(شهرُ النفحاتِ والبركاتِ) للكاتب اليمني الراقي محمد طاهر سيَّار الخميسي

ها هوَ جاءَ شهرُ الله يحملُ هدايا ربُ العبادِ إلى عباده، ثلاث مزايا، وجائزة ربانية عظيمة، تليقُ بكَ أيها المؤمن اللحوح بالدعاءِ.
في الليالي الرمضانية..
اغتنم فرصتكَ الرمضانية، وكن أنتَ الفائزَ الأول في هذه المسابقاتُ الربانية كي تربح بجائزتكَ الكبرى الجنة، وتستلمَ مفاتيح الجنة، وتدخلها من باب الريان بسلامٍ وتنعمُ بنعيمها،
وتفوز بحياتها الأبدية التي أوعد الله بها المؤمنين والمؤمنات.
في شهر رمضان ثلاث مزايا في كل عشرة أيامٍ مزيةٍ شاملة وكاملة، بكمال الله عز وجل.
أول عشرة أيامٍ رحمة.
وثاني عشرة أيامٍ مغفرةٍ.
وثالث عشرة أيامٍ عتقٍ من النارِ.
الفائزُ فيها المؤمن التقي النقي،
والصائم، القائم، والمتصدقُ بالسرِ والعلنِ، والغاض لبصره، والمتسامحُ مع الناس، والمانع لنفسه من الشهواتِ، في نهار رمضان ولياليه، والذاكرين والذاكرات الله كثيرًا.
رمضانُ شهرُ عبادةٍ، وشهرُ صدقٍ، وإخلاصٍ لله، بنيةُ الصيامِ والقيامِ، وتلاوة القرآن الكريم،
ومنعُ النفسِ من الزلاتِ، ومن النظرُ إلى المحرماتِ، والالتزام بالصلواتِ، والحرصُ على كثرة الإلحاحِ بالدعاءِ والمناجاتِ،
بتوبةٍ صادقةٍ،وقلبٍ خاشعٍ صادقٍ مخلصٍ لله،
بكثرة التسبيح والاستغفارِ،
العبدُ التقي النقي يقبل عند الله صيامه وقيامه،
وتقبلُ دعواته عندَ الإفطارِ ووقت الصلاةِ، وفي الركوع والسجودِ، وعند رفع يديه في الوترِ، وصلاة القيامِ.
رمضان ليسَ شهرُ منع المعدة عن الطعامِ والشرابِ، والنظر على الموبقات وكسبُ السيئاتِ،
ولا بفتح اللسانِ بالسبِّ، والشتمِ،
وفرضُ النفسِ والذاتِ على العبادِ، بالتظاهر أمامهم بأنكَ أنتَ الصائمُ الوحيد في هذا الكون..
ليس الصومُ بالغضبِ، ولا بالزعلِ، ولا بمشاجرة الناسِ الصائمين، كي يعرفون من حولكَ أنكَ متأثرٌ من شدة الصيامِ،
أقول لكَ ليسَ لكَ من صيامكَ هذا سوى إفراغُ معدتكَ من الغذاءِ.
وأبطلت صومكَ بفتح لسانكَ بالكلام البذيء،
بتفاخركَ بعكسُ وجهك أمام الناس، كي يشعرون بكَ، إنكَ انتَ الصائم الوحيد في المسلمين من الإنس والجن.
أقول لك نصيحة، ولمن اتّبَعَ أخطاءكَ ونَهَجَ نهجَكَ في الصيامِ، وكان قلبه مريضًا بعيدًا عن ذكر اللَّه، قد حرَمتَ نفسكَ الأجرِ،
لأنكَ لم تلتزم بآداب الصيام بالصبرِ والتحمل على الجوع والعطشِ، وتتذكرُ نعمةُ الطعام الذي كانت تفترش به سفرتكَ وأمامكَ كل أنواع الأكل الذي تفرزه معدتكَ كل يوم،
وحولكَ وحول كل بابٍ من أبواب منزلكَ فقيرٍ من الفقراءِ، ومحتاجٍ من المحتاجين، ومنكوبٍ من المنكوبين، ولاجئ من اللاجئين، الذين رحلوا من بيوتهم، لا يحملون شيءٍ في أياديهم لا طعامٍ ولا شرابٍ، ولا كسرة خُبزٍ تسد بطونهم من الجوعِ ولا شربةَ ماءٍ تلين شفاههم من العطشِ، ولا مأوى أوملجأ لهم سوى اللَّه.
وأنتَ تتمتعُ بلياقتكَ البدنية، وتشعرُ برطوبةً في منزلكَ،
ولم تشعر بمِعدات الفقراء الذين يمدون أيديهم إلى الله،
ثم إليكَ كي يجدون لهم عندكَ من الله حاجةٍ، أو صدقةٍ، يجزيكَ بها اللَّه..
لأنكَ لم تشعرُ بوجع المعدة الفارغة خلال أحد عشرة شهرٍ من السنة لأنكَ تنعم بنعم الله ولا تحمده عليها وتقسم منها لعباد اللَّه الضعفاء، كي لا يكونوا دولةٍ بين الأغنياء..
لكن اللَّه أكرمكَ بهذا الشهر، شهرُ رمضان بالصيامِ لوجهه الكريم، لكي تشعرُ بالجوعِ وقلبكَ يحسّ ويتذكرُ تلك الضربات التي كانت تصدأ به آذانكَ على باب منزلكَ، وذلكم الواقفون على أبواب تجارتكَ، والنائمون خلف أبواب حوانيتكَ الصغيرة، والكبيرة، وهم يفترشون الأرضَ، وينهجون نهج رسولنا الكريم، حينما كانَ إذا فرغت معدته ربطَ على بطنه بالصخرةِ أو بالحجرِ، من شدة الجوعِ..
رمضان شهرُ الله فيه أعظمُ الفرص، والهدايا، والفضائل في العبادات، إنه شهرُ الصائمين، القائمين، والركع السجود،
اللهم اجعله مباركًا لنا بالحسناتِ، ومكفّرًا عنا السيئاتِ..
اللهم اجعلني فيه ووالديَّ ممن صامه إيمانًا واحتسابًَا، وممن غفر الله له ذنبه ما تقدم وما تأخر.
اللهم اجعل لنا ولوالدينا
في أول عشرة أيامٍ رحمةً..
وفي عشرة أيامٍ مغفرة..
وفي عشرة أيامٍ عتقٍ من النارِ.
ها هوَ قد أقبل رمضان وأنت الغارق بالذنوب، وقلبكَ مثخنٌ بالثقوب وتائهٌ في اللهو، واللغو، واللعبِ..
رمم قلبكَ بآيات الله، لعل اللَّه يمنحُكَ النماءِ والنضرة والهداية،
ويهديكَ إلى الصراط المستقيم،
ويقبلُ توبتكَ ويكفرُ عنكَ سيئاتكَ، ويجزيكَ بالأجرِ الكبير.
قل ربي إني أنختُ ببابكَ مطايايَّ،
أنا عبدكَ المسيء..
عدت إليكَ طالبًا هديكَ وتوفيقكَ ورضاكَ،
أن تجعلني في هذا الشهر من العارفين، ومن القائمين، وتحشرني بزمرة الصائمين، وتدخلني جنتكَ التي عرضها السمَواتِ والأرضِ..
اللهم اجعل لي ولوالديَّ بيتًا في الجنة،
واسقني وإياهم وعبادكَ المخلصين من أنهار جنتكَ،
التي فيها ما لا عينٍ رأت،
وما لا يخطر على قلب بشر..
اللهم أكرمنا برؤية وجهكَ الكريم،
واشفعنا بشفاعة نبيكَ الحبيب
المصطفى شفيع الأمة، وهاديها إلى الصراط المستقيم.