محمد الخطيب يكتب :ماذا عن أسطورة غير المقاومة؟

لطالما كانت الأسطورة ركيزة أساسية لتشكيل الهوية الجمعية للشعوب، خصوصًا في لحظات الصراع والمواجهة. ولكن حين تتحول الأسطورة من وسيلة للتحرر إلى أداة لتكريس الهيمنة الأيديولوجية، فإنها تفقد معناها النبيل وتصبح عبئًا على المجتمعات التي تزعم تمثيلها. هذا ما حدث بشكل لافت في سياق الإسلام السياسي، الذي أعاد تعريف المقاومة ضمن أطر أيديولوجية تخدم مصالحه السياسية، حتى ولو جاء ذلك على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ذاته.
الإسلام السياسي وأسطرة المقاومة
ظهر الإسلام السياسي كحركة أيديولوجية تجمع بين الدين والسياسة، مستغلًا مشاعر الظلم والاضطهاد لتحقيق مشروعه السياسي. أحد أعمدة هذا المشروع كان تبني مفهوم “المقاومة” كقيمة مركزية، ليس كوسيلة للتحرر بقدر ما هي ذريعة لتبرير وجود هذه الحركات وهيمنتها.
المقاومة، كما أعاد صياغتها الإسلام السياسي، لم تعد فعلًا يهدف لتحرير الأرض أو تحسين حياة الشعب الفلسطيني، بل تحولت إلى أسطورة تُستخدم لترسيخ سردية أيديولوجية مقدسة. هذه السردية جعلت المقاومة غاية مطلقة، تبرر كل الأفعال وتدفع الجماهير لتقديم التضحيات دون مساءلة أو مراجعة. السؤال هنا: هل كونك ضحية يبرر كل أفعالك؟ وهل يتحول “المحتل” إلى مبرر دائم للتخلي عن النقد الذاتي أو المحاسبة؟
القضية الفلسطينية: من مشروع تحرري إلى شعار أيديولوجي
في سياق هذه الأسطرة، تحولت القضية الفلسطينية إلى شعار يعلو فوق الشعب الفلسطيني ذاته. أصبحت القضية فكرة رمزية تُستغل في خدمة مشاريع سياسية وأيديولوجية لا علاقة لها بمصالح الشعب الفلسطيني. الحركات السياسية والميلشيات التي ترفع لواء المقاومة، مثل حماس وغيرها، غالبًا ما تجعل من “القضية” هدفًا منفصلًا عن الواقع الإنساني.
تحت هذا الشعار، يُختزل الشعب الفلسطيني إلى أداة رمزية تُستغل في الخطابات السياسية، بينما تتدهور أحواله المعيشية بفعل سياسات هذه الحركات. بدلًا من أن تكون القضية الفلسطينية وسيلة لتحرير الشعب الفلسطيني وتحسين حياته، أصبحت أداة لخدمة مشاريع إقليمية ودولية، تُستخدم فيها المعاناة كوقود لإثارة العواطف واستمرار الهيمنة الأيديولوجية.
الاستغلال العاطفي والسردية الأحادية
إن أحد أخطر أدوات الإسلام السياسي في أسطرة المقاومة هو الاستغلال العاطفي للجماهير. يتم تصوير الفلسطيني دائمًا كضحية، والمحتل كجاني مطلق، دون مساحة لتحليل أعمق للصراع أو التفكير في الخيارات البديلة. هذا الخطاب يستند إلى ثنائية مبسطة تُلغي التعقيد السياسي والاجتماعي للصراع، مما يجعل الجماهير مستعدة لتبرير أي فعل تحت شعار “المقاومة”.
لكن هل كونك ضحية يبرر كل شيء؟ هل يعني ذلك أن كل فعل تقوم به المقاومة مبرر وصحيح؟ هذا التساؤل يقودنا إلى نقد جوهري لفكرة أن المظلومية تمنح حصانة أخلاقية مطلقة. المظلومية قد تكون نقطة انطلاق لفهم السياق، لكنها لا تعفي من المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن الأفعال التي تُرتكب باسمها.
من يخدم من؟ القضية أم الشعب؟
السؤال المحوري الذي يتعين طرحه هو: هل القضية الفلسطينية تخدم الشعب الفلسطيني، أم أن الشعب الفلسطيني بات يُضحى به لخدمة القضية كفكرة رمزية؟
إن اختزال الفلسطينيين إلى “ضحايا” دائمين وإبقائهم في حالة معاناة مستمرة يخدم الخطاب الأيديولوجي الذي تتبناه الميلشيات. فالمعاناة تُستخدم كذريعة لتبرير الفشل السياسي والاقتصادي، ولتعزيز صورة المقاومة كفعل دائم غير قابل للنقد أو المساءلة.
الحقيقة هي أن الشعب الفلسطيني، في ظل هذه السياسات، أصبح محاصرًا بين الاحتلال من جهة، والميلشيات التي تدعي تمثيله من جهة أخرى. فبدلًا من أن تكون المقاومة وسيلة لتحريره وتحقيق تطلعاته، أصبحت أداة لاستدامة معاناته وتعزيز شرعية الميلشيات التي تدّعي الدفاع عنه.
ما بعد المقاومة
هل يمكننا تجاوز أسطورة المقاومة بالشكل الذي أسطرتها حركات الإسلام السياسي ؟، هل علينا التفكير في أسطورة جديدة، تقوم على البناء لا الهدم، وعلى التنمية لا التدمير، وأن تكون إنسانية وشاملة، تُركّز على تحقيق حياة كريمة للشعب الفلسطيني، بعيدًا عن استغلاله كوقود لصراعات سياسية أو أيديولوجية !؟