فيس وتويتر

مصطفي السعيد يكتب :الأزمة التونسية

ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها تونس لأزمة سياسية عنيفة، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة، منذ الإنتفاضة التونسية التي اندلعت في 17 ديسمبر 2010 حتى 14 يناير 2011 في أعقاب حادث البوعزيزي، وأطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي الذي هرب إلى السعودية، وتولى محمد الغنوشي الفترة الإنتقالية، وفيها جرى إصدار العفو العام عن المعتقلين، الذين تبين أن غالبيتهم من المنتمين لجماعات إرهابية، سافر معظمهم إلى القتال في سوريا وليبيا واليمن، وعانت منهم تونس فيما بعد، وجرى إنتخاب مجلس تأسيسي في 23 أكتوبر 2011، إختار المنصف المرزوقي رئيسا لتونس، وهو يساري سابق، تحول إلى ناشط في منظمات المجتمع المدني “الإنجوز” وعاد من فرنسا بعد خلع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وتحالف مع حركة النهضة، واندلعت أول أزمة حادة عام 2013، عقب اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد في عهد رئيس الوزراء حمادي الجبالي القيادي بحركة النهضة، واستقال الجبالي ليخلفه علي العريض، ليتم إغتيال قيادي يساري آخر هو محند البراهمي، وأشارت أصابع الإتهام إلى حركة النهضة، ولم تتوصل التحقيقات إلى نتيجة، لكن حركة النهضة بدأت تفقد توهجها، فلم تحقق أي إنجاز شعبي، لتتراجع أسهمها في الإنتخابات البرلمانية، ويفقد حليفها المرزوقي منصب الرئاسة، وتدخل في صراعات مع باقي الأحزاب ومع الرئيس السابق قايد السبسي، وفقدت الأغلبية البرلمانية، وفي الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، ترشح فيها الإخوانيان حمادي الجبالي (المستقيل من الحركة) رئيس الوزراء الأسبق، وعبد الفتاح مورو القيادي البارز بالحركة والمتمرد على قيادة الغنوشي، وأهم المنافسين كان يوسف الشاهد رئيس الوزراء في عهد قايد السبسي الذي كان يتوقع كثيرون فوزه، ونبيل القروي صاحب المال والنجم الجديد، أما قيس سعيد فلم يكن من المرشحين البارزين، وحملته الإنتخابية كانت فقيرة للغاية، وكان أستاذا جامعيا في القانون، ومن خارج النخبة السياسية، وربما كان ذلك سر صعوده السريع، ليخوض إنتخابات المرحلة الثانية في مواجهة رجل المال والإعلام نبيل القروي، ويفوز بنسبة تجاوزت 72%، وكانت مفاجأة أثارت كثيرا من التكهنات، ووصفه البعض بأنه إخواني متخفي، وتبين فيما بعد أنها إفتراءات، كما أن إدعاء قربه من الإمارات يتناقض مع تصريحاته المعلنة حول القضية الفلسطينية والقدس والعدوان على غزة، ووصفه للأحداث في سوريا بأنها تستهدف الدولة، ورفضه التطبيع.
الأزمة الأخيرة ناجمة عن التراجع الإقتصادي مع حالة إنقسام وخلافات بين النخبة السياسية، حتى أن حركة النهضة تعاني من شروخ وتصدعات عنيفة داخلها، وخيبة أمل في وعودها في أوساط التونسيين، مع إنكشاف دور جماعة الإخوان إقليميا في مشروع الفوضى الخلاقة، وانضوائها تحت المشروع العثماني لأردوغان، لكن باقي الأحزاب والقوى تعاني أيضا من الضعف وانعدام الرؤية، فاليمين الليبرالي معتمد على الدعم الخليجي والأوروبي، لكن إصلاحاته لا تفيد سوى أصحاب الأعمال على حساب الفئات الأكثر فقرا، واليسار متشرذم، واخترقته جماعات الإنجوز، وعمقت من أزمته، وكانت الفرصة أمامه ليكون الديل الأكثر شعبية، لكنه أفلت أكثر من فرصة، بسبب الإنقسامات واختراقات المتمولين، وكان تخبط الأحزاب وتعمق الأزمة السياسية قد فتح الطريق أمام قيس سعيد محدود الإختصاصات في نظام شبه برلماني ليطرح نفسه كموحد للتونسيين، أو هكذا يريد، وإن كان يفتقر إلى رؤية واضحة، أو برنامج محدد للخروج من الأزمات الإقتصادية والسياسية.
إن الرئيس قيس سعيد الذي جاء من خارج النخبة لم يكن له علاقة بالدولة العميقة أو حتى الضحلة، لكن ضعف باقي الأطراف وتخبطها رفع من أسهمه، خاصة مع تعالي الصيحات في المظاهرات ضد الأحزاب التقليدية والجديدة، وعلى رأسها حركة النهضة، المتهمة بالمسئولية عن معظم المشكلات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى