رؤى ومقالات

أحمد العسكري يكتب …..”الطريق الى السلام المنفرد ! ” ( ٢ )

● ان مقالى اليوم ما هو الا خطوه على ذلك الطريق الطويل الذى سار عليه الرئيس ” السادات ” نحو السلام المنفرد مع اسرائيل !! …تلك الخطوه ستنقلنى من موضع الى موضع و من موقع الى آخر . ففى المقال الاول من تلك المجموعه كنت قد توقفت عند اللحظه التى ادرك فيها ” السادات ” انه لا بد من المعركه و لا شيء غيرها ! و اليوم سأتكلم عن تلك المعركه التى حقق فيها السلاح دوره ! ثم فشلت السياسه فى استغلال ما وقع بالسلاح عندما انتقل الموقف من فوق ميادين القتال المفتوحه الى داخل غرف التفاوض المغلقه !! .
● ان كلامى عن حرب ” اكتوبر ” اظن انه لن يرضى كثيرين _ و الحق معهم _ فلقد تعودوا و اعتادوا على ان ” اكتوبر ” مسألة نزلت عليها ظلال القداسه منذ اليوم الاول فلا يحق لأحد مهما كانت قيمته ان يقترب منها و لا يحق لشخص مهما بلغت قامته ان يتوقف عندها !! …و لكنى ارى انه اصبح من الضروره ان نفتح ملفات ما جرى من جديد بكل شجاعه و ان نقرأها بكل جساره ! و ان نفتخر ببطولاتنا التى حققناها و نتبرأ من خطايانا التى ارتكبناها ! لعلنا بهذا نهضم تجاربنا التى حدثت بعواصف اللهب و بأنهار الدم قبل ان تداهمنا تجارب اخرى لها دوافعها و نتائجها !! .
● لقد كان التصور السائد بالقاهره منذ نكسة ١٩٦٧ انه من الضرورى ان تكون معنا ” جبهة شرقيه ” فى حرب التحرير القادمه تلك الجبهه تضغط على اسرائيل من الشمال بنفس ذات اللحظه التى نتحرك نحن بالجنوب !! و كانت العيون معلقه على سوريا لانها الوحيده القادره على فعل ذلك و تحويل التصور من افكار على الورق الى نيران تزحف فوق الارض ! . و لكن الموقف السورى فى الفتره الممتده من حزيران القانى بلون الدم من عام ١٩٦٧ الى ايلول الاسود كلون الفحم من عام ١٩٧٠ كان غير واضح لان الصراع الذى كان واقعا بين اجنحة ” حزب البعث ” كان يسيطر على الاعصاب و يأسر العقول !! حتى استطاع ” حافظ لاسد ” ان يحسم الموقف و يبتلع ” صلاح جديد “و رجاله و تلك حكاية اخرى قد ارويها لكم ذات يوم !!
● تزامن صعود ” السادات ” الى القمه بالقاهره مع وصول “الاسد” للذروه فى دمشق و بدأت خطوط الاتصال تدب بها الروح بين الرجلين و الجيشين حتى تم الاتفاق الكامل على ان الحرب ستكون بيوم السادس من اكتوبر ١٩٧٣ و لكن لم يكن احد يتوقع ان مصر ستخدع سوريا و ان قصة ” قابيل ” و ” هابيل ” ستطل من جديد علينا حيث الاخ التى قتل اخاه بخنجر الغدر بلا اسباب و بدون مبررات ! .
● كانت الخطه التى قدمتها مصر الى سوريا هى ” بدر ” و التى تتكون من جزئين …الاول : هو عبور القوات المسلحه المصريه الى شرق القناه بخمس فرق كامله ! و الثانى : تطوير الهجوم فورا نحو المضائق الحاكمه فى سيناء ! …تلك هى الخطه التى تم الاتفاق عليها ! و لكن الخطه التى امر ” السادات ” رجاله بتنفيذها كانت امرا آخر تماما فمن حيث الاسم كانت 《المآذن العاليه 》و من حيث الهدف كانت لا تهدف الا العبور فقط دون التقدم خطوه بعد ذلك ! مما يعنى ببساطه الدخول مع سوريا قفص ” الغيلان ” ثم الخروج و تركها وحدها تواجه مصيرها ! . و تلك كانت مأساه لا تقل درامتها عن المآسى الاغريقيه التى قرأنا عنها و سمعنا بها !! .
● حينما بدأت العمليات بظهر السادس من اكتوبر كان المشهد بديعا و كان الموقف رائعا ! …فالقوات المصريه نجحت فى تحطيم اسطورة “بارليف ” كما ان الجحافل السوريه انطلقت صاعده من سفوح الجولان الهادئه الى قممها الغاضبه ! و فى يدها نار السلاح و بقلبها نور الايمان ! …. و بعد ان استقرت الاوضاع و تأكدت دمشق ان الجيش المصرى قد اكمل العبور اصبحت مع كل لحظة تمر تنتظر الخطوه التاليه الحاسمه و هى التطوير الى المضائق ! و لكن الاسد لم يكن يعرف ان السادات امر قواته بالتوقف فى وقت كان العالم كله ينتظر من مصر التحرك !! ؛كما ان ” الاسد ” لم يكن يتخيل انه بتلك اللحظات المصيريه من تاريخ الامه ارسل ” السادات ” للدكتور /كيسنجر نصا 《ان مصر لا تنوى تعميق الهجوم و لا توسيع مدى المواجهه 》 ليحول كيسنجر وفقا لشهادته تلك الرساله الكارثيه الى جنرالات ” تل ابيب ” الذين بناء عليها وضعوا العمليه ” برج الحمام ” حيز النفاذ و هى تهدف الى 《 وضع دفاعى على جبهة سيناء التى وصلت منها التطمينات ..و هجوم ساحق على جبهة الجولان التى اطلت منها التهديدات !! 》ليترتب على ذلك انه بعد اسبوع بالضبط اصبحت “دمشق ” مهدده بالاحتلال ! مما دفع السادات لتطوير الهجوم بعد فوات الاوان كما قال بالنص المشير “الجمسى ” فى مذكراته !! ليفشل التطوير تماما و تخسر مصر فى ساعات ٣٠٠ دبابه ! فيأمر السادات بعبور الفرقتين الاحتياطيتين ( ٢١ _٤ ) من الغرب الى الشرق ! لعله ينقذ ما يمكن انقاذه ! و لكن اسرائيل كانت بالانتظار و فى اقل من ساعه كانت قوات ” شارون ” تعبر من الشرق الى الغرب و تطوق “السويس “! لتحقق اسرائيل فى ١٩٧٣ ما لم تحققه فى ١٩٦٧ اى موطء قدم غرب القناه سيكون له تاثيرا جوهريا بعد ذلك على مسار المفاوضات و مصيرها !! و للحديث بقيه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى