رؤى ومقالات

محمد فخري جلبي يكتب ….مارين لوبان تنعش أمال المتطرفين في أوروبا والعالم

تشكل الأنتخابات الفرنسية محطة جديدة في سلسلة  النزاع الفكري بين اليمين المتطرف وباقي الأحزاب السياسية اليسارية منها والمعتدلة ، كما تنعكس نتائح الأنتخابات الفرنسية على النسيج الأوربي عبر تحول الشارع الغربي  من مناهض للأفكار اليمنية إلى مؤيد !! وبالأخص عقب فوز مرشحة أقصى اليمين مارين لوبان بالجولة الثانية من الأنتخابات الرئاسية الفرنسية بفارق ضئيل يحسب لصالح  المرشح الوسطي المستقل إيمانويل ماكرون زعيم حركة (إلى الأمام ) . 
كما يجدر الأشارة بأن الفارق الضئيل بنسب التصويت بين المرشحين لم يحسم السباق إلى قصر الإليزيه وذلك بأنتظار الجولة القادمة . ولكنه يعتبر صفعة قوية وضربة تحت الحزام من قبل ساسة أقصى اليمين لتيارات أقصى اليسار و التي تدعو لحرية التعبير والرأى وتتعامل مع المواطنيين بشكل متساوي وذلك بعكس الأحزاب اليمينية التي تنادي بفرض السيطرة و تمكين جهة أو شخص أو فكرة معينة على نظام الحكم والمجتمع .

وضمن محور الأنتخابات الرئاسية الفرنسية فيجب التنويه بأن الأشاعة لبست ثوب الحقيقة بصعود مارين لوبان إلى الجولة القادمة ، وباتت الأدعاءات المنسلخة عن الواقع فيما مضى بالنسبة للشعارات التي يرفعها قادة الأحزاب اليمنية المشبعة بالتطرف والأقصاء واقعا مبرما !! 

كما وتحولت تلك الشعارات من أقوال منبوذة الجانب ومرفوضة من قبل حشود الجماهير الأوروبية إلى ضرورة قصوى وجدار أسمنتي بوجه زحف التطرف نحو الأراضي الأوروبية ( مع توجيه أصايع الأتهام لبعض تلك الأحزاب اليمينية بفبركة الأحداث وتسويغها بشكل يحفز مشاعر الخوف لدى الشعوب الأوروبية لتصبح تلك الأحزاب الملجأ الوحيد والنافذة المتبقية للخلاص ضمن المنزل الأوروبي المهدد من قبل المسلمين المتطرفين وكما يصفهم قادة تلك الأحزاب !!!) . 

وفي أخر تقرير صدر عن وزارة الداخلية الفرنسية حول جولة الأنتخابات الرئاسية الثانية فقد حصل ماكرون على 23.82% مقابل 21.85 لمارين لوبان وذلك بعد فرز 46 مليون صوت .

ومن خلال معارك تقاذف الأتهامات بين المرشحين للأنتخابات الرئاسية الفرنسية  ، فلم تنجو أبنة مؤسس حزب الجبهة الوطنية جان ماري لوبان أيضا منها . حيث تم توجيه دعاوى مرتبطة بوظائف وهمية في البرلمان الأوروبي ، وتمويل غير مشروع للحملة الأنتخابية ، لكن ذلك لم يؤثر على شعبيتها( لما ذكرناه آنفا من تحول نظرة الجماهير الأوروبية ) ، على عكس المرشح فيون والتي أطاحت عين تلك الأتهامات بمستقبله السياسي !!  ، وقد رفضت لوبان المثول أمام القضاء معتبرة ذلك “مناورة سياسية ” . 

وفي أطار الحديث عن الأنتخابات الفرنسية ونتائج دورتها الثانية فلقد أصبح من الغباء السياسي التعويل على وسطية وديمقراطية الدول الغربية بالتعامل مع الجاليات الأجنبية ، ولاسيما بعد حصول مرشحة أقصى اليمين لوبان على تلك النسبة المرعبة !! فلقد حسم الرهان الأكبر لصالح اليمين المتطرف على المنافسة في سباق الحكم في فرنسا ، بالأضافة إلى الزلزال الذي خلقه فوز الشعبوي دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة ، والتصويت غير المتوقع للبريطانيين مع الخروج من الأتحاد الأوروبي . 

كما أن تلك الأنعطافات الحادة لعربة الأعتدال الغربي ودخولها قنوات اليمين المتطرف تنذر بعاصفة أستوائية ستقض مضجع المهاجرين المتواجدين على الأراضي الأوروبية وهنا الحديث عن المسلمين بشكل خاص !! .

وينبغي الأشارة هنا في حال عدم فوز لوبان بمقعد الرئاسة الفرنسية فأن الأحزاب اليمينية قد أجتازت مرحلة كبيرة في أطار مستقبلها السياسي في الدول الأوروبية ، وحققت فوزا كاسحا على التيارات التي تنادي بالديمقراطية والمساواة والعدالة بين المواطنيبن في المجتمع الغربي . 

