رؤى ومقالات

شوكت عز الدين يكتب: عن إعلام يعرف هدفه بالصدفة

لم يكن ظهور شقيق متهم رئيسي فى تفجيرات الكنائس، أمس الأربعاء، مع إعلامي
كبير، مثيرًا للدهشة بالنسبة لي، بقدر ما كان مثيرًا لتساؤلاتي حول الهدف الذي سعى
إلى تحقيقه المذيع المعروف المنتقل من قناة عربية إلى أخرى مصرية مع مالكها
الجديد.

 

صراحة، لم أفهم ما هى الرسالة التى أراد الإعلامي توصيلها إلى الرأي العام،
خاصة فى ظل حالة الاحتقان المجتمعي تجاه فئات ضلت طريقها وأصابت استقرار البلاد
وأتت بجرائمها على ضحايا لم يعد لدينا المزيد من التحمل لرفع أشلائهم بعد كل
تفجير، حتى وإن كانت أمور متفق علي رفضها وراء هذا الطريق الذي سلكته، ومنها الفقر
والأمية الثقافية والبطالة والتضليل والتطرف لارتكاب حماقات.

 

رأيت الإعلامي مضطربًا لا يستقر على سؤال لشقيق المتهم أو هدف من وراء
اللقاء معه، كما لم أفهم كثيرًا من أسئلته التى أعتقد أنه لم يرتب لها أو يسطر
كلماتها فى ذهنه بشكل جيد حتى يستطيع السيطرة على ضيفه مهما كانت حالته، وهى مهمة
أي مذيع أو مراسل أو صحفي خرج باحثًا عن معلومة يقدمها لجمهوره، وكأن اللقاء بشقيق
المتهم سبق إعلامي فى حد ذاته، دون النظر إلى نتائجه.

 

كثير من الحوادث الإرهابية المماثلة خرجت بعدها بيانات وزارة الداخلية
معلنة عن متهمين بتنفيذها، وخرجت بعدها كاميرات الفضائيات والصحفيون الميدانيون،
متجهين إلى بيوت ومجتمعات وعائلات متهمين ليستقصوا ويفسروا ويقدموا أسبابًا
للمشاهدين والقراء، لكنهم يضعون افتراضات وتصورات وتساؤلات مبدئية حول الوقائع قبل
أن يصيغوا أسئلتهم الموجهة لضيوفهم ويستخرجون أخرى من إجاباتهم.

 

هكذا يكون الاستقصاء أقرب إلى محاولة كشف الحقيقة وهو دور الصحفي
والإعلامي، كشف الحقيقة أو البحث عنها، وليس التحقيق مع أحد وهو ما شعر به شقيق
المتهم أمس فقضي أكثر من ثلثى دقائق لقاء أديب معه إلى الابتعاد عن تقديم إجابات
واضحة لأسئلته، وفى ظني أن المهمة كانت بسيطة ويلزمها من يجيد إدارة اللقاءات
الخارجية بهدوء يطمئن معه الضيف إلى الحديث دون خوف، خصوصًا مع شعور كثيرين بأن
ظهورهم مع شخصيات إعلامية “كبيرة” تضعهم فى مرمى نيران المجتمع كله.

 

بالطبع ثارت سخرية مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وسخطهم على مقابلة
أهالى متهمين بارتكاب جرائم إرهابية فى حين لم تتجاوز بعض لقاءات فضائيات كبرى مع
ذوي شهداء حادثى كنيستي طنطا والإسكندرية سوى تقارير تغطية قصيرة ومداخلات
تليفونية تنقل شهاداتهم حول الأحداث، كما رفض كثيرون من أهالى الشهداء استضافة
هؤلاء، وهو حق أصيل لإعلاميين وصحفيين أن يلتقوا بهم، لكن أن يظهر الهدف من
المقابلة والمعنى والمغزي من توقيتها، وأن تبدو نتائج إيجابية لهذا العمل الإعلامي
أو الصحفي، فتلك مسألة أخرى لابد وأن ينظر إليها الصحفيون والإعلاميون.

 

لسنا مع الحديث عن إخفاقات أو إنجازات لإعلام يمكن أن نتعرض لرسالته بالتقييم
فقط فى ضوء مبرر وجوده وطبيعة ملكيته وسياساته وأهداف القائمين عليه وسقف مناخ
الحرية المسئولة الذي يعملون تحته، و دون ذلك لا يمكننا مساءلة أحد حول جودة منتجه
أو الهدف من ظهوره بأي صورة كانت.

 

الصدفة وحدها يمكن معها تقييم وقياس ظروف نجاحات الإعلام فى مصر خلال
السنوات الأخيرة مع تقلبات واسعة شهدتها ملكيات الصحف والفضائيات وحركة انتقال
الإعلاميين والصحفيين بينها، ولا يمكن احتساب نجاحات لصالح أغلبها دون الاعتراف
بحقيقة واحدة، وهى غياب الهدف المهني الأسمى، ربما غياب رسالة إعلامية داعمة بتعقل
لهدف وطني جامع فى مرحلة حرجة، خير شاهد على ذلك ودليل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى