كتاب وشعراء

صورة من كوخ جليس …….. شعر // جليس الوعاظ

#صورة_من_كوخ_جليس

#موقفٌ_بنى_جليس

ولم أجد من أسباب الرِّزق ما أتسبَّبه في جلبِ حوائج الطفولة إلا الحمام، ولم يُيسِّر ليَ الله ساعَتَها غيره في دفعِ فاقة الدَّرس و اللبس وما يُشابههنَّ من المرائب والمراغِب، ولم أزل بزغاليله إلى السوق غاديا ومنه رائحا حتى هبَّت من السماء عاصفةٌ من الرَّمضاء فُسِدَ معها البيض وتعفَّن ، وتخلّقت معها الطُّفيلِيات فبَغَت، فطوَّلت في الحلولِ وطال معها البلاء واستَفحَل، وافتقَرت يدي مما تُملأ به المعالِف، فأشفقتُ أن أبيعَ منه الأزواجَ الكُبرى شأن التاجِر المُشفِق على رأس ماله، ومازلتُ أطردُ عنه الجوع بالخبز المُصلَّب تحت الشمس حتى ترصَّدتُ في معدته داء الإسهال مما يخرُج منه، فبعدها دُفِعت اندفاع المُبتلى الذي طارت عنه الحُلول وافتُقِدَت ولم يبق له شيء مما يخسر.

وقَفتْ بيَ خطواتي عند عتبة محلِّ شيخٍ يبيع الحِنطة والدجاج المذبوح، رفعتُ إليه رأسي بدمعتيه المُوشِكتين فلحَّنتُ عليه الطلب بصوت المَكدود المحزون :

-لي حمامٌ كثير ولم يبق عندي مما أطعِمه!

سمعها مني الرجل فانزوى إلى ركنٍ من دكانِه وقد رأيتُه التقَط منه كيس خيْشٍ فأنشَأ يُفرِغ فيه من أقداح القمح والذرة ما ظننتُ معه أنه يقصد به شخصا غنيا أدى ثمنه، فدفَعَهُ إليَّ دفعا كدتُ أسقُط منه من ثِقَلِه ثم قال :

-خد،، بارك لك الله في حمامك، ونقصدها بلهجتنا المغربية ب ” سير ،،، الله إسْخَّر ليك”

فشكرتُه كما يشكرُ الطفل الشَّيخ، وإني لأتمايل بذلك الكيسِ الثقيل حتى أفرغته في خزانٍ جانب الكوخ لم يشهد كتلة مثلها من قبل، وما زلت يومها أنظر إليها كما ينظر إليها الطفل، ولأمُرُّ بجانب ذلك المحلِّ فلا ألتفِتُ إليه إلا كما يلتفِتُ إليه الطِّفلُ الاَّهي، أما لما ابتُلينا بالأيام وبَلَونا غوائلَها أصنافا فنظرتُ إليها كما ينظُر إليها الشباب أو فقهتُها كما تفقهها الرِّجال، فإني لأمرُّ اليوم بجانب ذلك المحلِّ الذي صُيِّر محلَّ بيه ملابس ثم بعدها محل بيع أجهزة إلكترونية حتى تنفجر في صدري من المعاني والمشاعِر ما أُشرَذُ به عن حديثِ خِلٍّ إن كُنت مُرافِق، أو أطير به عن نفسي إن كُنتُ مُنفرِد، ولو أني أجِدُه فأعانِقعه عِناقا لا أدري أخُلِق من يُخلِّصُه منه…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى