رؤى ومقالات

فاتن عدلي تكتب ……مقارنات ثورية

مازالت الآمال تلاحقنى فى غدٍ أفضل، تلعب بى لترفعنى معها لسماء صحو مبهجة، وما تلبث أن يطيح بها الواقع حولى لينزل بى إلى هاوية استعذب الوقوع فيها، فأخلد للنوم أياماً غير راغبة فى الاستيقاظ رغم كم الكوابيس التى تداهمنى. وتعود مرة أخرى تضئ شعاعا خافتا من النور أتفائل معه، وتدفق فى أحلام يقظة أحيانا، ومقارنات تاريخية مصرية أحيانا أخرى قدر لها النجاح.

اقتحمت على مقارنة سلبت منى النوم رغم الدواء المنوم لتجرنى إلى الجلوس على مكتبى لأدق أصابع الكمبيوتر لأعقد مقارنة لأدرى لماذا اغتصبت أفكارى الآن.

تذكرت ثورة يوليو 1952 ووجدتنى أضعها فى مقابلة مع ثورة يناير2011، وأحاول أن أقابل الظروف التى أحاطت بالثورتين، وما الفرق بينهما رغم الظروف التاريخية التى واكبت الثورتين. وهل ممكن أن تحقق الأخيرة انجازات الثورة السابقة عليها.

فعندما قامت ثورة يوليو على أكتاف مجموعة من ظباط الجيش، لم يكن فى تصورهم هذا الزخم الشعبى الذى كان ينتظرهم، كانت انقلابا عسكريا من المنظور السياسى، ومالبث أن التف حوله الشعب ليصبح ثورة غيرت تاريخ مصر، وفى المقابل قامت ثورة يناير ولكنها كانت ثورة شعبية حقيقية مهدت لها إرهاصات على الساحة السياسية الطريق وحركات سياسية شبابية، ووسائط الكترونية ساعدت على حشد الملايين من الشعب.

بينما قامت ثورة يوليو كانت هناك دولة وأحزاب سياسية قوية لها مريديها، تتنافس فيما بينها لتناول الوزارة لها جذور تاريخية منذ 1879 – وإن كان أكثر للتكتل الجماعيرى منه للحزب- إلى أن تطورت مع 1907 وظهرت عدة أحزاب الحزب الوطنى الحر: والذى سُمى فيما بعد بحزب الأحرار

  الحزب الجمهورى المصرى،  حزب الأمة، و حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية،الحزب الوطنى: وهو الحزب الذى قاد الحركة الوطنية حتى ثورة 1919، وقد تزعمه مصطفى كامل.
ومع دستور 1923 ظهرت موجة جديدة لبلورة ونشأة عدد من الأحزاب السياسية منها ويمكن تصنيف الأحزاب السياسية التى ظهرت خلال هذه الفترة إلى خمس مجموعات رئيسية هى:
الأحزاب الليبرالية:  التى شملت مجموعة من الأحزاب كحزب الوفد الذى استمد تسميته من الوفد المصرى الذى تشكل عام 1918، حزب الأحرار الدستوريين (1922)، والحزب السعدى(1937)، وحزب الكتلة الوفدية والأحزاب الاشتراكية: ومنها حزب مصر الفتاة (1933)، والذى أصبح يسمى فيما بعد بالحزب الاشتراكى، وعدد من التنظيمات اليسارية مثل حزب العمال الاشتراكى الشيوعى، والحزب الشيوعى المصرى( 1922)، وحزب الفلاح المصرى، والحركة الديمقراطية(1947)، بالإضافة إلى حزب الشعب بمنأى عن دور الحركة النسوية آنذاك فظهر حزب بنت النيل السياسى، والحزب النسائى الوطنى، والحزب النسائى السياسى.

هذا بجانب ماأفرزته الجامعات الدينية والتى كان من أشهرها الإخوان المسلمون، وحزب الله، وحزب الإخاء، وحزب الإصلاح الإسلامى .

ومن الجدير بالذكر أن كثير من هذه الأحزاب كانت قريبة لرجل الشارع البسيط، فكان ملما بالأحزاب التى تتناوب الوزارات، ومن ثم كان لها صدى فى الشارع المصرى.

وفى المقابل كان هناك أيضا العديد من الأحزاب منها القديم الذى عاد بوهن أثناء التعددية الحزبية فى 1977، مثل حزب الوفد، حزب التجمع ، الحزب الناصرى، حزب الغد، حزب الكرامة، حزب العمل، بجانب الحزب المهيمن والمعروف لدى الشارع المصرى الحزب الوطنى الديموقراطى التابع للدولة، وغيرهم من الأحزاب التى قاربت الخمسة عشر حزبا حتى 2011 ، ولكن لم يخرج أى حزب – من وجهة نظر كاتبة هذه السطور- من حالة الوهن السياسى، وقد يرجع إلى القوانين المقيدة لعمل هذه الأحزاب، ومنها من احتفظ بنفس الوجوه الحزبية لما قبل الثورة، وعدم تداول السلطة بين الأعضاء واستحواذ القدامى فى رئاسة الحزب، والأكثر خطورة ظلت هذه الأحزاب حبيسة الخطاب السياسى الديماجوجى دون تطوير حقيقى بما يتناسب مع اللحظة التاريخية.

وفى بداية عام 2000 ظهرت حركات سياسية مثل حركة كفاية و6 إبريل، واستحواذ جماعة الأخوان المسلمين على النقابات المهنية.

واذا عدنا مرة أخرى لأحزاب ما قبل الثورة ورغم ما سبق سرده من قوة هذه الأحزاب السياسية وظهيرها، لم يكن لها دورا واضحا فى ثورة يوليو، ومع أزمة مارس 1954؛ والتى كادت تطيح بالثورة والفوضى التى نتجت عنها، وتخلى محمد نجيب عن الحكم، ليعود عبد الناصر إلى دوره الحقيقى كقائد العقل المدبر لتنظيم الضباط الأحرار.

ولم تكن أزمة مارس هى الأزمة التى واجهت الثورة، فكان رحيل الملك والحاشية، ووجود استعمار عسكرى يمتلك مقدرات الثروة والقوة، ومازال يترنح بعد حرب عالمية استمرت لأعوام خمس يجعله متمسكا بمستعمراته وخاصة الحيوية منها، وطبقة رأسمالية ولائها للخارج، واقطاع يملك الحصة الزراعية، وانخفاض مستويات التعليم، وأحزاب رأت أن الثورة قد أضرت بمصالحهم لتقف بعيدا أو مهاجمة للثورة مع ازدياد نبرة السخط بعد حل هذه الأحزاب. والتواجد الصهيونى الصريح بعد هزيمة 1948.

باختصار أن كل الظروف التى أحاطت بالثورة على الصعيد السياسيى والاقتصادي كانت كفيلة بأن تطيح بها، أضف إلى ذلك موقف الغرب العدائى من الثورة – باسثناء الولايات المتحدة فى بداية الأمر والتى أخذت دور المتابع- وما تلى ذلك من تأميم القناة والاعتداء الثلاثى فى 1956، ومحاولات التمويل لاعادة بناء الاقتصاد وقاعدة صناعية قٌبلت بالرفض سواء من البنك الدولى أو من الدول الغربية – المعسكر الغربى آنذاك- إلا أن كل هذا لم يُخفت من عزيمة القيادة السياسية ولا هزيمة الشعب معنويا بل زادته أصرارا وتحديا والتفافا حول قائدها، الذى كانت العدالة الاجتماعية والاستقلال هما الهم والشاغل الرئيسى له، عينه على الشعب، احس به، فوثقوا به، اتخذ إجراءات ثورية من تأميم وإعادة توزيع الأراضى، اهتم بتعليم الفقراء، اهتم بالتصنيع والعمال، ولم لا يثق فيه الشعب وهو واحد منهم بحق.

كما كان هناك نخبة ثقافية وفنية حقيقية عملت كتف بكتف مع أهداف الثورة وأُحسن توظيفها سواء على المستوى الوطتى أو القومى.

بالإضافة إلى حركات التحرر التى قادتها مصر وحركات عدم الانحياز لتحقيق التوازن السياسى فى المنطقة، هناك حركة قومية لعودة الحياة للمنطقة العربية من جهة والعالم الثالث المُستَعمر من جهة أخرى.

وعلى الرغم من الإنكسار الذى خلفتة هزيمة 1967، لم يفقد الشعب الثقة ازدادو التحاما وصمودا، وخاضوا أحلك السنوات حتى 1973.

وفى المقابل ثورة يناير 2011 التى لم تشهد كل المخاطر السابق، نظام حكم فاسد يلتف حوله مجموعة من الانتهازيين والفاسدين، ثورة وقف العالم معها، اعترف بها الجميع وباركها، ثورة التف حولها الشعب وتآزر بتلقائية ثورية آملا فى الفرار من الظلم وبحثا عن غد أفضل. ولكن للأسف ثورة لم يكن ورائها قائد يلتف حوله الشعب، ومع أول انتخابات رئاسية كان من الممكن أن تنقل مصر إلى مرحلة تاريخية جديدة، تشرزمت القوى السياسية بحثا عن كرسى الرئاسة، انقسمت القوى ( اليسارية) إلى عدد من المرشحين، فى مقابل تنظيم الأخوان المسلمين والذى يعمل منذ أكثر من ثمانين عاما، فتتوا جهودهم إلى فتات صعب معها تجميعها ومازالت غير قادرة على تجميعها وتوحيد صفوفها، نشأت أحزاب واحد تلو الآخر -توقفت عن التفكير فى عددها وأهدافها- لا يعلم عنها الشارع المصرى، كما لو كان هناك سباق خيل، وللأسف لا أحد يجيد ركوب الخيل، وحتى داخل هذه الأحزاب المتشزمة وحتى العريقة منها لم تسلم من الخلافات والاتهامات فيما بينها ليكون الرئيس هو المصلح بينهما، وياله من موقف نبيل يأسر أى حزب ويخرس أى كلمة معارضة فويل لأى يد تعض من لم شتاتهم، فكل العرفان له، وناهيك عن المسائلة أو المعارضة البنائة، ونخبة ثقافية لا تقل تشرذما عن الأحزاب، انقسامات لا أدرى فى الواقع أسبابها فى لحظات ثورية تجمع ولا تفرق، وتخوين وعمالة كل للآخر.

نضف إلى هذا وما هو أخطر ذلك الظهير الشعبى القادر على نصرة أى زعيم، افتقدت القيادة الجسارة التى توقف أو تحد فيضان الفساد وشراسة رجال الأعمال، حقا أن فترة الاشتراكية لم تعد هى الأمثل كما فى خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، ولكن هناك بدائل أخرى كثيرة للتصدى لهروب الأموال وعودتها إلى خزينة الدولة، هناك محاكمات ثورية لا تفرق بين فصيل عن آخر، هناك محاولات لاستعادة الإقتصاد المصرى للوقوف من جديد على قدمية، هناك خطط تنموية قائمة على التصنيع كما حدث فى فترة الستينيات. هناك قوانين اقتصادية تعمل للفقراء وهم الغالبية العظمى من الشعب. لتستعيد القيادة مصداقيتها بظهير شعبى يتحدى العالم يجيناته الأصيلة التى لا تقبل الشك، والتى يعلمها العلم،  وقتها يمكن القول أن ثورة يناير بالفعل وقفت على أول سلم النجاح.  

خلاصة الأمر أن ثورة يناير مقارنة بثورة يوليو فإن مقدرات النجاح لها كانت أكثر بكثير من ثورة يولية، ولها من معطيات الاستمرار والقفز على مستقبل يغير مجرى التاريخ ما لم يكن متوفرا لثورة يوليو، ومع كل ذلك فإن ثورة يوليو حققت ما لم تستطع ثورة يناير تحقيقه، ربما تساعدنا المقارنة المبسطة السريعة لتعمق فى دراسة أوسع ربما تكون هناك دروس مستفادة مع مراعاة الظرف التاريخى لكل منهما.

والحقيقة أن كل الأطراف الفاعلة فى ثورة يناير سواء النظام الحاكم – مع افتراض حسن النوايا- أو النخبة – مع رفض التخوين- ينقصه الكثير والذى تراه الكاتبة هى التجرد فى حب مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى