ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى ميلاد يوسف داود

هو ” مُهندس الضحك ” و ” أستاذ الكوميديا السَلسة ” و ” الجَهورى المُضحك ” الفنان الكوميدى خفيف الظل المُتميز ” يوسف كركس صليب داود ” الشهير بيوسف داود ذلك المُمثل المَرِح الذى يُعد أحد الفنانين القلائل الذى لم يختلف الجُمهور مُطلقاً على حُضوره الطاغى فى كافة أعماله و تميُزه فى كُل أدواره بالرغم من عدم قيامه بأدوار البُطولة المُطلقة ! إلا أنه كان من أفضل الكوميديين فى مصر و أكثرهم احتراماً فهو الرائع صاحب الكوميديا الحاضرة و الجُمل الحوارية التى لا يُمكننا نسيانها بمُجرد سَماعها منه و هو ما أكسبه حُب و احترام الجُمهور له فى تاريخه الطويل سواء فى التليفزيون أو المسرح أو السينما بعد أن اعتادوا طلته بحواجبه الكثيفة و صوته الأجش و وجهه الباسم الذى بمُجرد أن نراه دون أن نسمع صوته نُصاب بالسعادة و السُرور و ما أن ينطق بحرفٍ واحد فتبلغ تلك السعادة و السرور ذروتهُما لدينا لأنه لم يكن يكتف بأن يستخدم صوته الأجش فقط ليتميز به بل كان مُحترفاً فى توظيف هذا الصوت بما يُخّدِمْ على أعمالِه فى جميع أدواره الكوميدية التى أداها باقتدارٍ مُنقطع النظير علاوة على إفيهاته التى لاتُنسى و التى كان من ضمنها فى مسرحية ” الزعيم ” فى مشهد مع الفنان أحمد راتب و رجاء الجداوى حين قال ” أمى الله يرحمها كانت دايما بتقولى نهايتك سودة يازمباوى ” و لا ننسى إفيهَهُ الشهير فى فيلم الشيطانة التى أحبتنى ” أنا اللواء مهذب رئيس مباحث أفريقيا و كأس العالم ” .. ولد داود فى 10 / 3 / 1938م بحى ” سُيوف شماعة ” بمُحافظة الأسكندرية وسط أسرة مُتوسطة الحال و عَشِقَ الفن مُنذ نعومة أظافره و كان مثله الأعلى الفنان القدير ” عباس فارس ” الذى كان يهوى تقليده وسط زملائه فى أثناء دراسته الإبتدائية بمدرسة السيوف و بعد حُصولة على الثانوية العامة بمجموع 89% فاجأ والده برغبته فى الالتحاق بمعهد التمثيل إلا أن طلبه قوبل بالرفض الشديد و هو ما أسفر بعد ذلك بالتحاقه بكُلية الهندسة قسم كهرباء و تخرجه منها عام 1960م و عمله مُهندساً بإحدى شركات القطاع العام و بعد وفاة والده قرر أن يُحقق رغبته و أمنية حياته فى امتهان الفن و هو ماحدث بالفعل بعد التحاقه بقسم الدراسات الحُرة و بعد حُصوله عليها كانت بدايتة فى مسرحية “زقاق المدق” المأخوذة عن رواية لنجيب محفوظ ثم انطلق قطاره الفنى ليُشارك بعد ذلك فى حوالى 40 فيلماً و عدداً من المُسلسلات التليفزيونية منذ ثمانينيات القرن الماضى و حتى وفاته كما مَثّلَ فى عددٍ من المَسرحيات و شارك فى العَديد من الأعمال على الشاشة الكبيره بدأها بفيلم ” زواج تحت الطلب ” مع الفنان عادل إمام ثُم توالت أعماله السينمائية بعد ذلك و التى كان أبرزها ” فرقة بنات و بس ” و ” عليه العوض ” و ” اتفرج يا سلام ” و ” صعيدى رايح جاى ” و ” 55 اسعاف ” و ” أمير الظلام ” و ” فيلم هندى ” و ” واحد كابتشينو ” و ” ليلة سُقوط بغداد ” و ” زكى شان ” و ” الحاسة السابعة ” و ” عمارة يعقوبيان ” و ” ظرف طارق ” و ” الغواص ” و ” أيامنا الجاية ” و ” النمر و الأنثى ” و ” كده رضا ” و ” فى شقة مصر الجديدة ” و ” كابتن هيما ” و ” حسن و مرقص ” و ” عسل اسود ” كما ساهم داود فى كثيرٍ من الأعمال التليفزيونية كان أشهرها ” رياح الشرق ” و ” أنا و أنت و بابا فى المشمش ” و ” حكايات زوج معاصر” و ” جُحا المصرى ” و ” خليها على الله ” و ” أحلام فى البوابة ” و ” أشباح المدينة ” و ” 7 شارع السعادة ” و ” أين قلبى ” و ” رست هاوس ” و ” شط إسكندرية ” و ” تامر و شوقية ” و ” يوميات ونيس ” و ” عائلة مجنونة جداً ” و ” عبودة ماركة مُسجلة ” و ” ابن الأرندلى ” و ” عصابة بابا و ماما ” و ” الزناتى مجاهد ” و ” شباب رايق جداً ” أما إسهاماته على خشبة المسرح فكانت مسرحية ” الواد سيد الشغال ” و ” المليونير الصعلوك ” و ” الزعيم ” و ” مراتى زعيمة عصابة ” و ” الواد ضبش عامل لبش ” و ” بودى جارد ” كما قام بدبلجة ” بينوكيو دور صاحب مسرح العرائس سترومبولى ” و ” قصص الإنسان فى القرآن ” و ما لا يعرفه الكثير من الجُمهور أن داود قد شارك فى عام 1997 فى الفيلم العالمى ” Legend of the Lost Tomb ” و هو فيلم أمريكى من بطولة ” ستاسى كيتش و بروك بيرس “و إخراج ” جوناثان وينفرى ” و قد أثنى الأخير عليه كثيراً و ابدى اندهاشه لعدم وصول داود للعالمية برغم تلك الإمكانيات الفنية الجبارة التى يمتلكها و قال ” لو كان هذا الرجل أمريكياً لصُنعت له البُطولات فى أفلامٍ عديدة ” .. قالت عنه ابنته الوحيدة ” دينا ” من زوجته ” مرجريت ملاك ” بأن والدها كان مُتمكن من اللغة العربية و الإنجليزية بدرجة عالية و شديد الثقافة فى كافة المجالات بدرجة كبيرة حتى الدينية منها و خاصة الإسلامية ! فكان يمتلك معلوماتٍ وفيرة عن الدين الإسلامى لدرجة أن البعض كان يعتقد أنه مُسلم ثُم يُفاجأ بعد ذلك بأنه مسيحى و كان أيضاً يعشق مِهنته الأولى ” مُهندس كهرباء ” بالرغم أنه دخلها إرضاءً فقط لوالده و لذا كان أحياناً يقوم ببعض الأعمال الخاصة بالهندسة الكهربائية أثناء عمله فى المجال الفنى لدرجة أنه قام بعمل الكهرباء فى شقة شقيقها و ساعد الفنان ” عادل إمام ” فى التوصيلات الكهربائية بڤيلته فى العَجمى كما حكت دينا قصة طريفة عن والدها أثناء تجنينه بأحد المواقع الحصينة للجيش المصرى بعد نكسة 67 فى أحد أيام الجُمعة حيثُ ذهب كلُ من فى المُعسكر لتأدية الصلاة باستثناء من يقفون ليحرسون الموقع و انتظر الجُنود كى يصعد أحدٌ للمِنبر لخطبة الجُمعة و مر الوقت سريعاً و المُصّلون ينظرون بعضهم لبعض و عُيونهم تسأل: « من الخطيب الذى سيصعد لخطبة الجمعة » ؟ و كان أغلب من فى الكتيبة يعرفون جُهورية صوت داود و ثقافته و قدرته على الكلام فشخصت له عيون بعض الزملاء بجواره تدعوه لإلقاء الخطبة و هو يبتسم مُتعجباً و لا يعرف ماذا يفعل ! و بعد قليل قرر أن يتصدى للخُطبة و يصعد للمِنبر و بدأ داود يلقى خطبة الجمعة فتكلّم عن الصدق و التضامن بين أبناء الوطن و التماسك و الوحدة التى تجعل الوطن قوياً و فى هذه اللحظة دخل قائد الكتيبة ليُصلى و أصابه الذهول من هذا الذى يخطب على المِنبر !! ثُم تحّول ذُهول القائد إلى دهشة و الدهشة إلى حيرة و جاء من خلف المُصليين و داود مازال يتحدث ببلاغةٍ و ثقةٍ و فكرٍ و قول و اقترب القائد من الخطيب و عَرِفَ داود ماذا يدور فى ذهنه لأن قائد الكتيبة كان الشخص الوحيد فى الكتيبة بأكملها الذى يعرف أنه مسيحى و ليس مُسلم و نظر له بحدة و قال « انزل يا يوسف » ثم قالها مرة أخرى و هو يبتسم و المُصّلون لا يعرفون شيئاً و ترك داود مكانه و تحرّك إلى أن وقف أمام القائد و قال « أنا قلت أنقذ الموقف يا أفندم » رد القائد و هو يضحك « و انت إيه اللى دخلك الجامع أصلاً » ؟! فابتسم داود و قال « و الله منا عارف لكن هُما إللى أصروا على كده » ثم قال له القائد ” دوّر مكتب يا يوسف ” حتى نفرغ نحن من صلاة الجُمعة و فى مكتب القائد وقف داود يتكلم و القائد يستمع و بعد دقائق قال له القائد ” يا يوسف أنا أعرف أنك مُثقف و طيب و عقلك و قلبك متعلق بالله و أعرف أيضاً حُبك لتقمص الشخصيات لكن يجب ألا يصل هذا إلى تقمُصك لدور خطيب و تصعّد لتخطب فى المُصّليين بالمسجد و أنت مسيحى ! فابتسم داود و رد عليه ” عندك حق يا أفندم و أوعدك أنها لن تتكرر ” و نظر له القائد و قال ” إنت آجازتك بُكرة مش كده ؟ ” فرد داود ” نعم ” فرد القائد ” أنت محروم من هذه الإجازة عقاباً لك على ما فعلته مع تأكيدى على حسن نيتك .. اتفضل يا عسكرى نفذ الأوامر ” و تحرك داود من أمامه بعدما أدى التحية العسكرية و هو يبتسم و ظل يُتمتم بـ ” الحمد لله إن عقابى توقف عند حِرمانى فقط من الإجازة لأن القائد كان يثق من صدق نواياى ” .. يُذكر أن داود فى سنواته الأخيرة ابتعد عن الفن قليلاً و لكنه ظل يُمتعنا بفنه الجميل و كوميديته الرائعة بين الحين و الآخر حتى جاءت النهاية فى 24 / 6 / 2012م بصُعود روحه إلى بارئها عن عُمرٍ ناهز الـ 74 عاماً بعد صراعٍ طويل مع مرض الفشل الكلوى اللعين و كان داوود أصيب بوعكة صحية قاسية استلزمت نقله إلى مُستشفى التأمين الصحى فى حى مدينة نصر حيث كان يقيم بالقاهرة لكنه تعافى منها لينتقل للإقامة بالكامل فى مسقط رأسه الاسكندرية و قد تزامنت الوفاة مع يوم الإعلان عن نتيجة جولة الإعادة بالإنتخابات الرئاسية المِصرية و التى أتت بمُرسى العياط رئيساً لمصر المحروسة فى غفلة من الزمان ! تسببت فى غياب العديد من النُجوم عن تشييع جُثمان الفقيد من الكنيسة المُرقسية بمدينة الإسكندرية بسبب شُعورهم بالانكسار و الخوف على مُستقبل الوطن حيث اقتصر الحُضور على أسرته و جيرانه و بعض المُقربين له و لكن عاد بعض الفنانين ليُصححوا هذا الخطأ و يتقدموا الصُفوف الأولى فى آداء واجب العزاء لأسرة داود كان على رأسهم الفنان ” هانى رمزى ” و الفنانتان ” يُسرا ” و ” إلهام شاهين ” .. يُذكر أن آخر مسرحية قدمها داود على مسرح الشباب كانت للمُخرج أسامة رؤوف بعُنوان ” الحياة حلوة ” عن مَسرحية لعبة الموت لتوفيق الحكيم و شاركته بُطولتها الفنانة نهلة سلامة و حصُل خلالها على جائزة افضل مُمثل من المهرجان القومى للمسرح و كان داود بعد نهاية العمل المَسرحى و بعد اضحاك الجُمهور يبكى مُتألماً من مَرضِه .. قدس الله روح الكوميديان الجميل يوسف داود .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى