رؤي ومقالات

مريم محمد نعمي يكتب :يوم شيّع لبنان الشّمس والقمر..

يقول “غوستاف لوبون” في كتابه روح الثّورات أنّ في الثّورات والتّحوّلات يلمع القائد كالنّجم السّاطع، وأنّ الثّورات تنقسم إلى ثورات علميّة وثورات سياسيّة ودينيّة وأكثر الثّورات أهمّيّة هي الثّورات العلميّة حيث أنّ مجالها عالم الأفكار وليس المشاعر والمعتقدات سلطان عليها والثّورات السّياسيّة والدّينيّة متشابهة فيما بينها من معتقدات تأصّلت في النّفوس، وتنشأ عن أسباب أخرى تجمعها كلمة استياء ومحاربة الظّلم والوقوف في وجه الظّالم والطّاغية وأثبت في كتابه الآراء والمعتقدات أنّ المعتقد السّياسي والدّيني هو إيمان أينع في عالم اللّاشعور وبيّن فيه أنّ المعتقد قد يكون أحياناً من القوّة، بحيث لا يقوم في وجهه شيء وأنّ المرء الّذي استحوذ عليه إيمانه يصبح رسولاً مستعدّاً للتّضحية بمنافعه وسعادته وحياته في سبيل نصره..
٢٣ شباط كان يوماً حزيناً على لبنان، قد فقد لبنان هامة من هامته الفكريّة والدّينيّة قائداً مقداماً شجاعاً محبّاً لوطنه ولفلسطين حيث اعتبره المرشد الأعلى في إيران الشّخصيّة الإستثنائيّة المحبوبة في المنطقة، لقد كان محور المحور..
شيّع لبنان شمسه وقمره سماحة “السّيّد حسن نصر الله” و “السّيّد الهاشمي” وسط تشييع مهيب ضمّ ٧٩ دولة وحشد كبير من مختلف الدّول العربيّة والأجنبيّة ومن مختلف الأطياف اللّبنانيّة، حضر التّشييع العديد من السّفراء والممثّلين وغيّب عنها رئيس الجّمهوريّة “جوزيف عون” ممثّلاً برئيس مجلس النّواب “نبيه برّي”، وأيضاً رئيس الحكومة ممثّلاً بوزير العمل “محمد حيدر”، وقدّر عدد المشاركين في الذّكاء الإصطناعي ما يقارب مليون و٨٠٠ ألف ليكون الحشد الأكبر في المنطقة..
ومع دخول النّعشين المباركين، تعالت أصوات الحشود بالصّراخ والبكاء، دخل النّعشين بواسطة حافلة زجاجيّة في مقدّمتها ثلّة من المجاهدين تابعه لـ “فرقة الرّضوان”، وتقدّم الموكب ثلّة من الكشفيّين الّذين اعتبرتهم “إسرائيل” في تقرير لها من أخطر الأجنحة التّدريبيّة التّثقيفيّة الّتي خرّجت على طول السّنوات مقاتلين حاربوا “إسرائيل”..
وما هي إلّا لحظات حتّى اخترقت الأجواء اللّبنانيّة مقاتلات حربيّة من طراز “f35″، ويقال أنّها من المقاتلات الّتي شاركت في إغتيال “السّيّد حسن نصر الله”، ليقابلها الحشود بالقبضات مع هتافات “الموت لأميركا الموت لإسرائيل كلّنا مقاومة”..
بالتّزامن قال وزير الحرب “إسرائيل كاتس” أنّ هذه الطّائرات الّتي حلّقت أثناء جنازة الأمين السّابق لـ “حزب الله”، رسالة واضحه أنّ هذا مصير من يقف في وجه “إسرائيل”!!..
هذا فخراً ونصراً لنا أن نقف في وجهكم وتقتلونا أنتم ولا نكون حلفاء لكم، لكنّ الرّسالة الّتي وجّهها الحشد الّذي هزئ في فخر الصّناعة الأميركيّة، وقابلها بالقبضات أدّت إلى تخبّط داخل الوسائل الإعلاميّة الإسرائيليّة، صرّحت جريدة “يديعوت أحرنوت” أنّ الحشود هتفوا في وجه الطّائرات “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل”،
واعتبر موقع “زمن إسرائيل” أنّ تشييع “نصر الله” تحوّل إلى ساحة لتبادل الرّسائل الإستراتيجيّة!.. “إسرائيل” استعرضت تفوّقها الجوّي عبر تحليق إستفزازي وغارات منسّقة على ٣ جبهات بالتّزامن مع حضور بارز لشخصيّات إيرانيّة إلى جانب “حزب الله”، وهذه رسالة إلى لبنان عن حرّيّة العمليّات الإسرائيليّة محفوظة والإنسحاب من المناطق المسيطرة لن يحدث، واعتبرت القناة 12 الإسرائيليّة أنّ ما رأيناه في ٢٣ شباط ليس تشييع بل إعادة تنظيم في صفوف “حزب الله” في أقل من ٧٠ يوماً من وقف إطلاق النّار.
أين ذهبت المليارات الّتي أنفقناها في تدمير “حزب الله”؟ فعلاً هم انتصروا ونحن خسرنا!!! بعدها كان هناك كلمة للأمين العام الجديد لـ “حزب الله”، “الشّيخ نعيم قاسم” حيث جدّد عهده بالحفاظ على نهج الأمين العام السّابق ووجّه رسالة إلى العدو أنّ المقاومة باقية وستردّ في المكان والزّمان المناسبين، كما وجّه رسالة إلى الدّاخل اللّبناني أنّه تحت سقف إتّفاق الطّائف وأنّه في لبنان لا يوجد خاسر أو رابح!!..
بعدها انتقل النّعش إلى مثواه الأخير، اليوم مات “جمال عبد النّاصر” مجدّداً ومات كلّ قائد حرّ شريف يهابه الموت ولا يهاب الموت!..
لقد غفى قمح الفلّاحين وزيتون الجنوبيّين وأرز اللّبنانيّين وزيت مصابيح العشّاق..
وفي ٢٥ من شباط تلى رئيس الحكومة “نوّاف سلام” بيانه الوزاري قائلاً : نريد دولة تملك قرار الحرب والسّلم ، نريد دولة جيشها صاحب عقيدة قتاليّة يحمي الشّعب يخوض أيّ حرب وفقاً لدستور الحكومة الّتي تؤكّد حقّ لبنان في الدّفاع عن النّفس في حال حصول أيّ اعتداء، وواجب الدّولة في احتكار حمل السّلاح متناسياً الخروقات الإسرائيليّة الدّائمة والمواقع الّتي احتفظ بها الإسرائيلي في جنوب لبنان، وآخر خرق عندما كادت أن تصطدم طائرة من طراز “f35” بـ طائرة “سوبّر توكانو” هديّة المجتمع لـ لبنان، ولكن يستخدمها الجيش اللّبناني لتوجيه وتصوير المناسبات!..
يريدون لبنان منزوع السّيادة والسّلاح ونحن نقول لهم لبنان هذا لن يصبح إسرائيلاً!! قبولكم بالذّل والعار أجبرنا على حمل السّلاح وأما رسالتنا كانت واضحة لـ “نتنياهو”، أنّ دماء “السّيّد حسن نصر الله” سوف ترسم خارطة تحرير فلسطين! “وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا”..
أستحضر اليوم جملة الكاتب والثّائر “غسّان كنفاني” تسقط الأجساد ولا تموت الفكرة، وأستحضر ما كُتِبَ على قبر العالم “يوهان هانبريش بستالوتزي” هنا يستريح أبّ الفقراء واليتامى والمظلومين!!..

زر الذهاب إلى الأعلى