أرض البرتقال…..قصة قصيرة بقلم محمد الصباغ

I
كانت الأحداث الغامضة وغير المتوقعة وغير المُفسرة ؛ قد توالت على إمتداد توالي “فترة من الزمن” فجأة ولدت في عمر الزمن ؛ فلم يستطع أحد إدراك تفاصيل نهاية ما قبلها ولا إدراك متى بدأت هذه الفترة الزمنية الغامضة ؟! .. لم يستطع أحداً أن يفسر شيئاً مما حدث في أي واقعة حدثت وكل من تداولوا حديثاً ، ربما كان يقترب من الحقيقة وربما كان يقترب من الكذب ؛ أو كان حديثاً من أساسه مختلقاً ومحض كذب ؛ ولكن العقاب الذي وقع بقائله ؛ كان قد أكد بوقوع العقاب أنه كان حديثاً صادقاً ؛ كان الواقع أيضاً أن كل من تحدثوا سمراً أو لغواً أو غضباً ؛ قد طالتهم الميتات الغريبة الفُجائية التي دفنت المقتول وسره ؛ ولم تفصح عن القاتل أو من أمره أو من أستأجره !! .
كانت الإنفجارات تتوالى والحرائق تكثر والمياه تجف في أرض وتتفجر في أرض أخرى كانت من قبل جرداء وكان كل هذا وغيره يتم أمام الناس ولكنهم لم يكن يروه أثناء حدوثه ؛ فقد كانوا فقط يشاهدون الفعل الأخير بعدما أصبح واقعا ؛ فيتسائلون متى حدث هذا ؟! .
ظل هذا هو ما يحدث والناس في حيرة وظل هذا هو واقع حياتهم ؛ حتى أتى الوقت الذي اختفت فيه ” ثمرات البرتقال ” وأصبح ” البرتقال” ذكرى شيء كان موجوداً في الوجود ؛ وأصبح لون البرتقال هو اللون “الخرافي” الذي إختفي أصله وبقى فقط اسمه ” البرتقاني ” ليدل على أنه كان موجوداً ولكن دون أن يكون محدداً أين كان ولا في أي فترة ولا في أي مكان ولا في أي عهد ؛ فقد كان النسيان شبه تام وقد ضرب النسيان الجميع .
وبعد أن وقعت “حادثة القمر ” ؛ وتحول لونه إلى اللون البرتقالي ؛ فجأة تذكر الناس البرتقال وشجر البرتقال ، وأن أناس يزرعون البرتقال في أرض شاسعة سرية يضعون يدهم عليها ؛ وأنهم يُسورون الأرض بسور شفاف يرى من بداخله من بخارجه ، ويمنع من هم خارجه بأن يروا ما يحدث بداخله ؛ بل أن هذا السور العالي (الوهمي) الفعلي الشفاف ؛ كان يمنع رائحة البرتقال من أن تمتد خارج أرض زراعته السرية ، وكان كذلك يمنع أنوف من يقترب من السور لداعي ما ؛ من أن يشمون رائحة البرتقال الذكية التي كانت تفوح سابقاً في كل أرجاء الأرض المزروعة بالبرتقال .
كانت ليلة التحول واكتشاف سر إختفاء البرتقال حادثاً بالمصادفة ؛ صنعه ” القمر ” : ربما صدفة وربما عن عمد ؛ بعد أن رأى من عله
” أرض البرتقال” وكشف وجود السور الشفاف اللامرئي لأرض البرتقال ، وربما يكون القمر قد عرف السر ليلتها فقط وربما يكون قد عرف السر منذ بدأ السر ؛ ولكنه قد قرر في هذه الليلة أن يساهم في كشف السر لمن أرادوا كشف السر لأنفسهم ؛ فقد جمع القمر معرفته لما عرف وأطلقها لمن أراد المشاهدة ولعلها كانت لم تكن صدفة أن هذا الإعلان كان في اليوم الذي كان قد قيل عنه أنه سوف يكون ” يوم الخسوف الكبير للقمر ” .
كان القمر بلون عصير البرتقال المَعصور من شجر البرتقال الذي اختفى علانية وأصبح شيئاً سرياً ؛ يتدوال فقط في عالم ” خفي محجوب” ما فوق الناس العادية ، كان القمر بلونه البرتقالي النادر وكأنه قد وقع في كوب أسود ، وكان السحاب وقتها غلالة نوم زرقاء لأمرأة بيضاء جميلة مثيرة ولكنها قد فشلت دوما في أن تجلب أحداً إلى مخدعها ؛ غير كلبها الأثير ، وكانت الأرض وكأنها بدون إنسان واحد مستيقظ أو على قيد الحياة ؛ كأن الكل أمواتاً في سُبات أموات . كانت الأرض وكأنها قد فقدت كل شعراءها في ” وباء النسيان ” الذي أصاب ذاكرة الشعراء ؛ فأفقدهم حياتهم في تفشي جماعي ؛ شمل كل شعراء الأرض ومُفرطوا المشاعر وأصحاب ذاكرة النسيان على ظهرها الحي .
كان الظن أن ما حدث كله سرياً ولكن كانت المصادفة حاضرة ؛ لقد أفلت تسجيل ما حدث وأفلتت اللحظة إلا من مشاهدة “قط” واحد بعيون سوداء ؛ تصادف أن كان متيقظاً وقد روى بلغة عينيه لصديقه ” المدون الأطرش ” الذي ظل على قيد الحياة لأن الموت نسيه ؛ لأنه لم يحدث صوتاً منذ سنوات طوال .
روي “القط ذو العيون السوداء ” ما رآه بالأمس ؛ عندما كاد السحاب أن يخنق القمر “الذي كان بلون البرتقال في كوب أسود ” في نوبة جنون أصابت السحاب ؛ الذي كان بغير سابقة جنون فتذكر القط وجود البرتقال ووجود لون البرتقال .
وكانت رواية القط ذو العين الواحدة السوداء ؛ هي بداية كشف السر عن كل الأحداث الغامضة التي حدثت ؛ وعن عدم زوال البرتقال من الوجود وأن الأرض المخفية من الوجود والتي يفصلها عن الناس “أرض الجنود” هى بعينها أرض البرتقال التي مازال بها سحر رائحة البرتقال ؛ وأنها تنتظر أن يقطع الناس الفواصل التي تفصلهم عن أرض البرتقال وأن يجتاز الناس أرض الجنود والفواصل التي صنعها الجنود منذ سنوات طوال ؛ حتى نسيها أغلب الجنود ونسيها الناس أنفسهم ؛ ولم يعدوا يذكرون الأرض التي استقطعت لتصير أرض البرتقال ؛ ولتصير أرض رائحة البرتقال ولتصير من دون الأرض ولتصير من دون الناس ؛ الذين يوماً ما كانت لهم ويوم ما زرعوها ؛ ويوماً ما ؛ كانوا يجدون فيها البرتقال ورائحة البرتقال .