كتاب وشعراء

المجتمع والكتابة : بقلم حسان أحمد بدور

المجتمع والكتابة …

إنّها لشجاعة عظيمة أن تكتب لمجتمع يأبى القراءة، أن تُغني لجماعة من الصم، وتصف الأفق للنيام، إنّها لشجاعة عظيمة أن تمشي وحدك في الطريق الطويل المعتم الوعر وتتغافل عن ذلك الطريق المعبّد القصير المُنار، إنّها لشجاعة عظيمة أن تكتب لمجموعة من الأميين وتُغني لمجتمع يُكفّر المغنين ويصلب الشعراء…
كنتُ جالساً في بيت أحد الأصدقاء عندما دخل رجل أربعيني زائر مثلي وقال بعد السلام: ” أنت هوي المعذب يلي عم يحكو عنو لكن ؟؟” فأجبته : “معذب ! عفواً !” فضحك وقال لي : “سمعت أنك مستشعر ع الفيس بوك !” وطبعاً كان ردي الوحيد بابتسامة صفراء…
وفي أحد المرات كنت أمشي مع أحد الأصدقاء الجامعيين وأحدّثه عن أحلامي والقصة التي سأكتبها والكتاب والسينما والمسرح والخ… ليجيبني ببساطة هائلة بعد حديثي المطول : ” الجو اليوم ظريف بس عم يقولو أنو بكرا رح تشتي، معقول تشتي بهالوقت من السنة؟” وابتسامة صفراء مجدداً…
عندما كنت في غاية السعادة بعد قبول روايتي الأولى يومها ركضت إلى البيت وذهبت لأخبر أحدهم عن الدار التي ستطبع لي الكتاب على نفقتها، عن الدار التي آمنت بي وبأفكاري فكان الرد ببساطة قاتلة : ” عم يضحكوا عليك، أكيد نصابين !” وابتسامة صفراء كالعادة…
الآن وبينما أتذكر كل هذه الذكريات الحزينة أسترجع ذكرى مؤلمة أيضاً يوم طلبتُ من أحد المقربين أن يوصلني بسيارته لمكان معين لأقابل مخرجاً مشهوراً لطالما حلمت بالعمل معه أو حتى مجالسته فقط، وبعد أن شرحتُ له كلّ ذلك قال ببساطة خرافية : ” روح اشتغل مع ابن خالتك بمعمل البلاط عم ياخد راتب ممتاز وشو بدك بهالعلاك؟! ” ودائماً ابتسامة صفراء…
آخر ما أرغب بتذكره الآن يوم طُبعت الرواية وقرأ أحد أصدقائي جملة منها منشورة على الفيس بوك ثم نظر إليّ ببلادة وقال بهدوء مزعج جداً : ” بس واضح من أسلوبك أنّك واحد مبتدئ !” وكالعادة ابتسامتي الصفراء تسبقني، وطبعاً ليست المشكلة بكوني مبتدئ _فأنا حقاً مبتدئ جداً_ بل المشكلة بأن يُقيّمك شاب لم يقرأ رواية أو قصة قصيرة في يوم ما، المشكلة أن يُحاول صديقك المقرب إحباطك بشتى الطرق، المشكلة أنّ الجميع فاقد للأمل، الجميع رافض للحلم، الجميع يعجز عن مغادرة خط سير القطيع، الجميع يكره المغامرة والتجديد والمستقبل !!!
الآن يسألني معارفي وأصدقائي ومجتمعي عن الجدوى المادية للكتابة، وعن ما حصّلته مادياً من كتابي الأول، يسألني الجميع ماذا سأستفيد من الكتابة ومن القراءة الدائمة المنهكة بينما أردّ دائماً بالابتسامة الصفراء الغبية، وأتذكر جبران خليل جبران حين يقول : ” يا صاحبي عندما تبزغ شمس نهارك تدنو ظلمة ليلي، يا صاحبي عندما تصعد إلى سمائك أهبط إلى جحيمي…”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى