في يونيو من عام 1967م .. لم تنهزم مصر عسكرياً بقدر هزيمتها الاخلاقية .. عندما سادت روح الانهزامية والانانية والاتكالية واللامبالاه إنهزمنا .. لم نحارب ولكننا حوربنا .. سلطوا علينا أنفسنا فهزمونا واحتلوا أراضينا .. هكذا بكل بساطة .. كانت كبوة لمصر .. ولكن مصر لم تمت .. نهضت مصر بجيشها وشعبها ، وقامت واستعادت كرامتها وارضها التي سلبت .. عندما عادت روح مصر الأصيلة في اكتوبر 1973م .. عندما استعنا بالله وغيرنا مابأنفسنا انتصرنا واستعدنا ارضنا وكرامتنا المهدورة .. واثبتنا لأنفسنا وللعالم كله أن مصر اذا كبت هبت وانتفضت كالمارد .. وتعلمنا وعلمنا العالم درساً تاريخياً ان الشعوب لاتموت الا اذا ماتت اخلاقها وقيمها وان في الايمان حياة وفي العزيمة الصادقة قوة ..
الذي اريد أن أقوله أنه لابد أن نعيد الى قلوبنا وسلوكياتنا روح اكتوبر 1973م وذلك اذا أردنا أن ننهض من كبوتنا الاجتماعية والاقتصادية والمعنوية التي اجتاحت مصر في الخمس سنوات العجاف المنصرمة .. بكل أسف نحن عدنا الى روح يونيو 1967م ، واذا لم نلحق انفسنا ونقف وقفة جادة حكومة وشعباً فسوف لن نجني الا نكسة جديدة أشد من نكسة 1967م .. لن تكون نكسة عسكرية ولكن نكسة اجتماعية واقتصادية واخلاقية ومجتمعية ، وسوف نتحول الى دولة همجية يحكمها قانون العشوائية. ورحم الله أبي القاسم الشابي حين قال : ” اذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلابد أن يستجيب القدر “
نحن بحاجة الى ثورة اخلاقية على أنفسنا وليس على حكوماتنا أو رؤسائنا أو وزرائنا .. فاذا انصلح حال الشعوب وعرفت مالها وماعليها ستنصلح حتماً أحوال بلدنا وسنصبح في مصاف الأمم كما كنا قبل خمسينات القرن الماضي .. نحن بحاجة أن نقول بقلوبنا قبل أفواهنا نقول “الله أكبر” نقولها مدوية وبصدق .. تلك الكلمة التي زلزلت كيان عدونا .. بهذه الكلمة انتصرنا عندما آمنا بها وقلناها بصدق وقوة ويقين وتوكل على الله وليس بتواكل أو تخاذل.
نحتاج الى تقليص بل واذابة الفوارق الطبقية حتى تهدأ النفوس ويزول الحقد الذي ملأ القلوب .. نحتاج الى الصدق من الحاكم والمحكومين على حد سواء .. نحتاج الى اهتمام أكثر بالشباب الذى اوشك او أصبح بالفعل على شفا حفرة من النار .. نحتاج الى عودة القيم الدينية الوسطية الأصيلة في البيت والمدرسة والشارع .. نحتاج الى وقفة جمعية جادة وشاملة لاستئصال جذور الفساد التي تغولت وتفحشت في مجتمعنا .. نحتاج الى نظرة للفقراء والمعدمين في مجتمعنا لأنهم ببساطة قنبلة موقوته اذا انفجرت فستدمر كل شيء ..
لابد من عدة خطوات عاجلة لعودة الروح فينا كشعب يترنح ، نحتاج الى الغذاء الروحي قبل الغذاء الجسماني نحتاج في مصر الى عودة الحب لقلوبنا ، نحتاج الى الثقة في أنفسنا ، نحتاج الى العودة الحقيقية لخالقنا والثقة في وعده ، وأن نعتصم بحبل الله جميعاً ولانتفرق أبداً .. نحتاج الى المزيد من الانتماء والحب لبلدنا ولا نتخلى عنها ابداً .. نحتاج الى عودة روح أكتوبر 1973م من جديد .. مصر غالية وتستحق منا كل تضحية وكل حب وعطاء .. نعم نحن نستطيع .
