رؤى ومقالات

نصّ وإضاءة بقلم حياة خليفي تونس

النصّ : للشّاعر : فوزي عمّار

النصّ :
يا أنتِ
ها نحن قصيدتان على هودج حِبر مخمور
مدّ له الشّوق كأسا معتّقا بالأمنيات
قال: تفاعلا كدغدغة الماء للعشبة الحالمة
سكارنين الآن كريح شتويّة على هودج بحر
بعيدا حيث المنتهى
يد الله تيمّمت بفخامة المشهد
ناما عاريين … فالخمر غسول الخطايا
واستيقظا على جبهات الصّباح فراشات
آل عمّار

الإضاءة :

استهلّ النصّ بأداة نداء ” يا ” مقترنة بضمير المخاطب المؤنّث “أنتِ ”
ويُعرف ضمير المخاطب على أنّه إسم جامد يدلّ على المخاطب
وضمائر المخاطب هي : ( أنت – أنتِ – أنتما للمذكّر والمؤنّث – أنتم – أنتنّ )
ويُطلق على ضمير المخاطب إسم : ضمير حضور وذلك لأنّه يتطلّب حضور صاحبه عند النّطق به وفي ذلك دلالة على أهمّية المخاطب وحضوره في ذات الشّاعر ….
فالشّاعر يستدعيها بقوّة وشغف … وابهام في نفس الوقت لأنّ هذه ” الأنتِ ” لا نعرفها من الوهلة الأولى وزادتها أداة النّداء غموضا “يا ” فأداة النّداء ” يا ” تصنّف للقريب وللبعيد معا وهي للطّلب والتّحضيض ………….
سنرى ماذا سيطلب الشّاعر من “أنتِ ” وسنرى هل ضمير المخاطب المؤنّث الجامد سيتحرّك !!! ؟؟؟
” ها نحن قصيدتان …. ” لا قصيدة !!!
” على هودج حبر مخمور ” فالخمر يساوي النّشوة , التّلاشي , الإنفتاح , الإنعتاق , الحركة , والحُبّ والحرّيّة ……
إنّه احتفاء بالكتابة وعمقها وامتلائها وعظمتها …….
فالكتابة هي الأصل … تمثّلت في ” الحبر ” ترمز الى :
” إقرأ ” …. فقد كانت أوّل البدء … أوّل القوْل …. أوّل الكلام … أوّل الوحي ….
فهذا الحِبْر يقود قصيدتان … يقود عروسان … على هودج ( والعروس قديما كانت تركب هودجا ) …… يصدحان : حُبّا وحرّيّة …. حبّا وحرّيّة …….
” مدّ الشّوق له كأسا من الأمنيات ”
حِبر+شوق =حُبّ وحُرّيّة
كأنّها معادلة رياضيّة !!! ……….
لأوّل مرّة تجانس العِلم مع المشهد الفنّي
وكأنّ الصّورة اكتملت رغم ما بينهما من تباين واختلاف ……
قمّة الإكتمال والتّجانس مع : هو وهي أو هو وأنتِ أو أنت وأنتِ …..
التّجانس كما القصيدتان
يُفاجِئنا … ولكن في الأصل لا نتفاجأ ! …..
ستكتمل الصّورة : ” قال: تفاعلا كدغدغة الماء للعشبة الحالمة ”
لقد أصدر أمرا ب : ” قال ”
الماء = حياة
العشب = حُلم
حياة + حلم = اكتمال الحياة وبلوغها
أو حياة كاملة
” كريح شتويّة على هودج بحر ”
لا تهدأ … أو هما في محراب وقدسيّة الحُبّ لا يهدآن بعيدا حبث المُنتهى ………….
المنتهى = هو انبعاث جديد وحياة جديدة لا حياة بعدها تقودنا الى حكاية :
” سِدرة المُنتهى ” وهي شجرة عظيمة تقع في الجنّة في السّماء السّابعة وجذورها في السّماء السّادسة بها من الحُسن ما لا يستطيع بشر أن يصفه عندها جنّة المأوى ثمارها كالقلال والرّاكب على دابّة سريعة يمشي تحتها مائة عام كما يحوم حولها فراشات من ذهب ويخرج منها أربعة أنهار عظيمة :اثنان باطنان في الجنّة واثنان ظاهران هما “النّيل ” و “الفرات ” ………. وقد ذكر النّووي ذلك في احدى كتبه متحدّثا عن الإسراء والمعراج وهو محدّث وفقيه (631ه – 676ه )
بحكاية ” سِدرة المنتهى ” تكتمل القصيدة
فقد طارا فراشات …. الفراشات تناشد الأفق = تناشد السّماء كما في حكاية سدرة المنتهى ويد الله قد تيمّمت بفخامة المشهد …. باركها الرّحمن بل الأكثر من ذلك قد تبارك بها الرّحمن وفخر ….. يا الله !!!!!!!!!!!!! ……………………………..
والخمر أصبح غسول الخطايا …. طهورا … بعدما كان هو الخطيئة = إذن هما في عالم آخر … ليس بعالمنا الأرضي ولا بمقاييسه طلعا الى السّماء متعانقيْن متجانسيْن متلاحميْن … فيهما , في الكون , في النّجوم , في البحر, حتّى بلغا المُنْتَهَى يقودهما ماء لعلّه نِيل وفُرات ….. تحت أقبية السّماء بل في السّماء واستيْقظا على جبهات الصّباح فراشات لعلّها فراشات المنتهى من معدن ثمين من ذهب خالص معتّق من خمر زلال … أو لعلّها فراشات من معدن الإنسان …………………………….
نصّ يحتفي باإنسان , نصّ فلسفيّ , وجوديّ , انبعاثيّ , روحيّ , صوفيّ , عذريّ . اباحيّ , عاطفيّ , نورانيّ , …… يطال عَنان السّماء الى المُنتهى ……………
………………………………………………………………………….
بعد أن أنهيتُ الإضاءة أحسّني لم أكمل بعد ….
ويلزمه قراءة أطول وأعمق ….
أظنّني سآخذه مرّة أخرى بقراءة جديدة …. ويد الله ستكون معي … لأنّ النصّ فخم وعميق ………
كي لا يبقى في نفسي شيء من نصّ ” يا أنتِ ”
قياسا على : ” وبقي في نفسي شيء من حتّى “

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لقد كنت موفقة حقا في دراسة هذا النص محيطة بكل جوانبه في ضوء منهجية نقدية متميزة تليق بالمتابعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى