رؤى ومقالات

نسيم قبها يكتب :إيران والدور الوظيفي قراءة في التوترات اللوجستية

بعد تعرض الناقلة ميرسر ستريت -التي تشغلها شركة “زودياك ماريتايم” (zodiac maritime) المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في نهاية يوليو/تموز 2021- لهجوم قبالة سواحل عُمان ، بات ما يعرف بحرب السفن بين إيران و”إسرائيل”، فاعلا ، مما أدى لمقتل اثنين من طاقمها (روماني وبريطاني). وذكرت الهيئة البريطانية أن السفينة أبحرت إلى مكان آمن بمواكبة بحرية أميركية.
من جهتها نفت إيران مسؤوليتها عن الوقوف خلف الهجوم واعتبرته مفتعلًا و”مؤامرة ضد إيران”، بعد أن تبنت صحفها الرسمية الهجوم واحتفت به تزامنًا مع بدء الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي مهامه الرسمية.
بينما هددت “إسرائيل” بـ “رد ملائم” ونقل القضية إلى الأمم المتحدة، كما وجهت مصادر استخبارية أوروبية وأميركية أصابع الاتهام إلى طهران كمشتبه رئيسي بالهجوم. وقد صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت أن إسرائيل بصدد حشد العالم لمحاسبة إيران، ورافق هذه التصريحات تسريبات إسرائيلية عن استعدادات مشتركة إسرائيلية – بريطانية لشن هجوم مضاد على هدف إيراني انتقامًا للضحية البريطاني. ثم التحقت رومانيا وأميركا للتنسيق من أجل تأديب إيران، وجعلها تدفع ثمنًا لما قامت به. والحقيقة أنه برغم حدة البيانات والتهديدات إلا أن الإجراءات التي اتخذت، ومطالبة روسيا بتشكيل لجنة لمراقبة الملاحة في الخليج يشي بأن الحدث قد تم تصميمه قبيل البدء بالمفاوضات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي، وفي لجة النزاع بين نتنياهو ونفتالي بينيت حول التعاطي مع إيران؛ من أجل الضغط على الجناح المحافظ في إيران لتقبل مخرجات المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة و”المجتمع الدولي”، ومن أجل إعطاء بينيت فرصة المزايدة على خصومه، وكسر احتكار نتنياهو للصوت العالي بشأن التهديدات الإيرانية، بالإضافة إلى احتواء الأصوات الأميركية الداخلية المحافظة والمنادية بالتعامل الصارم مع إيران.
وبرغم أن توقيت الهجوم على السفينة جاء متزامنًا مع مؤتمر الأمم المتحدة لأمن البحار، الذي استغلته الولايات المتحدة ضد الصين، وما يجري في بحر الصين الجنوبي وتستغله لأمن الخليج والملاحة، إلا أن هناك عناصرَ موضوعية تتطلب التحريك السياسي وتسخين الجبهة مع إيران وأذرعها وبخاصة حزب الله، الذي ما يزال يعرقل تشكيل الحكومة اللبنانية حتى يضمن مقعدًا مؤثرًا في الحكومة، وكذلك تخويف الحوثيين، وتهديد فصائل الحشد الشعبي العراقية المرتبطة بإيران من عواقب إفشال الانتخابات المقبلة التي يعتزم الكاظمي إجراءها في ضوء تفاهماته الأخيرة مع بايدن، وانسحاب القوات الأميركية، ومنح الكاظمي إنجازًا يمكنه من ضبط مسار العراق السياسي في إطار تصحيح مواقف التيار الإيراني المحافظ، الذي يرى في تقزيم خدمات إيران وتقليم أظافرها وتحجيم مكتسباتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وإعادتها إلى مربعها الوظيفي في المنطقة، مظلمةً يحاول رفعها من خلال المشاغبة عبر أذرعه المذهبية، ومن خلال مواصلة سياساته التنافسية مع خصوم إيران التقليديين في المنطقة وهم (السعودية وتركيا وإسرائيل)، ومن خلال محاولة الحصول على وظيفة الدولة التابعة بمرتبة الشريك الاستراتيجي والراعي الأكبر للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط. وهو الأمر الذي عبر عنه وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في رسالة بعثها إلى السفير الأميركي زلماي خليل زاد عبر الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، وقال فيها: “ماذا يريد الأميركيون منا؟ نحن أيَّدْنَا تحرير العراق من صدَّام، وأيَّدْنَا مجلس الحكم وانتخاب رئيس الجمهورية، وأيَّدْنَا هذا الوضع الجديد الذي أقامه الأميركيون في العراق. لا يوجد شيء عمله الأميركيون لم نؤيده، فقل لصديقك ماذا يريدون منا أكثر؟” فنقل الطالباني كلام الوزير الإيراني لخليل زاد الذي رد على الطالباني بقوله: “نريد الاستقرار والأمن في العراق”، والمقصود هو الأمن والاستقرار في إطار الحل الإقليمي، ودمج “إسرائيل” في المنطقة، وهو ما يتفق عليه صناع القرار في أميركا والعالم.
