
قد تكون الأمور الجليلة التي وقعت في تاريخ البشرية معدودة على أظافر الأصابع ، ومنها الجريمة المستمرة في غزة ، في مدرسة الجرجاوي مثلا ، وفي زوايا غرفها الملتهبة ، حيث تكدست الأجساد كإطارات متفحّمة ، ذبحت البراءة و تُذبح ببطء وصدمة كل يوم . الجدران العاجزة عن تلقي الضربات لم تعد سوى شاهد على قبور طائرة ، تُسجل عليه بالعظام المحروقة أسماء ما عرف من الضحايا: الفضول، الإبداع، الشغف ، الأمان ، الجوع ، الانتظار ، الصبر ، التمنّي ، الإيثار ، الشتم ، والعودة إلى الله . والمعلم بكل مآسيه ، جلادنا ينفذ حكماً صادراً من نظامٍ واع على جريمته ، يظن أن التلقين في قتلنا يوقف زراعةٌ المستقبل في غزة ، ونحن ندرك أنه يحصدُ أحلاماً قبل أن تنتهي.
مدرسة الجرجاوي لم تعد ذلك الحضن الذي يُنبتُ صباحات جوعانة ، بل صارت مصنعاً للفحم البشري .
كيف يمكن لكائن عاقل يتفكر ويتأمل ، بأن يتحول إلى آلة قتل جماعي مثلا؟ .
الجواب في تفاهة البشر ، فالجلادون ليسوا أكثر من موظفين ينفذون اغتراب الإنسانية فيهم ، فهم لا ينفذون فعلا ماديا بقتل الإسمنت وحشوته من بشر ، هم يحاولون طمس وجود الآخر بدون تكريم لأخلاقية الذاكرة ، لأنها بالأصل درع ضد تكرار الجريمة ، الجريمة التي يكررونها هنا في غزة ، بينما ابتدأت فيهم هناك في قارة الديموقراطيات.
الكلمات ثقيلةٌ كالنعوش، تحمل جثثَ الصمت البالية، بينما الحياة خارج الغلاف القريب تتغير بسرعة الضوء
نحو المستقبل ، المستقبل الذي كان ينتظر مدرسة الجرجاوي لتكون نافذة إلى الكون ، فصارت منجما للجثث التي حاولت أن تطير.