بعد 67 عامًا من الاستغلال الفرنسي: تدخل النيجر سوق اليورانيوم لاعبًا مستقلًا
كيف أسقطت نيامي شركة أورانو الفرنسية؟: قصة تحرير اليورانيوم الذي أضاء فرنسا وأظلم شعبًا كاملًا

كتب:إدريس أيات
لأوّل مرة منذ عام 1958 – أي قبل الاستقلال بعامين – تطرح النيجر اليورانيوم النيجري الخالص في الأسواق العالمية بسعر السوق الحقيقي، لا بالسعر المجحف الذي فُرض عليها طوال ستة عقود من الهيمنة الفرنسية.
فصحيفة Énergie الفرنسية نفسها اعترفت عام 2015 بأنّ باريس كانت تشتري رطل يورانيوم النيجر بـ 37 دولارًا في وقت كانت قيمته الحقيقية تبلغ 120 دولارًا. إن أراد أحدكم إدراك حجم النهب، فليضرب الفارق بالسعر في ملايين آلاف الأطنان التي استخرجتها فرنسا من أرض النيجر خلال 67 عامًا من الاستغلال المتواصل. تفسر هذه المفارقة الصارخة كيف تمتلك فرنسا كهرباءً فائضة وطاقة نووية مستقرة – بل وتصدّرها إلى دول أوروبية أخرى- دون أن تملك منجمًا واحدًا من الكعكة الصفراء، بينما الدولة التي يقع المنجم تحت ترابها لا يستطيع سوى 9٪ فقط من شعبها الوصول إلى الكهرباء. فلم تبنِ فرنسا للنيجر محطة نووية مصغّرة واحدة طوال ستة عقود، رغم أنّها كانت تُغذي مفاعلاتها من خيرات النيجر.
بعد انقلاب 2023 الذي أطاح بعمليها محمد بازوم، اتخذت نيامي مسارًا معاكسًا للتاريخ؛ طردت القواعد الفرنسية، أغلقت السفارة، ثم في 2024 أعلنت تأميم مناجم اليورانيوم – خاصةً منجم سومير- التي كانت تديرها الشركة الفرنسية أورانو (Areva سابقًا). وفي الأسبوع الماضي، صدّرت النيجر 1000 طن من اليورانيوم إلى السوق العالمية باسمها ولحسابها، في سابقة تاريخية تمنح الدولة لأول مرة حقها الطبيعي في ثرواتها.
وبالتوازي، وقّعت النيجر وبوركينا فاسو اتفاقًا مع شركة روساتوم الروسية لبناء محطات نووية مصغّرة لإنتاج الكهرباء. وللتذكير، تُعد روساتوم أقوى شركة نووية في العالم؛ تمتلك أكبر خبرات في التخصيب، وتتفوق تكنولوجيًا في الفضاء النووي على الغرب،
• وهي الشركة الوحيدة عالميًا التي طوّرت تقنية إعادة تحويل النفايات النووية إلى طاقة،
• لذلك؛ رغم الحرب الأوكرانية لا تزال تزوّد أمريكا وفرنسا والاتحاد الأوروبي باليورانيوم، فلا أحد يريد أن يخسر خبراتها، وروسيا نفسها من بين العشر الأوائل في احتياطات اليورانيوم في العالم بجانب النيجر.
أما فرنسا، فما تزال ترفض الاعتراف بتأميم المناجم، وخرجت الأسبوع الماضي بتصريح غريب تتهم فيه النيجر بأنها “تبيع يورانيوم أورانو الفرنسية” في الأسواق، متذرعةً بتحكيم دولي أمام محاكم أوروبية يعرف الجميع أنها وُجدت لحماية الشركات الغربية المتعددة الجنسيات. وقد أثارت هذه الادعاءات موجة سخرية واسعة على مواقع التواصل حين طرح الناشطون الأوروبيون أنفسهم السؤال:
“كيف أصبح يورانيوم النيجر ملكًا لفرنسا؟ هل لدى فرنسا منجم واحد أصلًا؟”
وآخرون أجابوا بمرارة ساخرة: “كان عليكم فقط شراءه بسعر السوق… بدل استغلال شعب كامل لستة عقود.”
ختامًا، وإذ بدأنا نرى النور نهاية النفق؛ فالحقيقة الجوهرية أنّ لا تنمية حقيقية في أيّ بلد دون كهرباء؛ فالكهرباء هي أساس كل صناعة وكل نمو اقتصادي. وإذا واصلت النيجر هذا المسار، واستفادت من الشراكة النووية مع روساتوم، فإنّ السنوات العشرين المقبلة قد تشهد تحولًا جذريًا، يُمكّن نحو 70٪ من الشعب من العيش بكرامة واستقلالية حقيقية عن الهيمنة الاستعمارية القديمة، إن توفر الكهرباء بسعر زهيد في جميع الأقاليم.
أقولها وبإيمان هذه المرة؛ المستقبل في بلدي النيجر، لأول مرة منذ الاستقلال، يبدو مشرقًا حقًا.