ويكمن الأختلاف الوحيد بين جماعات اليمين التقليدية أو المعتدلة وبين المتطرفة أن الأخيرة تدعو إلى التدخل القسري وأستخدام العنف وأستعمال السلاح لفرض التقاليد والقيم ولذلك عادة ما ترفض تلك التيارات هذا النعت لأنها تزعم أنها تمثل الأتجاه العام وتنقل صوت الأغلبية . وتماشيا مع هذا الطرح يجب أن نلقي الضوء على تصريحات لوبان المتطرفة …

فقد أثارت زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان موجة ذعر لدى الجالية المسلمة في فرنسا  عبر مواقفها العنصرية ضد اللاجئين والمهاجرين ، كما و ترى مارين لوبان صلاة المسلمين في فرنسا شبيهة بالأحتلال النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية ،بالأضافة لوصفها  واقع البوركيني ( لباس بحر للمرأة المسلمة ) هو خطوة تخلف ولا يوجد أي علاقة تربطه بحرية النساء !! .

كما عبرت مرشحة أقصى اليمين منذ عام تقريبا عن مساندتها للرئيس الفرنسي في حظر الحجاب والنقاب، كما طالبت بوقف بناء المساجد، وعدم السماح للمصلين بالصلاة في الساحات القريبة من المساجد .كما صرحت لوبان برغبتها بإغلاق باب الهجرة، مشيرة إلى أنها لا تعترف بأية إنجازات فرنسية حققها فرنسيون بأسماء مهاجرة، لافتة الأنظار إلى أنها لا تنظر إلى لاعب كرة القدم الشهير زين الدين زيدان الجزائري الأصل على أنه مواطن فرنسي. بالإضافة إلى مطالبتها باتخاذ إجراءات أكثر شدة ضد المسلمين . 

وأخيرا وليس أخرا ضمن حلقات التوجه العنصري صرحت المرشحة لوبان: «لن نقبل أي طلبات دينية في قوائم طعام المدارس»، مع التذكير أنها أعلنت سابقًا أنّ بدائل الخنزير ستُزال من غرف الطعام في جميع المدارس في المُدن التي يسيطر عليها حزبها . 

وبأعتقادي الشخصي يمكن تشبيه وصول مارين لوبان إلى الجولة الفاصلة بالأنتخابات الرئاسية الفرنسية ككرة الثلج التي تكبر بتدحرجها من قمة الجبل إلى أسفله ، لما يحمل ذلك الفوز في طياته من معاني كثيرة يعبر  عن غليان داخلي في النسيج الغربي للأحزاب اليمينية المتطرفة . 

كما يجدر بنا عدم تحييد ضرر أرتقاء تلك الأحزاب المتطرفة إلى سدة الحكم عن دولنا العربية !! فتلك الأحزاب اليمينية تعتبر داعمة قوية للديكتاتوريات في الوطن العربي  ،

وكما عبرت عن ذلك لوبان بقولها إن فزت برئاسة البلد فسأدعم الأسد !!

ومن الأسد في سوريا إلى ترامب الولايات المتحدة (شرطي العالم الكاره للأسلام ) إلى حليفها الهولندي خيرت فيلدرز ( الذي يطالب بإقفال المساجد ويشبه القرآن بكتاب “كفاحي” لأدولف ) ، تقف لوبان موقف الخصم العنيد تجاه المسلمين ، كما تفصح عن نواياها المقيتة بدعم الأحتلال الإسرائيلي لفلسطين . 

ومع النتائج الأخيرة يبدو أن ذاك النهج المتطرف قد أعطى أكله وتم جني المحصول من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة تحت أنظار العالم ، لترى فيه مارين لوبان نهاية القطبين في الحياة السياسية بين اليمين واليسار ولتصف النتائج التي حققها الحزب بأنها “أنتصار تاريخي ” . 

ومن خلال حملة دعائية متعمدة ضد المسلمين من قبل تلك الأحزاب وفي ظل التوتر المتصاعد بين الجلاد والضحية ، يمكن القول بأن الوجود الأسلامي في المجتمعات الغربية بات قاب قوسين أو أدنى من دخول حرب عنصرية طاحنة شعارها (تضييق الخناق و أقصاء الغرباء) . 

كما يجدر الأشارة إلى ولادة شرارة تلك الحرب في عام 2008 حيث أعلنت أحزاب من اليمين المتطرف من دول أوروبية في مدينة أنفير البلجيكية تأسيس منظمة جديدة تهدف إلى مكافحة ما أسمته بـ”الأسلمة” في أوروبا ،  وأسمها “المدن ضد الأسلمة ” . 

والأمر المستغرب ضمن سياق المعطيات هو أضمحلال الأصوات العقلانية في الدول الأوروبية والتي تدعو إلى تكريس خطاب الأعتدال والتصدي للخطابات العنصرية وأجتثاثها ، وأن كانت موجودة في بعض زوايا الخارطة الغربية ولكنها لم تعد تملك بريقها الأعتيادي كما وغابت عن ندواتها تلك الحشود الغفيرة . 

فهل المستقبل يخبىء خلف نوافذ أيامه حرب صليبية جديدة ضد المسلمين ، وكما أشار إليها فيما مضى بوش الأبن ؟؟ 

وفي حال أشتعال تلك الحرب والتي يتم التخطيط لها بعناية فائقة ، فكيف ستكون ردة فعل جمهور النسيج المسلم في العالم ؟؟ 

أترك الأجابة لك عزيزي القارىء ، وللمتشدقين بنزاهة المجتمعات الغربية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى