إسهامات القراء

هاني ميلاد يكتب:من رسائل مسافر

عندما أمسكت القلم ، وبدات في التفكير  وجدت أنها معضلة حقاً.
فكيف أشرح لك الأمر؟
ان جزء من مشكلتي هو المسافة بين ما كنت أنادي به وبين اختباري له في الواقع الفعلي
فبنفس الطريقة كيف للجمل المجردة أن تحمل لك خبرتي وصراعي بكل تفاصيله وأثقاله؟
لقد كنت رسولاً للصراع وصعوبة الطريق لكن في بعض المرتفعات تبدو المشقة….لكن احيانا كلمة “تبدو” قد تكون غير مناسبة
ففي خضم المعاناة أنت “ترى” أو بالعكس، “لا ترى” أي جدوى أو أمل.
كان لدي دائماً إيمان بأن المشهد من فوق الجبل بديع ويستحق العناء، لكن أثناء الصعود، وسط العطش والتعب والحرارة والدماء التي تسيل من يدي ورجلي لا يبدو المشهد المنتظر بنفس البهاء والاستحقاق. ربما هذا هو البعد الذاتي في القصة، لم يتغير المشهد في مخيلتي لكن الذي تغير هو تفاعلي معه.
أنا غير قادر على الحماس والسعي له. ليس هذا فقط بل أحياناً تذكري لتشجيعي للناس على الاشتراك في تلك الرحلة يصيبني بالغثيان.
ما قيمة القمة أمام هذا السحق والتفسخ؟ انها المعاناة ياصديقي التي قد استنفذت كل مشاعري وطاقتي.
وقد علا صوت أشباحي الداخلية التي تنادي بأن أفتح قبضتي وأترك جسدي يهوي في قاع الوادي. أنا أعلم ياصديقي أن الهروب ليس حلاً ومازلت في ركن ما في أعماق دواخلي مؤمنا أن النهاية تستحق لكني غير قادر على التفاعل معه وتلك القناعة لا تعطيني الطاقة لآخد خطوة أخرى لأعلى. أترى يا صديقي؟ أنا لا أواجه فقط الجبل، أنما أواجه أيضاً عيوبي وأثقالي التي تجذبني لأسفل.
لطالما كان لدي ميل للهروب، كانت تلك احدى الوسائل التي حُفرت في ردود أفعالي على مدار الزمان. الآن أواجهها وأنا في أشد الإعياء. وليس هذا الضعف فقط، بل في رحلتي أنا أصارع في كل الاتجاهات مع أشياء مختلفة. ولكن هناك مشكلة أخرى، كان لدي توقع رومانسي أننا ندخل معركة، قد ننزف ونجرح ونقترب من الهزيمة فيها لكن عند خروجنا بانتصار فإننا نحتفظ به.
ولطالما شاركت بقصص معاركي كمن يستعرض دولاب كؤوسه لتشجيع الآخرين على غلو قيمة ما نخرج به من المعركة. لكن أظن أنك توقعت ما أرمي إليه.
أننا كثيراً ما نراجع انتصاراتنا ونشك فيها، كنا نظن أننا تغيرنا في هذا الأمر، كنا نظن أننا حققنا التناغم في تلك المنطقة، كنا فرحنا بتعميق العلاقة مع أحدهم لكن في خضم الرحلة فجأة نجد أنفسنا في المربع الاول أو حتى قبله.
لا أعلم يا صديقي هل كانت الانتصارات خدعة أم أنها حقيقية لكنني أسأت في تقدير حجم العواقب.
أحياناً أظن أن ما نصارعه كالهايدرا، ذلك الحيوان الأسطوري الذي كلما قطعت له رأساً نما له ٣ عوضاً عنها أو ربما هي أشبه لشجرة ضارة ظننت أنك قطعتها وتخلصت منها لكنك في الحقيقة لم تعلم عمق جذورها. وكلما حفرت لأعماق ابعد واعتقدت أنك قد وصلت لقاع الأمر تعود وتكتشف ان هناك المزيد لم تكن واعياً له.
كلما فرحت بتغيير وظننت أنني أفضل أجد السواد ينساب مني في كل ناحية تحت وطأة الظروف. الضغوطات لم تفسدني يا صديقي، انا لست ساذجاً، هي ببساطة أخرجت أسوأ ما في.
هذا معناه أن القبح كان دائماً موجود ومؤثر لكنه ظهر بوضوح عندما داسوا حوله بما يكفي ليخرج جلياً.
يا صاحب، كيف كنت تعترض وتقول أننا لا نحتاج لمنقذ؟ كيف نذهب في تلك الرحلة وحدنا؟ كيف حتى نذهب في جماعة؟ أنا غير قادر على شرح كل ما في داخلي وأنت عاجز عن فهمي بالتمام وحتي عن تشجيعي. كيف أُكمل وأنا لا أرى ولا أعلم أين أذهب وما هو الصواب؟ كيف أمضي في سكة اكتشاف نفسي وعلاجها وأنا نفسي في حالة مزرية؟ أداة العلاج تحتاج لإصلاح.
كيف تطلبون مني أن أحمل وحدي هذا المصير؟ لو تركت ذاتي لذاتي فالتدمير قادم لا محالة….افهمني جيداً،أنا غير متحمس لوجود المُخلص، فتلك واحدة من القناعات التي لا تغير مشاعري ولا تعطيني طاقة حالياً.
لكن لو هو موجود فعلاً، لو هو أقرب مما أشعر، لو هو يعلم كيف سيصنع من كل فشلي وصراعي وتيهاني وابداعي ونجاحاتي وعلاقاتي طريقاً للوجود، فتلك حقاً أخبار جيدة جداً حتى لو لم تكن مفرحة الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى