فيس وتويتر

د.محمد عجلان يكتب …صورة الشاعر هي الصورة النموذج التي يسعى لتحقيقها كل صاحب موهبة

يقول الدكتور طه حسين في محاضرة ألقاها في تونس عام 1957: “إن الحجازيين كانوا منغمسين في اللهو، وكنا نرى بعض الخلفاء من بني أمية يعينون أهل الحجاز على هذه الحياة اللاهية الساهية الناعمة، بما يغدقون عليهم من العطاء، وبما يرسلون إليهم من الهدايا؛ يريدون أن يصدوهم عن المشاركة في السياسة، ويريدون أن يصرفوهم عن شئون الجِد إلى شئون الهزْل؛ لأن أهل الحجاز كانوا أبناء المهاجرين وأبناء الأنصار، وكان الخلفاء من بني أمية يكرهون أن يشارك هؤلاء في السياسة، يخافون من مطامعهم، ويخافون أن يُفتن الناس بهم، بحكم أنهم أبناء المهاجرين وأبناء الأنصار”. (هنا ينتهي كلام دكتور طه حسين)

وإذا أخذنا بعين الاعتبار مركزية الشاعر في هذه الحياة اللاهية، وكذلك أهمية دوره في ظل ثقافة شفاهية لا يقدر غالب أهلها على القراءة والكتابة، فإن الشعر يكون هو الوسيلة المركزية – وإن لم تكن الوحيدة – في التأثير العام أو خلق ما يمكن تسميته بالرأي العام بالمفاهيم الحديثة. كما أنه يمكن القول إن الكتاب لم يكن منتشرا كما هو موجود الآن، فحتى لو زاد عدد العارفين بالقراءة والكتابة، فلم تكن هناك الكتب المتوفرة لإشباع رغباتهم في المعرفة.

وتأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن تشجيع الحكام للشعراء، وعلى وجه الخصوص شعراء المديح، لم يقتصر فقط على فكرة المدح ذاتها، فإذا كان الحاكم يغدق على الشاعر الذي يمدحه، وإذا كان هذا المديح نوعا من تخليد صورة ذهنية أسطورية للحاكم عبر الأزمان، إلا أن الحاكم بتقديمه لشعراء المديح وإغداقه عليهم يسعى إلى جعل المديح (التأييد بالكلمة) هو مَعْبر المحكومين نحو الشهرة والمجد والثروة؛ فما يحققه الشعر المؤيد المتغني بمآثر الحاكم، لا تحققه – ربما – السياسة لكثير من رجالاتها. وبذلك تصبح صورة الشاعر هي الصورة النموذج التي يسعى لتحقيقها كل صاحب موهبة راغب في الشهرة والثراء. وبذلك يمكننا اعتبار الشعر أداة أيديولوجية لتحقيق أهداف السلطة في ظل الثقافة الشفاهية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى