وحيد عيادة يكتب : السر في حلة المحشي !
في مرحلة ما من العمر، عندما تتكدس مشاعر الإحباط و الندم مثل أكوام الملابس المتسخة في زاوية الغرفة (اللي من أيام العيد!)، نحتاج جميعًا إلى “استراحة”. ليست الاستراحة اللي بتيجي مع فنجان القهوة اللي بنشربه سواء من افخم الكافيهات مثل U Venues أو District 5 أو حتي فنجان القهوة المظبوطة من إيد الست أم أميرة .. و نحن نتناول القهوة يدور النقاش الحاد حول من هو الأحق بالتاج في “لعبة العروش”!
لا أقصد تلك الاستراحة أو ال Break بل أقصد استراحة من فوضى الحياة اليومية، ومن المشاحنات الفارغة حول ( فردة الشوراب ) اللي نسيناها تحت السرير أو ضاعت في الغسيل !
دعونا نحسب عدد الأيام التي قضيناها نرقد فوق وسائد العتاب والشجار ! لنتوقف لحظة ونسأل: كم مرة تشاجرنا على أشياء فعلاً ملهاش أي قيمة؟ زي نقاش “هل الجزر ولا الفلفل أحلى في السلطة؟” أو “مين اللي أحق بكرسي المدير أو أنا احق بالمنصب من فلانة أو .. أو …؟”.
و للاسف بدل ما نقعد نبدع في الاختراعات، لقينا نفسنا بنعقد مؤامرات و ننسج قصص من وهم الخيال أو مؤتمرات تشكيلية على طريقة الأكل و طبق اليوم و هنطبخ ايه ع الغدا !
نعم، استنفذنا طاقات لا تحصى من الغضب والتعصب، طاقات كان ممكن نستخدمها في اكتشاف سر عقلية الصهاينة أو كيف نصنع صاروخا مثلا، أو كيف نساعد أهل غزة في تخطي تلك الأزمة العنيفة المدمرة ، أو حتي نريح دماغنا و نقضي الليالي في مشاهدة كل مسلسلات “نتفليكس” وكأننا في ماراثون تصوير!
بدل تضييع الوقت في التنازع على مين أكل آخر قطعة الشوكولاتة اللي ف التلاجة (واللي بصراحة كان المفروض تنتهي بمظاهرة!).
ثم تأتي لحظة الحقيقة: “التخطي” …
أقصد فن الاختصار في النقاشات السخيفة، تخطي الانكسارات اللي مش تستاهل حتى إننا نفكر فيها، وتخطي تلك الصداقة الهشة اللي كانت مجرد برنامج تشويقي لتجميع النقاط الرمزية. أحنا هنا نتحدث عن تحويل الفوضى إلى ملخص قصير: “انسوا المشاكل و ابتسموا للحياة و استمروا في بذل كل الطاقات لوجه الله!”
لكن هنا تأتي الفقرة الأكثر إثارة! مين فينا يقدر “يتخطى” عقبات الحياة بحرفية، وأنت تتنقل بين الضغط والتوترات و المؤامرات و الغيظ و الأنانية ؟ احنا محتاجين دليل سياحي للحياة أو “هدايا ذهنية” تساعدنا على استيعاب فكرة “المضي قدمًا للأمام”.
لازم نؤمن أن الملتفت للوراء لا يصل ابدا .. تخيلوا لو كانت هناك كتيبات ترشدنا لكيفية “التخطي”: “كيف تسقط على قلبك وتقوم مثل الفيل المخضرم!”
هنا يأتي دور “محشي الكرنب” و”ورق العنب” ليصنعوا المعجزة. تخيلوا معايا، أنت بعد يوم مليء بالتوترات والنقاشات السخيفة، ترجع البيت وتشم رائحة محشي الكرنب الطازج، ورق العنب المحشي باللحم والأرز، والبهارات. الصراحة، مش بس الرائحة، لكن الجمال اللي في الأكلة نفسها. تأملوا في شكل الكرنب، الألوان، والتفاصيل… كأنك عايش في حكاية قديمة تقرأها بعيون مفتوحة. لحظة، أفتح الحلة و البخار يقابلك وكأنه يعزف لك السلام الجمهوري ، امسك إحدي صوابع المحشي الملهلب و افتح فمك و قلبك و دع الكرنب يسافر بك بعيدًا عن كل مشاعر الإحباط.
ما هي النتيجة؟ محشي الكرنب وورق العنب هو الوحيد وخصوصا في -أيام الشتاء البارد – القادر علي تحويل مزاجك من “كئيب” إلى “مبهج”، مجرد قطمة واحدة تعيد لك الذكريات الحلوة، لمّ الشمل مع الأهل، وضحكات الأطفال و الاصدقاء حول المائدة.
لنعود الي الموضوع بعيدا عن صوابع المحشي بكل أنواعه و احجامه لندخل في النقطة الأخطر، وهي “الإرهاق الروحي”. إياكم أن تصابوا بمرض شيخوخة الأرواح! تصوروا مظهركم وأنتوا بتتكلموا مع زملائكم في الشغل، وعيونكم مطفية و فبها حزن عميقى، وكأنكم في رواية من الخيال الدراماتيكي الذي ينتهي بموت بطل الرواية و كل من معه بسبب أنهم ضغطوا علي زر خاطيء فقتلوا أنفسهم جميعا .
احذر ان تضغط علي الزر الخاطيء !المسألة كلها جميلة بالنظر إلى كل ما مررنا به، فالحياة زي رحلة للبحث عن السعادة بين محطات عديدة ، بس اللي أغلبنا يغفل عنه هو إن هذه المحطات هي فرصة ذهبية لتجديد النشاط والعودة تاني لموسم الورد بعد تخطي كل اشواك الواقع !
في النهاية، الكل يحتاج لاستراحة من زحام المشاعر والعلاقات المرهقة، لكن تذكروا، لا تدعوا أرواحكم تتعرض للهزات النفسية بسبب أشياء تافهة مثل خناقة جوا قهوة بسبب ماتش كورة بين الاهلي و الزمالك ، أو مين اللاعب الاكثر شعبية مرموش و اللا صلاح ، أو مؤامرة بسبب الغيرة أو ربما سوء الظن !
استمتعوا بالحياة وعيشوا بحيوية مع كثير من الضحك اللي م القلب ، لأننا في النهاية، صناع الحب والسخرية في عالم مليء بالجدية والكآبة. اعتبروا محشي الكرنب وورق العنب هم المفتاح السحري ليومكم الأفضل!
ولكن السؤال يبقي حائرا : من يجيد التخطي و التعافي ؟
من يجيد التسامح و الود ؟
و السؤال الأكثر أهمية من يجيد طبخ حلة محشي تجعل من يتذوقها ربما لا ينسي فقط هموم الحياة دا احتمال ينسي اسمه ؟!
و سأختم المقال بإحدي مقولات سيدنا علي ابن ابي طالب رضي الله عنه :
جَهَلَت عيونُ الناسِ ما في داخلي
فوجدتُ ربّي بالفؤادِ بصيرا
يا أيّها الحزنُ المسافرُ في دمي
دعني , فقلبي لن يكون أسيرا
ربّي معي , فمَنْ الذي أخشى إذا
مادام ربّي يُحسِنُ التدبيرا
وهو الذي قد قال في قرآنه
وكفى بربّك هاديًا ونصيرا ..