حرب المطبخ .. بقلم كنزي يونس

حرب المطبخ
كان يا مكان في يوم ليس كباقي الأيام تقرر فيه أنك قد سئمت من الاستجمام، وأنك لن تضيع وقتك أكثر مما كان، وستفعل ما بالإمكان؛ ليُسمح لك بتحقيق حلمك بأن تبدع في المطبخ وتصبح شيف، وبعد إلحاح مرير وانتظار طويييل أخيرا يُسمح لك وبعد إصرارك بأن تفعل، وهذا طبعا بعد التحذير الشديد بأنك لن تقدر على مواجهة ما في المطبخ من أخطار وأهوال، فتقرر حزم أمتعتك ونقل إقامتك للمطبخ وتشييد معسكرك هناك ، وتدخل على “يوتيوب” وتختار طبقا لتعده.
وفي اللحظة التي تودع فيها أسرتك بالدموع وسط حالة من الترقب، على عتبة باب المطبخ تتخيل نفسك في حفل مهيب وأنت تُكرم على مستوى المجرة والمجرات المجاورة لأنك الشيف صاحب الطبخة الناجحة من المرة الأولى “تأمل بأن يحالفك حظ المبتدئين”، ومع أول خطوة لباب المطبخ تسمع صوت من بعيد “تركت لك الأطباق؛ لتغسلها يا بطل ” بضحكة خافتة.. ماذااا… نعم هذه جبال الأطباق المتسخة، وهضاب الأكواب الزجاجية المكدسة والمقدسة، وسهول الملاعق التي تشبه خناجر انغرست في قلبك فور رؤيتها… بعد مدة لا تعرف قدرها تستعيد وعيك فتجد نفسك مازلت على قيد الحياة، فتقرر عدم التذمر، وتبدأ رحلة “غسل الصحون” …
(سنعود بعد كثير) ……
(عدنا) ..
انتهيت؟ مبروووك بعدها تبدأ في تنفيذ خطوات طبقك الذي وقع عليه الاختيار. لنبدأ.. لحظة… أين الملح وأين السكر… كيف أفرق بين الكسبرة والبقدونس والكرفس، وما الكمون والكاري والزعفران والزنجبيل، أهذه الملوخية أم النعناع أم أوراق شجر !!.. “لقد اهتزت ثقتي بنفسي” قلتَها بداخلك ثم صرخت قائلا : لا يهم سوف أكمل التحدي ، أحتاج للفلفل الأسود ها هو… أم هذا شاي ؟.. سأعتمد على حاسة شمّي البوليسية “صوت عطسة” نعم إنه الفلفل، وبعد عددٍ من النجاحات الكبيرة المنسوبة لأنفك الجميل “تتنفس بصعوبة”.. لم أعد قادر على استنشاق الهواء حتى، والآن أحتاج للبابريكا أم هذا هو الفلفل الأحمر الحار.. سأتذوقه… لا ما هذا أين الماء حار حار حاااار…، سأضع الآن البابريكا وقليلا.. قليلا من الفلفل الحار، والآن الملح… ما هذا لا طعم له.. ماذا… لم أعد أقدر على التذوق؟!.. فقدت حاسة التذوق أيضا؟! كل هذا بسببك أيها الفلفل، أيمكنني أن أفرق بين الملح والسكر باللون؟… ما هذا الضباب ..دخان ؟!.. أين مصدره؟ يا إلهي نسيت القدر على النار.. الحمد لله لم تحترق طبختي بالكامل.. لم أعد قادر على الرؤية بوضوح، لكني لن أتوقف مهما يكن، وسأعتمد على حاستي الأخيرة.. اللمس… لنعود للملح والسكر.. أعتقد أن الملح سيكون خشن أكثر من السكر، بسم الله سأضعه “آاااه” ساخن ساااااخن (الحقونيييي) ..
وبعد أن حرقت يداك وفقدت حاسة اللمس أيضا تقرر أنك ستنهي الأمر وتقدم الطبق الذي حضرته لأسرتك ، فتقول لهم: “بكل فخر أنا فاقد لكل حواسي، لقد حاربت بمعنى الكلمة لأقدم لكم هذا.. من استخدام أغطية القدور التي تمسكت بها كالدروع تفاديا لقنابل الزيت الحارق، وملعقة التحريك كالسيف، وباقي الأطباق التي استخدمتها كخوذ …
فبعد تعرضك للعديد من الإصابات تتقهقر خائب الرجاء عازما على ألا تتعرض للمطبخ أو أي شيء يخصه مرة أخرى وهذا هو قرارك النهائي .. فتبدأ أسرتك الكريمة بتبادل النكات والضحكات على ما حصل لك وهم في طريقهم لتذوق طبختك… “حالة سكون وترقب” … إذا ما رأيكم ماهي النتيجة؟
وحال استعادتهم لوعيهم يجدونك قد هاجرت لصاحبك ؛ لتقض باقي عمرك غريباً مطاردا؛ لأنك المسؤول عن تلك الحالة التي وصلت لها مملكة والدتك “مطبخها”، فقد حلّ به ما حل ، وهذا جزاء كل من يعتدي أو حتى يقترب من المملكة الأكثر قدسية على الإطلاق (بالنسبة للأم) …









