابعة، وإذا كان له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى، أو مع زوجته،
وكذلك الوكالة من أحد الخصوم تجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوى، وإذا كان القاضي قد أفتى أو ترافع أو كان محكماً أو شاهداً أو خبيراً،
 أو إذا كان قد سبق ونظرها قاضٍ، هذه الأسباب يترتب عليها عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى، بحيث يجب عليه أن يتنحى عن نظرها، ولو لم يطلب الخصوم منه ذلك، وإذا حكم في الدعوى، كان حكمه ولو باتفاق الخصوم باطلاً وجاز الطعن فيه.
4- حماية قاضي المتقاضيين:
إن مبدأ ضمان استقلال القضاء حين وفر ضمانات تحمي القضاة من بطش الحكام، قرر كذلك حمايتهم من كيد المتقاضين، فلم يجعل القضاة خاضعين لما يخضع له سائر الأفراد وسائر موظفي الدولة، من حيث مسؤوليتهم عن عملهم، وإنما قرر لهم نظاماً خاصاً بهم يسمى نظام مخاصمة القضاة، ومفاده حماية القاضي من المتقاضيين،بهدف ضمان ألا تؤدي مسؤولية القاضي إلى التأثر في استقلاله، وذلك عن طريق تحديد الحالات التي يسأل فيها القاضي مدنياً على خلاف القاعدة العامة بالنسبة للأفراد “لا يسأل القاضي عن كل خطأ”، وكذلك تم وضع خصومة لا تخضع لكل القواعد العامة، لتقرر هذه المسؤولية، وتسمى في الاصطلاح القانوني بالمخاصمة.
استقلال السلطة القضائية
أولا: مسؤولية الدولة لكفالة هذا الاستقلال:
 لما كانت نزاهة وحيدة واستقلال السلطة القضائية هي حق من حقوق الإنسان لطالبي العدل أكثر من كونها امتيازا للسلطة القضائية، ولما كان استقلال السلطة القضائية من المستلزمات الأساسية للمحاكمة العادلة وهو الأمر الذي يفترض التحرر من أي تدخل من جانب السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية، وينبغي أيضا أن يكونوا مستقلين عن زملائهم ورؤسائهم في الجهاز القضائي، وعلى ذلك يتعين على الدولة أن تضمن:
1 ـ أن يكون استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية مبدأ دستورياً.
2 ـ أنه لا يجوز لأي تشريع أن ينكر أو يقيد أو ينتقص من هذا الاستقلال حماية للحقوق المرتبطة به.
3 ـ لا يجوز أن يكون أي نظام هرمي في السلطة القضائية ولا لأي فارق في الدرجة أو الرتبة، دخل في حق القاضي في إصدار حكمه بحرية.
4 ـ يحظر فرض أي قيد على حق القضاة في ممارسة مهامهم ومسؤوليتهم الكاملة في تطبيق القانون سواء فردياً أو جماعيا.
ثانيا: مبدأ حياد القاضي:
يفترض لمفهوم النزاهة أو الحيدة البعد عن التحيز والتعصب والمحاباة، وتعني عدم تفضيل شخص على آخر وتفيد ضمنا الموضوعية والبعد عن العواطف أو سوء النية، وكون القاضي نزيها معناه إمساك الميزان بالعدل والحكم دون خوف أو محاباة من أجل إحقاق الحق، ويتطلب إعمال هذا المبدأ.
1 ـ التجرد من الميول الذاتية
أ ـ أن يكون مجردا حيال النزاع المعروض عليه ويؤدي ذلك ألا يكون القاضي خصما في الدعوى أو له مصلحة فيها.
ب ـ أن يبتعد عن الأهواء الشخصية أو الغيرية مهما كانت المصلحة التي تتعقبها.
جـ ـ أنه لا يجوز أن يحركه مؤثر خارج الدعوى وعليه ألا يتجه بوجدانه اتجاها معينا استجابة لمصلحة ذاتية حتى لا يندفع بتلقائية إلى حيث يميل، وأن يبتعد عن الشهوات النفسية الموازية.
د ـ القاضي هو المسئول أمام ضميره وعليه أن يقيم اقتناعه على ما يطرح من أدلة في الجلسة، وأن يكون الدليل الذي أقام عليه قضاءه مشروعا واستخلاصه له مستساغاً.
2ـ التحرر من الانتماء إلى سياسة حزبية معينة
أ ـ أن على القاضي أن يؤمن أنه عندما يصبح القضاة أو السلطة القضائية أدوات خاضعة في لعبة السياسة وعندما يستخدمونهم لإجازة أوامر السلطة التشريعية دون اعتبار للقانون فإن ما يقيمونه هو العدل السياسي، وسيعتبر ذلك من جانب الكافة تجاوزا للقانون واستهزاء بالعدل.
ب ـ لما كان من المتعين على السلطة القضائية الحديثة أن تفصل في مسائل لها طبيعة سياسية ولها آثار سياسية ومن شأنها لا محالة وضع القضاة في مرمى الأسلحة السياسية وبالتالي فعليه ألا يتحول إلى أداة لترسيخ أيديولوجية سياسية معينة والانتصار لها على منصة القضاء في مواجهة معارضيها وذلك حتى لا يتخلى عن مفترضات الحيدة.
ج ـ أن الانحياز السياسي يتعارض مع الدور الرقابي للقضاء على أعمال باقي سلطات الدولة ضمانا لتوافقها مع الدستور حماية لحقوق الأفراد وحرياتهم وهو دور لا يستطيع الاضطلاع به إذا اندمج في العمل السياسي.
3ـ تحرر القاضي من الضغوط الشعبية والاجتماعية والسياسية
أ ـ يحظر على السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو أي شخص من ذوي النفوذ التدخل في أعمال القاضي للتأثير على قضائه.
ب ـ رغم الإيمان الكامل بدور وسائل الإعلام الجماهيري إلا أنه يحظر أي دعاية تخلق تهديدا لاستقلال السلطة القضائية أو للتأثير على القاضي عن طريق النشرات المنحازة وغير المسئولة.
ج ـ يحظر التهجم على القاضي من السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو تخويفه من الإجراءات الكيدية أو الجنائية أو المدنية أو التأديبية أو المدنية.
د ـ إنكار المركز الاجتماعي عن طريق منحه درجة أدنى في الأسبقية.
هـ ـ التشهير وتوجيه الاتهامات المحرجة علنا وممارسة ضغوط شعبية لتحويل السلطة القضائية عن الدور المحدد لها ولتشويه سمعتها.
و ـ يحظر النقل الذي يستخدم لمعاقبة القاضي أو لعزله من ولاية قضائية ترى السلطة التنفيذية أن استقلاله يمثل مشكلة لها ومن الأمثلة على هذه الحالة نقل قاض أبدى عطفا على متهم ينتمي إلى أقلية عنصرية من محكمة جنائية إلى محكمة مدنية.
ز ـ يحظر قيام السلطة التنفيذية باستخدام وظائف مؤقتة أو مخصصة أو وظائف لا تقتضي التفرغ وذلك من أجل إخضاع السلطة القضائية لهوس الخوف.
وما ذكر هو على سبيل المثال لا الحصر
4 ـ خلو ذهن القاضي من أية معلومات مسبقة بشأن موضوع الدعوى المعروضة
وذلك حتى يتسنى له وزن حجج الخصوم على نحو مجرد ليصل بشأنها إلى حكم عادل ويتتبع ذلك:
أ ـ ألا يكون قد قام بعمل في الدعوى المعروضة من أعمال الضبط القضائي أو أعمال التحقيق أو الإحالة.
ب ـ ألا يكون موضوع الدعوى ذا صلة بنشاطه المدني أو بعلاقاته الاجتماعية وروابطه العائلية أو الأسرية.
ج ـ ألا يكون أدى شهادة في الدعوى أو باشر فيها عملا من أعمال في الخبرة أو الإفتاء.
5 ـ عدم الجمع بين وظيفته القضائية ووظيفة أخرى لا تتفق مع استقلال القضاء
القاعدة أنه لا يمكن للقاضي أن يقبل أي منصب بأية صفة ما لم يكن واضحا أن هذا المنصب يمكن الجمع بينه وبين القضاء دون الإخلال باستقلال السلطة القضائية.
رابعا: عدم جواز التدخلات غير اللائقة في الإجراءات القضائية
طبقا لهذا المبدأ:
1 ـ لا يجوز ممارسة أية سلطة شأنها التدخل في العملية القضائية.
2 ـ لا يجوز للسلطة التنفيذية ممارسة أي رقابة على الوظائف القضائية للمحاكم في إقامة العدل.
3 ـ لا يكون للسلطة التنفيذية أية سلطة لوقف العمل في المحاكم أو تعليقه.
4 ـ تمتنع السلطة التنفيذية عن القيام بأي عمل أو إغفال القيام بأي عمل يستبق الحل القضائي لأحد النزاعات أو يحبط التنفيذ السليم لقرار إحدى المحاكم.
5 ـ لا يجوز لأي تشريع أو أي مرسوم تنفيذي محاولة نقض قرارات قضائية محددة بمفعول رجعي، ولا تغيير تشكيل هيئة المحكمة للتأثير في اتخاذ قراراتها.
خامسا: حق الفرد في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي
إن السلطة القضائية هي سلطة أصيلة تقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية ولما كان مبدأ استقلال القضاء هو الأصل والذي يترتب عليه حق كل شخص في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي أي المحاكم العادية والهيئات التي تطبق الإجراءات القانونية وهو ما يستلزم:
1 ـ أن تكون المحكمة تم إنشاؤها وتحديد اختصاصاتها بقانون الدعوى.
2 ـ إنشاء المحكمة وتحديد اختصاصها قبل نشوء الدعوى.
3 ـ أن تكون المحكمة دائمة وليست مؤقتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى