ورق أبيض ….. بقلم // نرجس الشجيري // العراق

ورق أبيض
قلتُ له: “ارسمني من رحمِ قلبك… فكرة، مجرد فكرة…
خطوط، أو شبهُ ملامح، ألوانٌ تائهة فوق ورقٍ أبيض…”
فرسمني مجسّمًا بهيئةٍ بشرية:
أنفٌ مثلثٌ قائمُ الزاوية،
عند حافةِ التنفّس،
وعينانِ دائرتان،
بوترٍ لا يعبرُ مركزَ البصر،
وحاجبانِ مقوّسان كـتَلٍّ من ركامِ ممحاة،
وشفاهٌ… كسكينٍ مستقيمٍ يقطعُ فضاءَ الصمت.
نظرتُ إليه باستغرابٍ، وقلتُ:
“كنتُ أتمنى لو أنكَ رسمتَ نافذةً مفتوحةً عند حافةِ الدفتر،
وتركتَ فراغًا للحدائق، للضوء،
لتعبرني رياحُ الدهشة،
ويحطّ فراشُ النهارِ فوق عتمةِ روحي…”
أو غيمةً تنزُّ منها أغاني الوزِّ،
وتنهمرُ منها أصواتٌ ضائعةٌ تشبهُ وجهي،
بلحنٍ مكسورٍ يعزفني ناي،
بأصابعِ لصٍّ اندسَّ مطرًا في معطفِ عصفورٍ مرتجف…
أو زورقًا، وطوقَ نجاة،
يطفو الزنبقُ في عينيَّ دمعًا،
وأنا حطامٌ يتأرجح فوق بحرٍ يغني… ثم يغرق… يغرق…
أو ضحكةً تسقطُ من تلاشي فمي،
تقذفُ حصاةً من بحةِ صوتي،
كقبلةٍ أولى تهوي خجلًا،
ويموتُ صداها كارتطامِ موجةٍ بوجهِ صخرةٍ تائهة…”.
أو رسمتَ قبرًا، في منتصفِ الدفتر،
بذراعٍ مفتوحة… مفتوحة،
تحتضنُ شتاتي،
ككتفِ شجرةٍ عاريةٍ تُواري بذرةَ توتٍ،
وتُكفّنُ جسدي بالأبيض…
كنتُ أتمنى أن ترسمَ كفَّكَ،
لأضعَ خدّي في رحبِ أمان،
وأتأمّل نفسي اللامرئية،
لأغفو مرةً…
كنـافذة، وغيمة، وزورق، وضحكة، وقبر…
فوقَ بساطِ كفِّكَ… ورقٌ أبيض.