رؤى ومقالات

مصطفي السعيد يكتب …..من صنع الإرهاب في أوروبا؟

لن تكون بروكسل آخر محطات الإرهاب في أوروبا، فالمؤكد أن الكثير من الدماء سوف تسيل على أراضي قارة جمعت فوق أراضيها جميع متطلبات التفجير، وأهمها الشباب الأوروبي من أصول عربية وإسلامية، ومساجد وجمعيات تدرس الفقه السلفي التكفيري، والعائدون من سوريا والعراق بعد أن اكتسبوا الخبرات واعتادوا القتل، وأخيرا توافر تكنولوجيا الاتصال وصناعة المتفجرات بسهولة.
جاءت تفجيرات بروكسل بالقرب من مقرات الإتحاد الأوروبي عقب الإعلان عن القبض على صلاح عبد السلام، أحد المتهمين الرئيسيين بتفجيرات باريس الدامية في نوفمبر الماضي، وهو الشهر الذي ولد فيه صلاح قبل 26 عاما، بضاحية سينت يانس – مولينبيك في العاصمة البلجيكية من أبوين ينحدران من ريف المغرب، وتعد هذه الضاحية معقلا للسلفيين في قلب عاصمة الإتحاد الأوروبي، ومثل أقرانه فقد تربى على أنه مختلف عن الأوروبيين، ليس بالملامح والعرق فحسب، فالأهم هو الدين الذي يحرص والداه على تكريسه ليحميه من الكفار وعاداتهم، وحتى يحافظان على أحد أهم روابطهما بالأبناء، لكن الدعاة الذين يأتون بتمويل من دول وشخصيات خليجية يجدون فيهم أرضا صالحة لغرس التطرف، فيكفي أن تكون مسلما لتشعر بالتفوق على هؤلاء الأوروبيين الذين يهمشونك، أو يتعالون عليك، فمهما بلغ تفوقهم أو ثرائهم، فهم ليسوا سوى كفار، قد يفرحون بالقشرة البراقة لما يسمونه التقدم العلمي والصناعي، لكنهم لن يجنوا من ورائه سوى غضب الله.
ومع أن صلاح عبد السلام لم يكن متدينا، حتى أنه كان اقترف بعض جرائم السرقة وتعاطي المخدرات، وكان يدير حانة تقدم الخمور، إلا أنه بعد أن التقى صديق طفولته عبد الحميد أبا عود، الذي عاد من سوريا يحمل إسم “أبو عمر البلجيكي” اقتنع بضرورة إقامة دولة الإسلام، ليس في الشام فحسب، بل في كل ربوع الأرض، والقصاص من المتآمرين على الإسلام، ويعرقلون غنشاء دولته.
كان قد خرج من بلجيكا أكثر من خمسمائة “مجاهد” مثل عبد الحميد، عاد العشرات منهم، بعد أن تدربوا على استخدام الأسلحة وصناعة المتفجرات، واعتادوا قتل المرتدين والمشركين هناك، الذين يدعون أنهم مسلمين، بينما في بلجيكا فهم يجهرون بكفرهم وعدائهم للإسلام، ولهذا لم يكن من الصعب أن يقنع أبو عمر البلجيكي بعض أقرانه ممن تلقوا دروس الفقه السلفي بأن ينضموا إليه في “غزوة باريس”.
اشتروا معدات التفجير من محال عامة، بعضها تبيع الألعاب النارية، وأخرى بعض الأحماض، وأدوات التفجير والتحكم بأيدي الجميع، ويصلح الهاتف المحمول كأداة تفجير عن بعد، بل من السهل أن تشتري طائرة صغيرة تعمل بالريموت من أي محل للعب الأطفال، فالتكنولوجيا أصبحت في متناول الجميع، بما فيها ما يصلح كسلاح فتاك يقتل المئات، بل إن وجود خرائط لمحطات نووية بلجيكية لتوليد الكهرباء في مساكن منفذي هجوم بروكسل يشير إلى مدى الخطر الذي يمكن أن يلحقه الإرهابيون بأوروبا.
المؤكد أن الأجهزة الأمنية في بلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية كانت على علم بما يدور في تلك الضواحي التي تحولت إلى معاقل للسلفيين، سواء في باريس أو بروكسل وغيرها من مدن أوروبا، وهي من منح تصاريح إقامة المراكز الدينية لتعليم فقه التطرف، ومنح التأشيرات للدعاة الذين جاءوا لإلقاء المواعظ التكفيرية، كما يعلمون على الأقل بمن انضموا إلى صفوف داعش من مواطنيهم، وفي الأغلب تواطأوا في مخطط تدمير وتقسيم سوريا، حيث شاركت مخابرات أربع دول أوروبية في اغتيال القيادات الأمنية السورية في 2012، ومن المرجح أن دورها لم يقتصر على هذه المهمة، وتواجدوا في غرف عمليات داخل تركيا والأردن وغيرهما تتابع وتوجه الأحداث في سوريا والعراق.
هل كانت مخابرات أوروبا وأمريكا تتوقع هذه النتائج ؟ أم أن عمى المصالح قد أصابها؟.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى