رؤي ومقالات

أنس دنقل يكتب :أنا والموت !!

مات ابي عام 1950..عمري سنة واحدة..لااتذكره..لا اعرفه..عرفته من حكايات الاخرين واوراقه..مااجمل ان تعرف ابوك من افواه الناس حتي لو كانوا كذابين منافقين.،انت طفل صغير ستصدق لانك بريئ لم تجرب الحياة ولم تختبر كذب الكثيرين !!
موت الاب في الطفولة كارثة لا يدركها سوي من عاشها !!
سنوات الدراسة الابتدائية.. يطلب مدرس الفصل من التلاميذ احضار ابائهم لاجتماع مجلس الاباء غدا.. يبكي الي حد الانتحاب والانتحار: وحيدا بغير اب..لا يعرف ملامحه سيتعلق بثيابه عند حضوره ربما دخل معهم ولم يتبينه !!
انا المسؤول عن موته.. خصوصا جدتي لابي تعتبرتني ولد فقري..شوءم..واكل ناسه..قاعد زي القرد يلعب مع العيال ولا واخد باله !!
تفضل اخي الاكبر امل..تعتبره خليفة ابوه..تسلمه مصحفها ليقرا عليها ايات القران كما كان يفعل ابوه.. اما انا..ابن الوليه القرشانه اللي قاعده فوق !!
في طفولتي كنت طفلا بكاءا..عندما كبرت حرمت علي نفسي البكاء اطلاقا اعتبرته عورة..اذا كان ابي ميتا ساكون ابا لنفسي..اذا كان ابي طيبا ذكيا ساكون !!
لاكتشف بعدها ان الناس يخلطون بين الطيبة والعبط..الطيبة_كما اعرفها_ قمة القوة والذكاء.. تغيرت بعدها لاكون شرسا بذيئا حتي انفي عن نفسي هذه التهمة!
لم ابكي علي ميت في حياتي سوي مرتين:
الاولي : عندما ماتت جدتي لامي كانت تكرمني..احبها لانها براوية سليطة اللسان لاتخفي مشاعرها مهما تكن الاسباب والمبررات والموقف !!
الثانية: عندما مات جمال عبدالناصر بكيت طويلا..شعرت ان سقف بيتنا وقع فوق راسي..لمت نفسي بعدها..عندما تقدمت في العمر وعرفت :
الحاكم لاينبغي ان يكون ابا لاحد ..الحاكم موظف عمومي.. خادم للناس..نحاسبه ونزجره ونعزله وليس صاحب البيت !!
يا موت ياعريس الحلوين..صياد ماهر..ينتقي ويخطف اجمل مافينا ..الوحشيين ؟؟ الوحش لايموت ولايضيع..ربك يمد للظالم مدا..اكل ومرعي وقلة صنعة..الاندال يسدون الدروب والبيوت..يتقدمون البشر نفوذا وسلطة ..يملأون الدنيا ضجيجا وصياحا ومجدا كاذبا !!
جزيرة نيلية فقيرة تقع علي اطراف بلدتنا..امام شاطئ قرية اسمها البارود ..تمنيت ان امتلكها..اقيم فيها دولة صغيرة للاحباب فقط..نصنع بيوتنا ومراكب للصيد..طعامنا معا..نعلم ونتعلم من بعض..جواز المرور والاقامة في الجزيرة..المحبة..الاحترام والمساواة بين البشر الذين لايريدون علوا في الارض ولا فسادا.. لاسادة..لا اتباع..لا عبيد..الحرية للجميع !!
اخيرا : اصدقكم القول..لااريد ان اقدم عربون محبة لاحد لكي لايخطفه هادم اللذات ومفرق الجماعات..معظم النبلاء.. من احببتهم اختطفهم الموت مبكرا..
احبتي :يحيي القزاز المفكر والانسان..عبدالرحيم منصور شاعر العامية الكبير ..يحيي الطاهر عبدالله القصاص والصقر الجارح..احمد اسماعيل الشاعر والصحفي الشاب النابغ
بجريدة الاهالي..اجمل من خط بالقلم..عيونه لامعة تخفي خلفها حزن وانكسار سنوات سجن مريرة ..كنت لااذهب الي القاهرة الا لكي اراه.. جالسا علي يسار مدخل صالة التحرير بالجريدة..يحب كل البشر لايكره في العالم احد _حتي سجانيه_ سوي رفعت السعيد..لماذا نسيه الاصدقاء ؟؟!!
كل الاحبة يرتحلون ..السلام علي من اقام والسلام علي من رحل..الموت سفر اتمني ان القي قريبا تلك الاوجه الحبيبة الغائبة !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى