د. فيروز الولي تكتب:غادروا عدن فورًا… حين تهرب الحكومة، وتسقط الدولة، ويُدفن وهم 2015

ليس كل انفصال يحتاج إعلانًا رسميًا أو علمًا جديدًا.
بعض الانفصالات تبدأ بـ توجيه إداري عاجل، وجملة باردة:
“على جميع الوزراء مغادرة عدن فورًا، وأي تأخير يُفسَّر دعمًا للتمرد.”
هكذا، بلا معارك ولا بيانات كبرى، تُفرغ العاصمة المؤقتة من الدولة،
وتُسلَّم المدينة لمن بقي واقفًا،
بينما من يفترض أنهم “الشرعية” يصعدون إلى الطائرة… باسم الحكمة.
أولًا: نفسيًا – عقلية الهروب لا عقلية الحكم
الدولة لا تُدار بعقلية “إخلاء مبنى”.
القرار يكشف ذهنية مسؤول يرى:
البقاء = مخاطرة
والهروب = دهاء سياسي
إنها نفسية من اعتاد إدارة الدولة عن بُعد،
ويظن أن السيادة تُحفظ بالبيانات لا بالوجود.
هذه ليست شجاعة ولا تكتيكًا…
هذا هروب مغطّى بورق رسمي.
ثانيًا: اجتماعيًا – الرسالة الأخطر للمواطن
حين تغادر الحكومة عدن، فهي لا تنسحب فقط من المدينة،
بل تنسحب من عقدها مع المجتمع.
الرسالة للمواطن بسيطة وقاسية:
“من يملك القوة على الأرض هو الدولة…
أما من يملك الشرعية، فيملك خطابًا وحقائب.”
وهكذا تُقتل آخر ذرة ثقة بين الناس وما تبقى من فكرة الدولة.
ثالثًا: ثقافيًا – سقوط رمز العاصمة
عدن ليست فندقًا يُغلق عند الطوارئ،
ولا مكتبًا يُدار بالتحكم عن بعد.
عدن رمز سياسي وثقافي.
ومن يغادرها طوعًا،
يفقد أخلاقيًا حق الاعتراض على أي أمر واقع لاحق.
لا أحد بعد اليوم يملك رفاهية الصراخ ضد الانفصال،
لأن أول من انسحب… هو من كان يفترض أن يمنعه.
رابعًا: سياسيًا – خدمة مجانية للمجلس الانتقالي
سياسيًا، هذا القرار نصر بلا رصاصة للمجلس الانتقالي:
يشرعن سيطرته
يسقط وصف “التمرد”
ويفتح الطريق أمام واقع حكومة جنوبية جنوبية
ليس لأن الانتقالي عبقري،
بل لأن خصمه غادر الملعب.
الدول لا تُهزم دائمًا بالحرب…
أحيانًا تُهزم بالصعود إلى الطائرة.
خامسًا: الاقتصاد – الفاتورة على المواطن
عند مغادرة الحكومة:
الإدارة تشل
الخدمات تتآكل
الاستثمار يهرب
والفراغ يُملأ بالسلاح لا بالقانون
الاقتصاد لا يحب الفراغ،
والفراغ لا تحكمه الدولة.
سادسًا: عسكريًا – دولة بلا وزير دفاع!
أي عبث هذا؟ وزير دفاع يُؤمر بمغادرة مدينة يفترض أنها تحت سيطرة “الشرعية”.
هذا ليس قرارًا عسكريًا،
بل سخرية سوداء من مفهوم السيادة.
الجيوش لا تُدار من المنافي،
والدول لا تحارب وهي في وضع “offline”.
سابعًا: السؤال الأخطر – هل هذا تمهيد لتدخل سعودي كما في 2015؟
هنا الوهم الكبير.
التشبيه بـ2015 مغرٍ… لكنه مضلل.
في 2015:
الحوثي كان خصمًا مباشرًا للسعودية
تهديدًا لحدودها
وانقلابًا كاملًا على الدولة
مع غطاء دولي نسبي للتدخل
اليوم:
المجلس الانتقالي ليس عدوًا للسعودية
بل جزء من معادلة التحالف
ومدعوم إقليميًا
ولا يشكل تهديدًا للأمن القومي السعودي
لو كانت هناك ضربة قادمة:
لرأينا خطاب تصعيد
وتهيئة إعلامية
وتحشيدًا سياسيًا لا إخلاء وزراء وصمت مرتبك.
الانسحاب ليس تمهيد حرب… بل إعلان تراجع.
ثامنًا: دبلوماسيًا – ماذا يفهم الخارج؟
الخارج لا يقرأ بياناتكم، بل يراقب أفعالكم.
وسيقرأ المشهد هكذا:
الحكومة عاجزة عن البقاء
القوة الفعلية على الأرض هي من تستحق التفاوض
أي تسوية قادمة ستكون على حساب “الشرعية”
الدبلوماسية تحترم من يبقى… لا من ينسحب.
تاسعًا: إعلاميًا – انتحار الرواية
كيف ستقنعون العالم أنكم دولة،
وأنتم أول من غادر؟
جملة واحدة كافية لهدم كل خطابكم:
“هم هربوا… ونحن بقينا.”
هذه ليست أزمة إعلام،
بل هزيمة سردية كاملة.
عاشرًا: السخرية المؤلمة – دولة بزر إخلاء
يبدو أن الحكومة تحولت إلى:
إدارة طوارئ
أو فندق خمس نجوم بخيار “إخلاء عاجل”
اضغط زر المغادرة…
وسلّم الدولة لمن بقي واقفًا.
الرؤية: كيف نمنع دمار الجنوب؟
1. إلغاء منطق الهروب
البقاء في عدن واجب، لا بطولة.
2. إدارة الصراع سياسيًا لا بالطائرة
الدولة تفاوض… لكنها لا تنسحب.
3. فهم أن الخارج لن يعيد 2015
لا حرب قادمة… ولا منقذ خارجي.
4. إعادة تعريف الشرعية
الشرعية = وجود + خدمة + قرار
لا بيانات ولا فنادق.
5. تحييد المواطن الجنوبي
لا تجعلوا الجنوب يدفع ثمن فشلكم.
الخاتمة
من يغادر عدن اليوم،
لا يحق له غدًا أن يتحدث عن وحدة،
ولا عن دولة،
ولا عن شرعية.
الدولة التي تهرب…
تُدفن وهي على قيد الحياة.
وفي السياسة، كما في الحياة:
الميدان لمن يبقى… لا لمن ينتظر تكرار 2015.









