كتاب وشعراء

الحزن والاغتراب قراءة في قصيدة “ في مقهى ريش “ للمخرجة السينيمائية العراقية خيرية المنصور…..بقلم لطيفه الأعكل

ظاهرة الحزن في الشعر العربي المعاصر ، هي ليست حديثة العهد ، بل هي متجذرة في
الشعر العربي قديمه وحديثه.
ولا يمكن للقاريء العربي ان يتصفح ديواناً شعرياً لاحد الشعراء القدماء أو المحدثين ، أو
المعاصرين إلاّ ويلمس أن غيمة ثقيلة من الحزن، والمعاناة ، و ألم فراق الأحبة قد نشرت
رداءها ، وحجبت نور الشمس في سماء صفحاته,
والحزن والألم هما من أسباب شعور الإنسان بالوحدة والغربة ، والإغتراب.
وقد بات الإغتراب قضية وجودية إنسانية معاصرة ، تجسد مقدار معاناة المثقف العربي ،
ورفضه وتمرده على هذا الواقع الرديء، السياسي الخانق للحريات ، والإجتماعي المتردي داخل وطنه واتسمت ردود فعله بالانسحاب ، والهروب والهجرة، واختيار الغربة والاغتراب ;
وقبل البدء في تحليل النص ، يقتضي الأمر الوقوف عند عتباته النصية الأساسية وخاصة
العنوان ، حيث أن العنوان هو العتبة الرئيسية التي تفرض على الدارس أن يتفحصها ،
ويستنطقها قبل الولوج إلى أعماق النص.
عنوان القصيدة ( في مقهى الريش ) ومقهى الريش توجد وسط القاهرة / مصر / وهي
عبارة عن فضاء مكاني تعود العديد من المثقفين والفنانين وغيرهم السمر هناك .
والزمن الإبداعي هو ليلة من ليالي شهر (شباط / فبراير ) الباردة القاهرية .
وقد تعمدت الشاعرة عن وعي ذكر شهر شباط ( الشهر الثاني من الشهور الآشورية
المعمول بها في العراق ) مع العلم ان الشهر الثاني في مصر هو فبراير ( السنة الميلادية)
وهي تسجل بذلك لحظة لسان حال ذاكرة حنين عراقية الجذور وشوق دفين للوطن ،
وشعور بالغربة والإغتراب.
إن جوهر الرؤية النصية في هذه القصيدة يكمن في تحفيزهاالنصي وفق متغيرات الرؤية
الشعرية ، واللعب بالحدث الشعري /شعرية الحدث /.
فالفضاء الشعري ( مقهى الريش) يشعرك بالدفء رغم برودة الطقس ،
وسحر شدو عود القصبجي يأسر الروح ، يخدر الجسد ، فتغفو العين، وتتجلى بداية
لحظة الحلم الأخضرِ / استيقاظ الذاكرة المنسية / :
في بيت عراقي صغير
أورق حلمي اخضراراً

فراتي وجه طيب
عبق النبت به شذا
وهنا الذاكرة الاسترجاعية للزمن تعود بالشاعرة إلى دفء بيت الأهل الصغير بمدينة الحلة
العراقية ،وسعادتها آن ذاك بالمحيطين بها من الأحبة ، ومِن مَن وُشموا في ذاكرتها
وسكنوا قلبها ..
وبين اليقظة والحلم ينساب صوت سيدة الطرب أم كلثوم ( تضمين ) :
“ أملي حياتي عيني “
“ يا أغلى مني علي “
هكذا تختلط لحظة الحلم بين الحنين اللامتناهي للوطن ( العراق) وبين
عشق مصر التي احتضنتها وحققت بعضاً من أحلامها الكبيرة .ومع ذلك يظل الشعور
بالغربة والاغتراب يؤرقها .
ويظل :
أفقت والخجل الشرقي يكسوني
وعيون رامي
تحثني أن أكسر قيود الحب السجين
و أقول للفرات.. إنك الأعذب
و أقول للسنا..إنك الأبهى
“ لا تلمني إن ملأت بك الدنيا
وصاحت معي
“ حبيبي..حبيبي “
وهكذا تتدفق المشاعر و الأحاسيس على شكل صور شعرية إيحائية / إنزياحية بعيدة
عن الغموض، والإبهام تعزف عزفا إنفرادياً على وتر الحزن والحنين ،والإحساس
بالغربة والإغتراب ..
وبما أن النصوص الحداثية تتعدد فيها القراءات فقد يرى البعض أن الدكتورة خيرية المنصور سعت في هذا النص إلى
” سينيمائية ” القصيدة الشعرية النثرية غير أنني أرى عكس ذلك . أي أنها في هذا النص
كانت حاضرة بكل أحاسيسها ، وجوارحها، تستحضر ذاكرة منسية ، موشومة لا يمكن
أبداً إلغاؤها : طفولتها ، شبابها ،أحلامها، أمانيها، وخيباتها وانكساراتها ..
تتذكر أجمل لحظات عمرها حين ابتسم لها القدر ونجحت في تحقيق حلمها ، وتحققت نبوءة
المخرج المصري يوسف شاهين في أنها ستصبح مخرجة سينيمائية / أول مخرجة عراقية ..
هكذا قرأت النص أتمنى أن أكون قد أضأت بعض جوانبه..
النص:
في مقهى ريش
في شباط
معا نبدأ السنة
في بيت عراقي صغير
اورق حلمي اخضرارا
وعود القصبجي منساب
من مقهى ريش
دفء طاف بنا
في ليل قاهري
ينهشه البرد
وانا ألوذ بصمتي
فراتي وجه طيب
عبق البيت به شذا
من صفاء وجه
ينبع عطرا وضوءا
لاغان تشدوها ثومة
” أملي حياتي عنيَّ ..
يا أغلى مني علي ”
والخدر الجميل
دب في أوصالي
وأبو سيف بعدسته
يرصد خلجات حب
مرتعشة واماني
ان ابسط الكفين الفراتية
وأمطر الراحتين تقبيلا
وأسند راسأ تعب
من الغربة والانكسار
ستوب .. قالها ابوسيف
واللحن الشجي منساب
” وسيبني احلم سيبني
يا ريت زماني ما يصحنيش ”
افقت والخجل الشرقي يكسوني
وعيون رامي
تحثني ان اكسر قيود الحب السجين
وأقول للفرات .. انك ألاعذب
وأقول للسنا .. انك الأبهى
” لا تلمني ان ملأت بك الدنيا
وصاحت معي
حبيبي .. حبيبي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى