عاد للحياة.. بقلم: روعة محسن الدندن

عاد للحياة
روعة محسن الدندن – سوريا
لم أكن أظن أن صوتي سيكون يوماً فاصلاً بين الموت والحياة.
حين أخبروني أنه يرقد في المستشفى، بين غيبوبةٍ ووجع، طلبَ فقط أن يسمع صوتي. شعرتُ حينها بأن الأرض تميد تحت قدمي، فكيف أُحادث من كنتُ أرفض لقياه خوفًا من حبه؟ وكيف أقول له إنني لا أبادله الشعور ذاته، وهو يقف على عتبة الرحيل؟
تجمّد الوقت في وجهي، وامتلأت غرفتي بأسئلةٍ لا جواب لها.
كنتُ أتنفّس حيرتي كما يتنفّس الغريق ماؤه. لم أكن أستطيع الذهاب إليه، فالحصار أحكم قبضته علينا، والثلج يغطي كل شيء، والظلام يبتلع الطرقات، حتى قلبي لم يعد يرى طريقه.
حين عاد زوجي إلى البيت، وجدني أبكي.
سألني عن السبب، فانهارت الكلمات منّي كما ينهار السدّ حين يفيض به الحزن.
قلت له: “قريبي بالمشفى، حالته خطيرة جدًا، ويريد أن يسمع صوتي… ربما لن ننجو من الحصار، وربما نموت جميعًا دون أن نودّع أحدًا.”
نظر إليّ بصمتٍ طويل، ثم ابتسم بتعبٍ وقال:
“أعلم أنك تحبينه كأخ… اتصلي به.”
ضحكته تلك كانت إذنًا بالرحمة، لكنها أشعلت في داخلي وجعًا أكبر.
كيف سأواجه زوجته؟ وماذا سأقول لها؟
كيف أُخبرها أن آخر أمانيه كانت سماع صوتي؟
بحثتُ عن شبكةٍ في العتمة، رفعتُ الهاتف بيدي المرتجفتين، حتى وجدتُ الإشارة أخيرًا، واتصلت.
جاءني صوت أنثوي رقيق، عرفتُ فورًا أنها زوجته.
أخبرتها من أنا، وبأنني أودّ فقط أن أُسلّم عليه.
صمتت قليلًا، ثم قالت بصوتٍ متهدّج:
“لقد أصيب بجلطة، فقدَ النطق، كلامه غير واضح…”
ارتجف صوتي وقلت:
“رجاءً… أخبريه أنني على الخط. لا أريد منه كلامًا، فقط ليسمعني.”
ناولتْه الهاتف، فكان الصمت طويلًا…
صمتٌ يشبه دعاءً قبل المعجزة.
ثم، بصعوبةٍ بالغة، خرج صوته يهمس باسمي.
تلك الكلمة الوحيدة، كانت كأنها تنفّس الحياة من جديد.
قال لي بصوتٍ متكسّر: “أنا بخير.”
ضحكتُ باكيةً، وقلت له: “أكيد أنت بخير، وستبقى بخير… لتراني.”
أنهيتُ المكالمة ودموعي تنهمر، لكن في قلبي يقينٌ لم أعرفه من قبل.
لقد تكلّم حين سمع صوتي، وعاد للحياة حين ناداني باسمي.
بعدها قالوا إنه نسي الجميع… إلا أنا.
ذلك العاشق المجنون، الذي تحدّى الموت بصوتي،
ما زال — رغم كل شيء — يعيش على حدود الجنون والحنين.