وفي هذا الصدد لا بد من لفت النظر إلى أن مشروع الولايات المتحدة للشرق الأوسط والعالم الإسلامي يتصادم مع مصالح أهل المنطقة وثقافتهم ،ويقوض في بعض جوانبه الأسس التي تقوم عليها الأنظمة الوظيفية، سيما تلك التي تستمد شرعيتها وقواعدها الشعبية من موارد قومية مثل تركيا، ومن موارد دينية مثل السعودية، وموارد قومية ومذهبية مثل إيران. ولذلك خرجت تركيا من التبعية، وتجاوزت إيران حدود وظيفتها في بعض القضايا. وخروج تركيا من التبعية وتجاوز إيران لوظيفتها حتمه الحفاظ على مكتسبات القادة والأحزاب والنخب السياسية ومستقبلهم السياسي، لا سيما مع وجود تنافس محلي وإقليمي محموم على امتلاك أوراق تعزز قيمة الأنظمة في سوق تأمين المصالح الدولية في المنطقة.
ولا بد من الإشارة أيضًا إلى أن الولايات المتحدة لا تقيم وزنًا للدول التابعة كإيران والسعودية والإمارات والحكومة الأفغانية، التي أجبرتها الولايات المتحدة على الخسارة لصالح طالبان مؤخرًا لضرورة الاستثمار مجددًا في (الإسلام) وتهديد استقرار الأقاليم المتاخمة في الصين والجيوب الجنوبية لروسيا. كما أن الولايات المتحدة لا تقيم وزنًا للحلفاء بمن فيهم قادة “إسرائيل” حينما ترسم سياساتها الدولية، ولذلك غضت الطرف عن صليات حماس الصاروخية لـ”إسرائيل” وتواطأت على إفشال نتنياهو وإسقاطه من الحكومة.
وبناء على ذلك فإن توجيه ضربة عسكرية لإيران في إطار تحجيمها وتخفيض مستوى تهديدها لإسرائيل لتشجيع حكومة بينيت على التزام خط السياسة الأميركية، وإن لم يكن راجحًا، لكنه غير مستبعد ولا عزاء لهم ، تمامًا كما فعلت مع مبارك والقذافي وزين العابدين وعلي عبدالله صالح. لكن لجوء الولايات المتحدة إلى الخيار العسكري ضد إيران من عدمه، يعتمد بدرجة كبيرة على مقدار تآكل المزاج السياسي المتطرف، والعقلية اليمينية في “إسرائيل”، وإذعان الرأي العام الإسرائيلي للعملية السلمية، والاندماج الإقليمي من بوابة التفاوض مع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، التي ستحتوي فصائل “المقاومة الفلسطينية”. كما يعتمد على تجاوب التيار الإيراني المحافظ مع مطالب الولايات المتحدة بخصوص أذرع إيران وشغبهم في لبنان والعراق واليمن.
أما على الجانب الإسرائيلي فتبدو حكومة بينيت متجاوبة حتى اللحظة مع الاختبار الأميركي، حيث صرح الناطق باسم الجيش الإسرائيلي يوم 6 آب/أغسطس قائلًا: “لا مصلحة لنا في التصعيد والذهاب للحرب”. سيما وأن الولايات المتحدة أرادت من اقتيادها للسفينة المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي وحراستها التأكيد على حاجة “إسرائيل” للحماية الأميركية وضرورة الإذعان لسياستها.
وأما على الصعيد الإيراني وباقي دول المنطقة فيسيرون مع الإملاءات الأميركية والتكيف مع الوضع الجديد بعد مجيء بايدن للحكم، والذي يسير على قاعدة “السياسة المستدامة” عوضًا عن سياسة الصفقات والاعتماد على العملاء، يسيرون بحذر شديد من أجل ضمانهم للسلطة قبل تقديم الخدمات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى