كتاب وشعراء

نظرة الوداع …..بقلم نجمه آل درويش

أغمضت عينيها لتفكر.
أغرورقت عيناها بالدموع وهي تسترجع ملامح وجهها… الوجه المدور الأبيض، العينان البنيتان، الجسد الممتلئ، والابتسامة الجميلة التي لا تُنسى.

إلهام، بنت عمتها، كانت تملك جمالًا لا يُقارن. كل من يراها يلاحظ ذلك، لكن أكثر ما يميزها بحق كان تلك الابتسامة.
ابتسامة دافئة، مشرقة، تدخل القلب دون استئذان.
وكانت أحاديثها ممتعة، خفيفة، مليئة بالضحك.

عادت بذاكرتها إلى ذلك اليوم في الاستراحة، وسط مزرعة خضراء، وملعب كبير، وكان الأهل مجتمعين.
كانت أمها هي من اقترحت الذهاب لتلك المزرعة، وأخبرتهم برغبتها في دعوة عمتها وبناتها.
وافق الجميع، وانطلقوا بروحٍ مرحة.
لم تكن تعلم أن ذلك اليوم سيكون اللقاء الأخير مع إلهام.

كانت إلهام تبتسم، تضحك، تملأ المكان دفئًا كعادتها، لكن شيئًا فيها كان مختلفًا.
نظراتها كانت طويلة، وكأنها تودّع الجميع.
كانت تلاحقهم بعينيها، تقف بالقرب منهم في كل لحظة.

شعرت بشيء غريب، بانقباضٍ في قلبها
اقتربت من إلهام وسألتها بابتسامة مرتجفة:
“ما بك يا إلهام؟ لماذا تنظرين إلينا هكذا؟”

أجابت إلهام بابتسامة هادئة، وهمست:
“أحبكم.”

ضحكن، لعبن، قضين وقتًا ممتعًا، لكن ذلك الإحساس لم يفارقها.
وبعد أيام، علموا أن إلهام مريضة.

الجميع كان يعلم أنها تعاني من الربو، لكن لم يتخيل أحد أن يكون الأمر بهذه الخطورة.

استمر مرضها قرابة أسبوعين.
وبرغم كل ما شعرت به في ذلك اللقاء، لم تكن تتوقع أن النهاية قريبة إلى هذا الحد.
كانت تكرر لنفسها:
“ليست أول مرة تمرض إلهام، ستخرج من المستشفى كما كانت تفعل دائمًا.”

ثم جاء صباح يوم الخميس، الثالث من سبتمبر عام 1998.
استيقظت من نومها، فتحت هاتفها، فرأت اسم إلهام…
لكن في قسم الوفيات.

صرخة مدوية خرجت من أعماقها، أيقظت كل من في المنزل.
لم تصدق الخبر.
لم تستطع أن تستوعب الفقد.

منذ ذلك اليوم، لم تعد قادرة على حضور الاجتماعات العائلية.
كانت تشعر بضحكة إلهام تملأ المكان، لكنها لم تكن تراها.
كانت الغصة تكبر كلما سمعت ضحك أحد، أو تذكرت لحظة من ذلك اليوم.

إلهام رحلت.
لكنها تركت وراءها تلك النظرة الأخيرة… تلك الابتسامة… وتلك الهمسة التي لا تزال تهمس في أعماق من أحبها:

“أحبكم.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى