كتاب وشعراء

عندما تكثر الشياطين: حسن بوقباعة المجبري – ليبيا

مقتطفات من رواية
عندما تكثر الشياطين
(1999 – 2018)
للكاتب / أ. حسن أبوقباعة المجبري
الفصل الأول
فرج
(1)
في غرفة صغيرة ،متصدعة الجدران تنتشر في زواياها خيوط العناكب ،وينبعث من جدرانها رائحة الرطوبة ، ويعلو رؤؤس من يتواجد بها أبخرة لفافات التبغ والسجائر ،كان يدور تحقيقاً مع ( فرج ) وهو شاب في مقتبل العمر ، بهي الطلعة حسن المظهر ، فصيح اللسان ، مكتنز القوام ، يظهر علي محياه القوة والعنفوان ، لكنه كان واقفاً حينها غير مكترث بسيل الاتهامات التي ألقاها المحقق تلك الليلة الشتوية العاصفة .
كان ( فرج ) في موقف لا يحسد عليه جدا بين خمسة من رجالات المخفر،
لكنه كان كلما وجهت إليه تهمة يزداد ابتساما من جراء ثقته بنفسه واقتناعه بعدم تورطه في كل هذه الأفعال والإدعاءات الموجهة إليه .
وهذا ما جعل أفراد المخفر حانقين من جراء ردة الفعل الغير مبالية بحجم الموقف ، والتي كانت منافية لما توقعوه يحدث أمامهم من ارتباك في حالة المتهم القابع في مكتبهم حينها،لتجعلهم يمضون ليلة الخميس تلك في حوا من النكات والضحك والتسلية .
وبعد أن أكمل المحقق سرد التهم ، سُمح أخيرا لـ ( فرج ) بالتكلم ردا على ما نسب ضده.
هنا وجد المواطن (فرج ) متنفسا إثر هذا الكم الهائل من الاتهامات الموجهة إليه في تلك الليلة، فأشار بسرعة بديهته المعهودة :
ورد علي الفور :
ابداً ابداً لم يحصل أبدا كل ما ذكرته يا سيادة المحقق.
…. بدليل بدليل .
ثم أكمل القول مشيراً بإصبعه إلي تاريخ الوقائع التي ارتكبت فيها الجرائم المنسوبة إليه .
استشاط المحقق غضباً وصاح في وجه ( فرج ) قائلاً باللهجة الليبية الدارجة :
وخر لاورا ، حول صبعك من ع المحضر ، وخر
تراجع (فرج ) بخطوتين إلي الوراء كما طُلب منه قائلاً :
ولكن يا حضرة المحقق بالعودة إلي تواريخ حدوث الوقائع الموجهة لي سأثبت أنكم مخطئون في توجيه أصابع الاتهام لي .
التفت المحقق إلي المتهم فور سماع ماتفوه به المتهم (فرج ) وحملق بزملائه من إفراد التحريات ومتوجسا قال :
شنو حسك قلت ؟
سمعتك قلت نحنا غالطانين ؟
– رد ( فرج ) :
ما عاذا الله إني قلت هذه العبارة بهذه الطريقة .
التفت المحقق إلي زملائه مقهقهاً وساخرا من طريقة تحدث ( فرج ) فهو يتكلم باللغة العربية الفُصحى الغير متماشية مع طريقة تكلم غيره من العامة تلك الفترة من الزمن وقال متهكما :
تواريخ ، تواريخ
وغني :
” تواريخ يادنيا الهوي // تواريخ وايش ذنبي أنا)
فاردف بقية من كان في الغرفة اهتزازاً وتطبيلا ونقرا علي خشب المقاعد والمكتب في غرفة التحقيق مرددين :
” مشاوير يادنيا العلا /// مشاوير وايش ذنبي انا”.
لكن المحقق اسكتهم بصوته الخشن والموجه للمتهم ( فرج ) قائلاً :
وخر وخر ، ثم أضاف كذلك متهكما :
تواريخ جمع مذكر سالم أنضني ، خطرها علي دروس النحو
ون جديد ارتفعت في غرفة التحقيق قهقهات متناثرة من جميع أفراد المخفر
وصاحوا
جمع مذكر امراجع موش سالم ههههه
ثم سادت موجه من التصفيق المتداخل هنا وهناك.
نظر المحقق الي زملائه ليأمرهم بالسكوت ثم وجه كلامه الي ( فرج )
حسناً حسناً حدثنا كيف يكون ذلك أيها المتعلم أقصد ايها السي با ويهههه ؟
– أجاب المتهم ( فرج ) بغبطة، آملاً في الخروج من هذا المأزق :
ببساطة لقد كنت خارج البلاد منذ عامين ولم ارجع إلي الوطن إلا منذ بضعة أسابيع.
– رد المحقق :
كيف تثبت لنا ذلك أيها المتعلم الشاطر أقصد السي باااا ويــــــــــــه ؟
– أجابه المتهم ( فرج ):
فقط ولو أذنت لي باستخدام هاتفي النقال سأطلب ابن أخي (محمود) ليجلب لي جواز السفر خاصتي، وعندها ستتأكد بنفسك من تاريخ الدخول والخروج الظاهر في الأختام ، وستعلمون إني بريء من هذه التهمة الكيدية ، لأني كنت ادرس في جمهورية مصر العربية فترة وقوع الواقعة محضر الاتهام.
هنا ارتبك المحقق وأفراد التحريات ولكنه رد بامتعاض شديد :
ما عندكش مشكلة وسمح له بإشارة من يده أن يستعمل هاتفه الجوال .
بسرعة أخذ ( فرج ) الهاتف وطلب من ابن أخيه على الجانب الأخر أن يقوم بإحضار جواز السفر خاصته من البيت .
وبعد ساعة من الزمن أحضر (محمود ) الجواز ليتضح بعد ذلك أن ما تقدم به ( فرج ) من إثباتات كانت صحيحة مئة بالمائة .
اقفل المحقق المحضر بعد أن استشار بقية أفرد التحريات والحراسة في تلك الليلة .
وعكس ما كان يتوقع (فرج )
أمر المحقق أفراد المخفر باستمرار إيقاف المواطن ( فرج ) الذي كان يعتقد أنه سيخرج من هذه الورطة، حينها أيقن (فرج ) أنه أمام مكيدة مدبرة يشترك فيها رجالات المخفر مع بعض المجرمين المدعين عليه باتهامات باطلة ، ولم يتفهم أسبابها حينها ، لكنه استدرك أن أحد أفراد التحريات وجهه كان مألوفا له منذ سنوات طويلة ، فحاول تذكره لكنه لم يستطع ذلك حينها .
أمسك اثنان من رجالات الخفر بالمتهم ( فرج ) عنوة والقوا به في الزنزانة المزدحمة بالمتهمين .
أما (محمود ) فقد خرج سريعاً ليخبر والده (سعيد ) بما يحصل لعمه (فرج ) مع رجالات المخفر هذه الليلة !!
******

naseem krowsh

مذيع و معد و مقدم برامج و حفلات ، شاعر عربي فصيح و خواطر ، ناشط مدني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى