ثقافة وفنون

“مثنوي ” .. مولانا جلال الدين الرومي

العشق هو الحنين إلى الأصل، وهو الذي يخلّص الإنسان من العيوب. ويرتبط العشق بإدراك الجمال، والحياة بكل مظاهرها تعبّر عن تجليات العشق، وثمرة العشق تتجلّى في مواهب تفتح المواهب في نفس العاشق. والتجاذب بين العاشق والمعشوق يخلق حركة نحو الكمال.

إنّ موضوع العشق عند مولانا جلال الدين الرومي يتّصل برؤيته العميقة لمنزلة الإنسان وموقعه في مراتب الوجود، فإذا كان ابن عربي يرى أنّ الإنسان هو مختصر العالم الكبير، فإنّ مولانا يرى فيه <العالم الأكبر>.
ومن هنا فقد اتّخذت وجهة العشق لديه منحىً متميّزًا ينسجم وأذواق هذه الحقيقة الوجوديّة الهائلة.
لقد شغلت علاقة المخلوق بخالقه الوجدان الجماعي للبشريّة بصورة عامّة، لكنّها أخذت بعدًا أعمق لدى الوجدان الصوفي الذي حاول إدراك أذواق هذه العلاقة بظاهرها وباطنها، بكلّيّاتها وتفصيلاتها، ببساطتها وتعقيدها، فبرز ذلك كلّه في الآثار الصوفيّة الشعريّة والنثريّة لكونها مرايا الأرواح الذائقة للمعاني.
وروح مولانا هي واحدة من هذه الأرواح التي أوت إلى جناب الحضرة الإلهيّة فذاقت معاني الوصال في حضرة القرب، وعبّرت عن ذلك بفنون القول نثرها وشعرها، بعد أن قال صاحبها وقد أدرك فاعليّة العشق: <أمر العشق كلامي فظهر، ما جدوى المرآة إن لم تعكس الصور.
إنّ هذا التصريح لدى مولانا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ أزمّة الصياغة الفنّية عنده هي في قبضة المعاني العلويّة المتنزّلة على أرض كيانه الروحي، كما يدلّ على أنّ صناعة الكتابة لديه لم تخضع لمحض التنظيم العقلاني، بل جاءت في إطار هندسة روحانيّة تستمدّ هيئتها من المبدع الأوّل خلاّق الصور بعمومها، وخلاّق الصور في مرآة وجدان مولانا بخصوصيّته البيانيّة ولغته المتميّزة التي ارتقى بها وارتقت به إلى صفة العالميّة.
وعلى الرغم من هذه القدرة التعبيريّة المتجلّية في إبداعات مولانا الكتابيّة، أحسّ بضيق العبارة وعدم تمكّنها من إدراك غاية الإشارة، لأنّ الكثافة تعجز عن مجاراة اللطافة وما تتضمّنه من طوالع ولوامع وبوارق ذات وهج نوري رفيع يدقّ معناه وتخفى رموزه.
ونتيجة لإحساس مولانا بضيق العبارة عن إدراك مرامي الإشارة، فقد لجأ إلى لغة أرقى، يمكن أن تستوعب هذه المعاني والرموز والأسرار بما تملكه من طاقة تعبيريّة تجريديّة سامية ألا وهي لغة الموسيقا، فالأسرار -كما يقول مولانا- كلّها مخفيّة في وتري الجهير والخفيض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى