رؤى ومقالات

د. نيفين عبد الجواد تكتب :حُلم الوحدة المستحيل

الكاتب والفيلسوف البريطانى برتراند آرثر ويليام راسل الشهير بـ “برتراند راسل”، والذى فارق الحياة عام 1970م بعد عمر جاوز السبعة والتسعين عامًا، كان ناشطًا بارزًا فى مناهضة الحرب حتى أنه سُجن بسبب نشاطه الداعي للسلام خلال الحرب العالمية الأولى، ومع ذلك فقد حصل على جائزة نوبل فى الأدب عام 1950م تقديرًا لكتاباته المدافعة عن السلام والمثل الإنسانية وحرية الفكر.

وها نحن نرى جملته المثيرة والقوية “الحرب لا تحدد من هو على صواب، ولكنها تحدد فقط من سيبقى”، متصدرة الموقع الإلكترونى المسمى “جلوبال فاير باور”، https://www.globalfirepower.com/، وهو ذلك الموقع العسكرى الذى يصنف حتى عام 2019م  أقوى جيوش العالم التى تضم 137 قوة عسكرية حديثة معتمدًا على خمسة وخمسين عاملًا لتحديد مؤشر القوة لكل جيش وما يتمتع به من تنوع فى السلاح وتقدم فى التكنولوجيا العسكرية برًا وبحرًا وجوًا.

وليس غريبًا أن نرى فى صدارة ذلك التصنيف الدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين واليابان وفرنسا والمملكة المتحدة، ولكن الملفت للانتباه هو تفوق الهند فى قوتها العسكرية وفقًا لهذا التصنيف على كل من فرنسا واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة. وإذا كانت إسرائيل تسبق كوريا الشمالية فى ذلك التصنيف لتحتل المركز السابع عشر، فإن الدول الإسلامية تتزعم فيها الصدارة تركيا التى تأتى فى المركز التاسع متفوقة بذلك على ألمانيا وإيطاليا، ثم تليهما مصر التى تحتل المركز الثانى عشر، ثم إيران وباكستان وإندونيسيا فى المراكز من الرابع عشر إلى السادس عشر. ولا نرى بعد ذلك أية دولة إسلامية فى بقية المراكز العشرين الأولى ليكون المركز الخامس والعشرين من نصيب المملكة العربية السعودية، وتليها دولة الجزائر فى المركز السابع والعشرين، ثم تتوالى بعد ذلك الدول العربية والإسلامية إلى أن نرى موريتانيا والصومال فى ذيل القائمة.

وإذا كان من الطبيعى أن تتوحد القوى العشر العظمى فى العالم عسكريًا من أجل القضاء على أى ظهور قوى وفعال لأى كيان مناهض لها ومختلف معها، فإن الأحرى بالعالم الإسلامى أن يوحد صفوفه التى ليست ضعيفة على الإطلاق، وبدلًا من أن ترسم القوى العظمى لدولنا العربية والإسلامية خطة صراعها بعضها مع البعض، فإنه من الحكمة أن نسارع بالاتحاد سويًا قبل فوات الأوان، وبدلًا من أن تقف تركيا ومصر فى مواجهة لا تُحمد عقباها على كلا الطرفين، فمن الأولى لهما أن يضما لصفوفهما باكستان وإندونيسيا وكذلك إيران لأن ذلك هو المخرج الوحيد من مأزق التقزم والتشتت الذى يعانى منه العالم الإسلامى، والذى إن استمر فلن تكون عاقبته سوى فناء الجميع بأيديهم هم أنفسهم وليس بيد عدوهم، وعندئذٍ لن يكون النصر لقومية تركية على قومية عربية أو لمذهب شيعى على مذهب سنى، بل ستكون الهزيمة ساحقة وقاضية على المسلمين جميعًا.

ولأن البقاء سيظل دائمًا للأقوى خاصة بعد الحروب، فإن الأولى بالمسلمين وبالعرب أن يسعوا للقوة وللاتحاد الذى سيمكنهم من النصر ومن البقاء، وأن ينبذوا النزاع فيما بينهم لأنه سيكلفهم جميعًا ثمنًا فادحًا، فإن أرادوا أن يظل لهم وجود حقيقي على خريطة العالم فالفرصة ما زالت سانحة، ولكن هل من الممكن أن يتحول حُلم الاتحاد هذا إلى حقيقة لتخالف الدول غير المكتفية ذاتيًا أية توجيهات تملى عليها ممن يقدم لها القروض المغرية وممن تحصل منه على الأسلحة الحديثة لا لتكون الأقوى بل لتكون الأكثر خنوعًا وانقيادًا؟! وهل من الممكن للشعوب غير الحرة أن تُملى على حكوماتها وحكامها ما هو فى صالحهم أم ستكون هى من يدفع ثمن أية مغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب؟! وهل ستظل الوحدة الإسلامية قاصرة على قبلة الصلاة، وتوحيد الإله دون توحيد الكيان والمقاصد والغايات؟! وهل سنتعلم من دروس التاريخ وكيف سعت الإمبراطورية العثمانية للقضاء على سلطان المماليك لتحكم الشرق بدلًا من أن توجه قوتها للسيطرة على الغرب فاستعانت بأسلحتهم الحديثة آنذاك لقتل المسلمين، فما لبثت بعد حُكمٍ سيطرت فيه على العالم الإسلامي أن اختفت إمبراطوريتها وتمزق العالم الإسلامى إلى دويلات محتلة ذات حدود مصطنعة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى