طه خليفه يكتب :هل هناك تسييس لهلال شوال والعيد

تختلف مصر هذا العام في رؤية هلال شهر شوال (2025 م – 1446ه) عن السعودية.
القاهرة، وفق رؤيتها للهلال، تصوم رمضان 30 يوماً، وعيد الفطر سيكون غداً (الاثنين).
وتحتفل معها غداً بالعيد، سلطنة عمان وسوريا والأردن والجزائر وماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش وباكستان وبروناي والهند وأستراليا.
والرياض حسب رؤيتها للهلال – ومعها دول أخرى أبرزها قطر والإمارات والبحرين والكويت واليمن وفلسطين والسودان ولبنان وتركيا وأفغانستان – فإن رمضان 29 يوماً، واليوم (الأحد) أول أيام العيد.
هناك من زعم على مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك تسييساً مصرياً للهلال.
لكني لا أظن أن هناك تسيسياً بالفعل، هذا مستبعد، ففي العادة ترتبط مصر مع السعودية في بدء الصيام ونهايته والعيد.
والأقرب للواقع أن رؤية الهلال تعذرت مساء أمس في مصر، ولم يشأ المفتي الجديد د. نظير عياد أن يُخالف الشرع وحقيقة الرؤية وضميره الديني ويسير وراء السعودية التي قد يكون الهلال ظهر فيها لوقت قصير وسريع فاتخذت ذلك دليلاً على دخول شهر شوال.
وكان قد استقر في ذهني، ولدى كثيرين غيري، أن أمس (السبت) سيكون آخر أيام رمضان، والعيد سيكون اليوم (الأحد) في مصر، بسبب تصريحات رئيس المعهد القومى للبحوث الفلكية المصري الذي قطع بشكل حاسم قبل أيام أن هلال شوال سيُولد مساء السبت، وأن رمضان سيكون 29 يوماً فقط هذا العام.
ومع إيماني بعلم الفلك وحساباته وتقديراته، وقدرات معهد الفلك في مصر، لكن ليس شرطاً أن تكون حساباته دقيقة على الدوام، إذ قد لا يظهر الهلال فعلاً عكس هذه الحسابات، كل شيئ متوقع في هذا الكون بإرادة الله، والمستطلع للهلال والمفتي يعلمان أنها مسؤولية ثقيلة ملقاة على عاتقيهما لهذا يتأنيان في قرارهما بشأن مولد الهلال من عدمه، وتقديري أن هذا ما حصل في مصر.
ثم إن مركز الفلك الدولى جزم باستحالة رؤية هلال شوال يوم السبت فى مصر وعدد من الدول، وأكد أن رمضان سيكون 30 يوماً، وبالتالي فإن عيد الفطر سيكون الإثنين.
تسييس الهلال لا أدلة عليه، وإلا كان بيان مركز الفلك الدولي مسيساً. ومصر ليست في وارد إزعاج أحد، خاصة الحلفاء القريبين لها، وعلى رأسهم السعودية، وموضوع رؤية الهلال لامجال فيه لتوجيه رسائل، وإذا كان يُراد بث رسائل سياسية فهناك قضايا أخرى غير الهلال يمكن توظيفها لغرض إظهار الاختلاف أو الغضب من شيئ في صدر النظام.
القاهرة تدرك أن النظام في السعودية لا يسهل التلاعب به، أو اللعب معه، خاصة في هذه المرحلة التي تواجه فيها ضغوطاً اقتصادية داخلية، وضغوطاً خارجية هائلة أخطرها العدوان على غزة اللصيقة بمصر.
وبطبيعة الحال ترصد القاهرة اتساعاً متزايداً للدور السعودي في المنطقة حتى صارت الرياض عاصمة مركزية، ليس للقاءات والقرارات العربية فقط، بل الدولية أيضاً، ونموذج ذلك احتضانها مباحثات السلام الأوكرانية الروسية برعاية أمريكية.
والقاهرة تعلم أن الرئيس الأمريكي ترامب سيقوم بأول زيارة خارجية له في فترته الرئاسية الثانية إلى السعودية، كما فعل في الفترة الأولى، وإذا كانت الزيارة ستدفع فيها الرياض ثمناً ضخماً، فإنها تبتغي من ذلك أن تنعكس نتائج الزيارة في تمتين تحالفها مع أمريكا وترامب، وتعضيد الثقة الأمريكية فيها، والعودة إليها فيما يخص شؤون المنطقة، وتجنب أي مضايقات من إدارة ترامب، علاوة على تعزيز ملف الدفاع والتسليح والحماية للمملكة، وتكثيف الضغوط على طهران بشأن برنامجها النووي وهذا يضعف طهران ويخدم الرياض.
(إسرائيل تظل الحليف الأول والأكثر موثوقية لأمريكا في ظل أي رئيس، وتسبق الرياض والقاهرة بمراحل في ذلك).
العهد الحالي في مصر حريص على عدم الصدام مع أي بلد، ونتذكر الأزمة مع قطر وتركيا حيث بمجرد حصول انفراجة ومصالحة بينهما مع السعودية والإمارات فإن مصر انخرطت في نفس المسار.
وعندما دخلت القاهرة في مواجهة مع الدوحة وأنقرة كان ذلك عبر الإعلام بالأساس، أما المواجهة السياسية فكانت في الدرجة التالية.
وحافظت القاهرة على العلاقات التجارية والاستثمارية مع البلدين طوال وقت الأزمة.
والحملة الإعلامية كانت عبر إعلاميين لا عمق ثقافي أو فهم لديهم في قراءة البلدين، ولا كفاءة عندهم في الهجوم المؤثر الذي يعتمد على مضمون قوي رصين، إنما كان عبر شتائم وأوصاف وألفاظ ومحتوى شعبوي يقلل من شأن قائليه أكثر مما يضر بالخصوم.
ثم عندما عادت العلاقات تحول هؤلاء من الشتائم إلى الإشادة في غمضة عين، وهذا تحول لا يسقط فيه صاحب موقف حقيقي، ولا إعلامي مهني يحترم نفسه ولا يخضع للتوجيه لأن التاريخ لا ينسى، وموقع البحث جوجل فضّاح.
لايجب الركون إلى استنتاجات إعلام الخارج بوجود أزمة مصرية سعودية تدفع القاهرة لتسيس رؤية الهلال والعيد.
هناك استنتاجات سابقة من هذا الإعلام الموجه أيضاً بشأن تأزم علاقات مصر مع الإمارات والسعودية، ثم ظهر أن هذا غير حقيقي، فالقاهرة في ظروفها غير المريحة منذ سنوات لا تمتلك ترف التأزيم مع هذين البلدين، أو مع غيرهما.
حتى مع صعود الإخوان بعد ثورة يناير، وتولي الرئيس محمد مرسي، رحمه الله، الحكم، فإن السعودية كانت خط أحمر لا يتجاوزه الإخوان، ولا يفكرون في خصومتها، وأول زيارة خارجية له كانت إلى السعودية في يوليو 2012.
والقياديان في الإخوان محمد سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب، وأحمد فهمي رئيس مجلس الشورى، قادا وفداً برلمانياً وشعبياً يضم 124 شخصاً من إخوان ورؤساء أحزاب وساسة وشباب من مختلف التيارات إلى الرياض (مايو 2012) للاعتذار للملك عبدالله، وتقديم الترضيات اللازمة له بسبب عبارات مسيئة ضد السعودية رددها وكتبها شباب خلال احتجاجهم على احتجاز محام مصري بالرياض.
مع عبدالناصر فقط كانت المواجهة مع السعودية ممكنة جداً، وحصلت، وهذا لم يكن في مصلحة العرب، وتضررت مصر.
الأصل أن تكون العلاقات العربية ممتازة، وأن تكون مصر في القيادة، وهذه مكانتها، وهذا دورها التاريخي، لكن ذلك يتطلب أن تكون في حالة اقتصادية وسياسية قوية دون أزمات معقدة، أو ديون قياسية، أو معاناة حياتية شعبية.