كتاب وشعراء

الشاعر العراقي عامر الطيب : إلى أن يأتي ما لم يأت حتى الآن

إلى أن يأتي ما لم يأتِ حتى الآن
سأكون قد وجدتُ مملكتي ،
أصلحت عطل الساعة
و رضيتُ أن يصنع بي الحبُ ما يصنعه النبيذُ.
إلى أن يأتي ما لم يأتِ حتى الآن
سأكون قد أمضيتُ
حياتي وحيداً كالشتاء
و أحببتك الحبَ الذي لا يصلح
مساوئ الجسد !

الزهور
التي لم تهد لك،
التي تنتظرينها دون مبالاة
دون أن تفكري
بمواطنها الأصلية .
إذ لكل زهرة بلد منزوعة منه،
و وراء كل ملامسة صقيع لم يخبره قلب فتى.
و باقة ذابلة تلو باقة ذابلة فحسب
هي تلك الحيلة التي نصنع بها مجداً للأزهار!

أعانقك فأرتعش كما لو أني على
حافة جبل عالٍ،
مَن يدري؟
لعل المجاز يبدو واقعياً
عند الحاجة،
لعل الذين تعثروا بالحبِ سموه حجرةً
فيما أراد الذين
تمنوه على الدوام بأن يبدو جبلاً !

عثرنا في أحد القبور
الغريبة على رفات امرأة ورجل معاً.
حال معرفتنا بالأمر
ظل الصحفيون يستفسرون إن كان طفلها
أو رفيقها
وسأل آثاري لم رجلٌ
بدلاً من قلم كحل ؟
كانت كومة العظام التي علمنا انها امرأة
تحدق ملياً في السقف.
كانت المرايا عندئذ هي الأشياء التي
لا تخبئ ما هو أذكى من الحجر !

من وريقات النرجس
نسجت القلوبُ
ومازالت هناك قلوب تذبل و أخرى تقاوم بشدة،
قلوب تتوهج تحت ذهاب الشمس
و أخرى بلا مغزى.
لكني من خلال ما تفعلينه مع الأزهار
أصمد لأحبك
في ميلان الغصن الغض
و في قسوة الظلال .
في وضع خطوة وحيدة لإسناد قدميّ
و أخرى للتخلص من الأثر!

أيام الحب المعدودة
بعد أن تعلمتُ كيف أستريح ببراعة ،
أن أقف دون أن يلفتني رعب القطط
تجاه صغارها.
أيام الحب المعدودة
هي الثمار التي تتلف في البرد،
السؤال الملح لماذا أبحث عن قهوة
مقدسة في مطبخي الملائم ؟
قهوة تبقيني يقظاً
كشبح و حنوناً كصدأ السكين ،
أيام ممسوسة تعني
أن أصل إلى موت أي أحد يلزمني
فيما يصعبُ على الجميع الوصول إلى موتي !

أحتفظ لك بيد من معدن
و شفة من ريش
بإذن من لحاء شجرة
و عين من محارة .
أحتفظ لك بجسد كامل من ظل
أحد عابرٍ
فآمل أن يقف لأحبك مطمئناً،
أن يكون الظلام نهاية العالم
فنستأنف المشي !

سيكون لنا بيت و سقف بيت
سرير و غطاء سرير
هاتف و سماعة هاتف
خنجر و غمد خنجر.
أعرف أنها أشياء تلزم الوحيدين منا فحسب
الذين يتعانقون
عبر إيماءات ،
الذين يلمسون سويقات الشجر
بسكينة،
الذين يبكون كما لو أنها يستنشقون
رائحةَ يوم قريب كبحيرات العراق
و قصي كحجر !

قاومتُ إغراء كتابة قصيدة
عن نهر صاف كمسودة ،
إغراء قراءة قصيدة
لشاعر من الهمج
الذين للواحد منهم صوتان،
قاومتُ أن يأتي الموت
على عربة
و يزيح اللعاب عن أطراف شفتينا ،
أن يعمر الحب
بيته من غبار جدران تتهاوى
و في مواسم لا تصلح للمطاردة
لمحتُ لك أثراً يشق طريقه خلسة
فعلي هذه المرة بأن أحبك عبر إطالة النظر!

أشير في أي قصيدة لعودة الشيء أدراجه
قائلاً:
كم من عامر الطيب
يصنع كميناً في نفسه،
يبقي قدميه مشلولتين كالشرائط اللاصقة
ليصطاد ؟
كم من عامر الطيب
في الآخرين
كالأثر الذي يفزعنا لأقدام لا تحصى!

لدي حياتان
واحدة مستاءة
بسبب الحرب
وحياة ثانية تزعم أنها ستعاد
مرة تلو مرة
مع أي أجراس تدقُ.
حيوات المرء مثل قصائده
لا تنبت واحدة منهما
إلا فوق ركام الأخرى!

لئلا تمضي عشرون سنة ثانية
من عمري
بسرعة من يغطس،
لئلا تضيع الودائع والأزهار
الخضراء
إذ نطفو كذراعين معاً،
لئلا أزور مدنا باهتة
بغية زيارة المدينة نفسها،
أردت هذه المرة
من أجل حب لا أستهلكه دفعة واحدة
أن أستأجر أياما عابرة من بعض العشاق !

أغادر الأرض كجارٍ عزيز
عند تلك النهاية الغائمة سأكون قد فعلتُ
حتى ما لم يتوجب عليّ،
ألفت تاريخاً خاصاً للقلب
من اللحظة التي
يطفو فيها كقمرٍ صافٍ
إلى اللحظة التي نقتفي أثره بعد الجفاف.
أغادر عالمي المحبب
محمولا على أكتاف بلا رحمةٍ
و ينتهي كل شيء عبر لقاءات غير مخطط لها،
هل بوسع الشجرة البراقة
أن تصنع لنفسها مصيراً أفضل من الخشب؟

أخترع حبيبة من الثلج،
في زاوية الغرفة أحاول ألا أبكي
لأن مشهد ذوبان
جسد يؤذينا إلى نهاية حياتنا.
أردت أن ألمسها
دون أن أزيل شيئاً من تاريخها.
قل لي ما الذي تفعله
بكتلة الثلج ؟
أقل لك أن الذوبان التلقائي يعفينا
من الأذى!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى