إسهامات القراء

حنكة القيادة السعودية تربك السياسة الامريكية…..بقلم عمار براهمية 

     عند الرجوع لتصريحات بعض الساسة الأمريكيين قبل سنوات قليلة يمكن ملاحظة حجم الورطة التي تتخبط فيها السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة وأن هذه الأخيرة كانت تُضبط فيما مضى وفق أجندات توافقية وبما يلبي تطلعات حلفائها في اوروبا وفي العالم العربي وتحديدا المملكة العربية السعودية لما لها من وزن في المنطقة، وبالنظر لقوة تأثيرها في العالم الاسلامي من جهة، وقدراتها الاقتصادية وخاصة انتاج النفط من جهة أخرى، والأهم من كل ذلك هو بروز قيادة شابة في المملكة العربية السعودية تتميز بنجاعة الافكار وبمستويات كبيرة من الطموح الاقتصادي وبرؤية مستقبلية جد قوية،
        ولمّا كانت الشراكة الوثيقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها عنوانها الثقة المتبادلة لعقود، كانت السياسة الخارجية الأمريكية واضحة حينها وتحضى بقبول حتى وإن تخللتها تناقضات مسجلة تاريخيا ( كونها عقدت أزمات مرتبطة بملفات الشرق الأوسط، او بتدخلاتها غير المقبولة في المنطقة العربية سواءً تلك التي تمت بشكل مباشر او التي تتم بشكل غير مباشر ) وبالرغم من كل ذلك استمرت السياسة الخارجية الامريكية في ضمان الحد المقبول في اهم تعاملاتها وفي مختلف مجالات التعاون الدولي والاقليمي،
       حتى جاءت خطابات الرئيس الامريكي بايدن الذي تحمس كثيرا أثناء حملته الانتخابية وقدم استعراضا مبالغا فيه من حيث عدائية التوجهات وضيق الحسابات تجاه حلفاء امريكا، وخاصة بحديثه عن المملكة العربية السعودية وعن قيادتها، ليصبح بعد ذلك طموح بايدن اسوء كابوسٍ مرت به الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود طويلة، فهي تعيش أخطر الضغوط الاقتصادية، وتستيقظ كل يوم على مخاطر تراجع مستوى طموحها وتناقص قدرة تأثيرها لدرجة اظهر فيها بعض نواب مجلس شيوخها حملات عدائية مسعورة وغير مسبوقة ضد دول تعتبر صديقة للولايات المتحدة الأمريكية،
        وكأن الواقع يقول بأن العالم تغير فعلا وأصبح يحكم بقوانين جديدة وبعلاقات مختلفة عما كانت عليه قبل سنوات قليلة، فهل الركود الاقتصادي جراء جائحة كورونا وتسارع وتيرة الخلاف في شرق اوروبا وبروز تحالف دولي ضد الهيمنة الغربية هي الاسباب الوجيهة لهذه التحولات؟ ام ان تخطيط قادة الدول المؤثرة في السياسة العالمية اعطت نتائج مغايرة لما مضى، لتقدم للعالم خارطة جيواستراتيجية جديدة عنوانها لا استمرار لنظام عالمي أحادي ولا نجاح لتحالف غربي أكل عليه الدهر وشرب لانه ببساطة من مخرجات الحرب العالمية الثانية وبارهاصات الحرب الباردة وما تبعها من احادية قطبية غير متوازنة منذ البداية؟
         والدليل القاطع على تآكل مفاصل التقاطعات الغربية السابقة هو ما تتعرض له اوروبا من تحديات وضغوط دون غيرها من حلفائها البعيدين جغرافيا عنها والمتدخلين فعليا في مسببات هذه التحديات، ولتقريب الصورة اكثر ماذا استفادت اوروبا من العقوبات المفروضة على روسيا؟ وهل يوجد تقييم موضوعي يجعل الداخل الاوروبي يستفيق لينفصل عن الهيمنة الامريكية ويراجع سياسته الخارجية وفق مصالح الشعوب الاوروبية لاعادة ترتيب مجريات التعامل مع حلفاء وأصدقاء جدد لا مناص من التعامل معهم بندية واحترام  وفق التحولات والصغوط الجديدة؟
        وبعيدا عن اوروبا ألم يذهب بايدن الى قمة جدة للأمن والتنمية بالمملكة العربية السعودية لاستعطاف قيادتها لاجل ضخ المزيد من النفط بعد ان كان يتوعد ويتهدد بعدم التعامل معهم ومنع السلاح عنهم؟ فهل رضخ للأمر الواقع وتراجع عن شعاراته ام إن الحاجة الملحة حتمت عليه ذلك؟
        والنتيجة ان القرار السعودي سيد وخياراته اثبتت للعالم قدرة السعودية على تحويل موازين التاثير والقوة بحنكة وبخطاب هادئ قابله تهريج اعلامي امريكي وتسويف سياسي من بعض نواب مجلس الشيوخ، الذين سبق لبعضهم وان طالبوا بمعاداة الجزائر لا لشيء فقط لانها صاحبة خيارات حرة وقرارات واضحة وسياسة سيادية في كل مجالات تعاملها مع مختلف دول العالم، فهل وصل الحد بالخطاب السياسي الامريكي الى هذا المستوى من التراجع في ظل تزايد الضغوط على مكانتها عالميا نتيجة التحولات التي اصبحت واقعا معاشا؟
         أما قرار اوبك + القاض بتخفيض انتاج النفط بواقع مليوني برميل نفط يوميا، فقد كان صادما لامريكا قبل الاوربيين رغم التفاوت الواضح في تبعات ذلك اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، خاصة بالنسبة لآولئك الذين يضحون لأجل الهيمنة الغربية على حساب شعوبهم الذين يعانون من ازمة الطاقة، فهل ستطول هذه الازمة بما يكفي لتعديل موازين القوى عالميا؟ وهل ستترسخ التحالفات المعلنة وغير المعلنة الى غاية تحقيق نتائج فعلية في عالم متقلب مقبل على مخاض تحولات الزامية؟
         انها قرارات قوية لصالح استقرار الاقتصاد العالمي وفق نظرة استراتيجية لقوى عربية اقليمية بما يضمن مصالح مجموعة اوبك +، بغض النظر عن التفسيرات الأمريكية وبعيدا عما تسعى له في عالم عانى كثيرا من الاحادية القطبية المتهالكة، فهل هي نهاية حتمية للغطرسة الغربية؟
        وهل ستستوعب الإدارة الامريكية الوضع وتراجع توجهاتها لحفظ ما تبقى من مصالح غربية قد تتشتت ولن تجد السبيل لجمعها؟ أم أن امريكا ستجني بخياراتها الحالية عزلة سياسية ستعمق من تحدياتها الاقتصادية لتصبح عقدة حقيقية منذرة بانهيار تماسكها الداخلي الذي سيصبح تحت ضغط الحركية الديموقراطية، والسبب استمرار تعميق الاختلالات الدولية التي لا تحتاج للغطرسة قدر ما تستحق تغليب الحكمة وتفعيل القدرة على تفهم التحديات وقبول التوازنات الضرورية لتطورات عالمية لا تقبل التأجيل كونها اصبحت امرا حتميا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى