ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى ميلاد حمدى أحمد

هو ‘‘ الفَنّانُ المُلتَزِمْ ‘‘ و ‘‘ المُناضِلُ الجَسورْ ‘‘ و ‘‘ السياسىُ المُحّنَكْ ‘‘ و ‘‘ المُثّقَفُ الواعى ‘‘ الفَنَّان الْكَبِير و الْقَدِير ( حمدى أَحْمَد بَخِيت ) الشَّهِير بحَمدى أَحْمَد ذلك المُمثِل الإنسانُ الثّائِر الغَاضِب الباحِث دومّاً عَنْ عالِمِ أَفْضَلُ للمُجَتِمَع لِيَعِيش المُواطن فِيهِ دونَ أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْنا مِنْهُ نَماذِجَ جَدِيدَةٍ مِثل « مَحْجوب عَبْدِ الدَّائِمِ » تِلْك الشَّخْصِيَّة الَّتِى حَوْلَها الْفَقْرِ وَ الْقَهْر إلَى كائنٍ بُشْرَى مُشّوه لَيْسَ لَهُ كَرامَةً و لَا نّخْوَة و لَا رُجولَة و لَا شَرَفَ و لَا وَطَنِيَّةٌ و يُذكر أَنْ رأى نُجِيبَ مَحْفُوظ « مَحْجوب » ظالمّاً كونّهُ تَخلى عن مَبادئ الشَرَفِ و الرُجَولَة بمُبّررِ الظُروف المُحيطّةِ به بَيْنَما العَجيبْ و الغَريب أن رَآه حَمدى أَحْمَد مَظلومّاً ! نتيجَةِ ظُروفِ نّشأتِهِ المُدْقعَة الفّقْرِ و كذا ظُروف حالِ الوَطْنِ الّذى كان مُستّشرَى فيه الفَساد بصورَةِ كَبيرة أما كاتِب هَذه السُطور فيميل كُل المّيلِ لرأى نَجيب مَحفوظ و يَعتَرِضُ تَمامّاً عَلى رأى حَمدى أحمّدْ حَيثُ لا مُبررٌ مُطلقّاً لأى انْسانْ وقوعَهُ فى براثنِ ما وَقَعَ فيه مَحجوبْ عبد الدايم مَهْما كانَتْ الأسباب و لكِــــــن …. ما بَيْنَ هَذا الظالِمُ أو ذاك المَظلوم يَظّلَ سؤالّاً يَطرَحُ نَفسه دائمّاً و بِقُوَّة و هوَ هَلْ سَيتَوقّفْ المُجْتَمَع عَن إنْتاجِ و تَصْدِير نَماذِج بَشَرِيَّة جَدِيدَة مِثْل مَحْجوب عَبْد الدايِم ؟ و هو مُجرّد سُؤَالٍ كأَنَّ حَمدى أحمّدْ فى كُلِّ إنْتاجِه الثقافى و الفّنى و السياسى يَطْرَحَهُ و هوَ يَعْرِفُ الْإِجابَة عَنْه جَيدّاً إلَّا و هِى النّفى ! للأسف و كان يُحّرِضُ عُقولنا دومّاً لِتَعْرِف هِى الْأُخْرَى تِلْك الْإِجابَةَ كى لايَظّلَ مَحْجوبٌ عَبْدِ الدَّائِمِ يَعِيش بَيْنَنا وَ يَنْعَتَهُ الْبَعْض بالظالِمِ و الْبَعْضِ الْآخَرِ بِالْمَظْلوم ! .. ولِدَ حَمدى فى قَرْيَة البليانا بمُحافَظّةِ سوهاج فى 9 / 11 / 1933م وسَطَ اُسْرةٍ مُتَوسِطّةِ الحال ثُم انْتَقَل مََعها لمِنْطَقَة بولَاق أَبو الْعلَا بمُحافَظّةِ الْقاهِرَة و ظّلَ بِها بصُحبّة والِدهُ تاجرّاً الغِلال حَيثُ كَانَت تلك المِنْطَقَة بولَاق فى ذلِكَ الزَّمانِ إحْدَى المَحطّات الكُبرى لتِجارَة الغِلال فى القُطرِ المِصرى بِأكْمَلِهِ .. يُذكر و فى عامِ 1949م أن تمّ اِعْتِقال حَمدى أحْمّد مِن قِبَلِ قوَّاتِ الاحْتِلاَلِ البريطانى و كان عُمره آنذاك 16 عامّاً و ذلك بِسَبَبِ مُشاركته فى المُظاهَراتِ الاحْتِجاجيّة ضِدَّ الاحْتِلالِ البريطانى ليَتِمّ سِّجْنَهُ 3 أَشْهُر ليَخرُجَ مِنهُ فَيّلتَحِقَ بمَعْهّد الْفُنون الْمَسْرَحِيَّة و يتَخرّجَ مِنْهُ عامّ 1961م فى الْوَقْتِ الَّذِى كانَ يَدرُس فِيه أيضّاً التِّجارَة بِجامِعَة الْقَاهِرَة بُناءً على رّغْبَة والده الذى نَهَرَهُ كَثيرّاً عقِبَ إلتِحاقِهِ بمَعْهّدِ الفُنونِ المسرحيّة لَكِنَّه فِى النِّهايَة تَرَك كُليَّة التِّجارَة ليَسْتَمِرَ فى الْمَعْهّد حَتَّى تَخْرجَ مِنْهُ بترتيب الْأَوَّلُ عَلَى دُفعَتِهِ بِتَقْدِير امْتِيازِ ليَنْطَلِقَ قَطّارَهُ الفّنى فيَقوم بِبُطولَة ما يَزِيدُ عَلَى 35 مَسْرَحِيَّة و 25 فيلمّاً سينمائيّاً و 30 فيلمّاً تليفزيونيّاً و 89 مُسّلسَلّاً تليفزيونيّاً علاوَةً على تّقْديمِه ما يَقْرُبُ مِنْ 3000 ساعَة للإذاعَةِ و يُذكر أن كانَ مِن أَشْهَرِ أَعْمالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمِثالِ لا الْحَصْرِ ” سُوق المُتعّةِ ” و ” حِساب السنِين ” و ” عِرْق الْبلَح ” و ” مُلَابِسٌ الْحَدَّاد الْحَمْراء ” و ” الكدّاب ” و ” أَنْف و ثَلاثُ عُيونٍ ” و ” فَجْرِ الْإِسْلَامِ ” و ” يَنابِيع الْعِشْق ” و ” إمام الدُعاة ” و ” بَنات زَيْنَب ” و ” عَلَى الزِّيبَق ” و ” بَوَّابَة الْمُتَوَلَّى ” و ” جاسُوس عَلَى الطَّرِيقِ ” و ” الْعاصِفَة ” و ” شارِع المواردى ” و ” جُمْهورِيَّة زفتى ” و ” السِمَّان و الْخَرِيف ” و ” الْعاصِفَة ” و ” رِيًّا و سَكِينَة ” و هِى الْمَسْرَحِيَّة الَّتِى بَدَأَها ثُم تَرَكَها بِسَبَب خلافات مَع الفنانّة شادِيّة و أَكْمَلُها بَدَلّاً مِنْهُ الفَنَّان أَحْمَد بدير .. يُذكر كذلِكَ أن انتُخب حمدى عُضوّاً فى مَجْلِسٍ الشَّعْب عام 1979م و ذلك بالتّزامُنِ مع مواظبَتِهِ فى كتابّةِ الْمَقالَات السِّياسِيَّة فى صُحفِ ” الشَّعْب ” و ” الأهالى ” و ” الأحرار” و ” الْمَيْدان ” و ” الْأُسْبوع ” و بِسَبَبِ آرائهِ السِّياسِيَّة و مَواقِفِه ضِدّ الأنْظِمَة مِنْ السَّاداتِ لمُبارك جعِلَت صُنّاع الْفّنِ و المُنْتِجون يّبتَعدون عَنْه فى فَتَراتٍ كَثِيرَةٍ و هو ما ذَكَره حَمدى فى أحْد الحوارات الصَحفيّة بأَنَّ اسْمَهُ كَان يأْتِى دائمّاً ضمِن الشَّخْصِيَّات الَّتِى سَيَتِمّ إعتِقالها ! لَكِن الرَّئِيس السَّادات كان يَتَدَخَّل فى اللَّحْظَة الْأخِيرَة و يَرْفَع اسْمه ثُم يُكّلِفَ مَسؤلّاً رئاسيّاً بالاتصال بِهِ فِى الْمَنْزِل ليُبلِغَهُ بِذَلِك و كَان حمدى يرُد بِالشُّكْر لَكِنَّهُ لَا يَعِدَهُ بِأَنْ يَتَوَقَّفَ عَنِ نَقْدِ سياساتِه الرَّأسماليَّة الانْفتاحيّة و كذا الْخارِجِيَّة الْخاطِئَة مُطلقّاً ! .. يُذكر أيضّاً أن تَمَكَّن حَمدى مِنْ أَنَّ يُحْصَدَ 5 أَفْلاَم بِحَسَبِ اسْتِفْتاء أَجْراه عَدَدٍ مِنْ نُقّاد السينِما الْكِبار عام 1996م حَوْل أَفْضَل مِئَة فِيلْم فى تارِيخ السِّينِما و هُم ” الْقاهِرَة 30 ” عام 1966م و” المُتّمَردون ” عام 1968م و ” الْأرْض ” عام 1970م و ” العُصفور ” عَام 1972م و ” أَبْناءُ الصَّمْت ” عام 1974م بالإضافة لفَوزه بِجائِزَة أَحْسَن وَجْه جَدِيد عام 1966م عَن دَوْره فى فِيلْم ” الْقَاهِرَة 30 ” و جديرٌ بِالذكْر و كى لا ننسى فقَد شَغِل حمدى مَنْصِب مُدِير الْمَسْرَح الكوميدى عام 1985م و قام بِاِتِّخاذ عِدَّة قَراراتٍ هامَة لتّطويرِهِ شّهَدَ بها المُتّفِقُ و المُخْتَلِفُ مَعَهُ أيضّاً .. يُذكر أخيرّاً أن تَزَوَّج حَمدى مِنْ بِنْتِ الْجِيران و هى شَقِيقَةٌ صَدِيقَهُ بَعْد قِصَّة حُب طَوِيلَة و أَنْجَبت لَهُ ثَلَاثَةُ أَبْناء هُم ” شرويت ” و ” ميريت ” و ” مَحْمود ” و بالرّغمِ أنه كانَ يَعْشَقُ الفّنَ عِشقّاً شّديدّاً إلا أنه لَم يُشّجِعَ أيّاً مِنهُم عَلَى الدُخولِ فى مَجالِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِخَشْيَتِه عَلَيْهِمْ مِنْ الانْزِلاقِ فَنيّاً بالابتزالِ أو سياسيّاً بالمُداهنّة ! كما يَفعَل نُجوم هذا الزَمان ! فِيما هوَ غَيْرُ مرغوبٍ فِيهِ حيثُ كانَ دائمّاً يَقولُ ” الفَنَّان يَجِبُ أنْ يَكُونَ قُدوة و لَا يَجِبُ أَنْ يَسِيرَ فى زَوارِق السُلْطّة لكى يتَكسّبَ مِنْ وَراءِ ذلِكَ مَزايا نَقْدِيَّة أَوْ عَيْنِيَّةً أَوْ توصيات للمُنتجين ليَطلبوه لِلْعَمل فى أَعْمالِهِم بالأمر المُباشِر ! كَما كانَ يَفْعَلُ الْكَثِيرون مِنْ أَبْناءِ جيلِهِ ! لِأَنَّ مَنْ المُفْتَرَض أَن الفَنَّان يَعْمَلُ لِلنّاسِ وَ لَيْس للسُلْطّة عَلَى الْإِطْلَاقِ فالفّن رِسالَة تنويرية للشَّعْب و لِلنِّظام أيضّاً و لِنَشْر الْحُب و الِاحْتِرام و التآخى و الْمَحَبَّة و الْكلِمَةِ الطيّبَةِ فَكَيْف لِهذِه الرِّسالَةِ أَنَّ تَخْرّجَ مِنْ قُلوبِ مُنافِقَة و حاقِدة وعُقولٍ مُظلِمَة و قُلوب كُلُّها غَلٍ و تَزّلُف و رِياءٍ فإِنَّ كَانَ الْأمْرُ كَذَلِكَ فَمِنْ الْمؤَكَّد أنَّ الْفَنَّ الَّذِى سَيَخْرُج لَنْ يَكُونَ صادقّاً أبدّاً علاوة أن عُمْرَهُ سَيكون قصيرّاً جِدّاً و أَنا اُفّضِلُ أنْ تَعِيشَ أعمالى بَعْد مَماتى و لَا تَمُتْ و أنا مازِلْتُ عَلَى قَيْدِ الْحَياةِ ! ” و بِالْفِعْل عاش حَمدى كَما تَمَنَّى فَلَمْ يَتَغَيَّرْ و لَمْ يَتَلَوَّنْ و لَم يُنافِق و لَم يُهادِن و لَمْ يَبِعْ قِيمَة و مُكْتسباتِه الفَنيَّة و الشَّخْصِيَّة مِنْ أَجْلِ شُهْرَة أوْ مَجْدٍ زائِف إلى أن تُوفى فى يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْمُوافِقُ 8 يَنايِر مِن عامِ 2016م عَقِبَ تعّرُضِهِ لَازِمَة صِحيَّةٍ عَنْ عُمرٍ يُناهِزَ الـ 82 عامّاً بَعْد صِراعٍ طَويلٍ و مَريرٍ مَعَ الْمَرَضِ و بَعْدَ أَنْ ضَرْبَ لَنا أَعْظَم نَمُوذَجٍ لِحَياةِ الفَنَّان الوَطنى الْكُفُؤ المُلتَزِم و قَدْ ذَكَرْت إحْدَى الصُحف الصّفْراء بَعْدَ وَفاتِهِ بَعْد حِوار صَحفيّاً أُجْرَتَه مَع ابْنَتَه ” ميريت ” بِأَن حمدى أحْمَدَ قَدْ انْتَحَر ! و لَمْ يَمُتْ بِسَبَبِ الْمَرَضِ و نَفَت عَلَى الْفَوْرِ ما قِيلَ بِهَذَا الشَّأْنِ و قالَت أَنَّها حِينَ أَجَرْت الحِوار مَعَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ لَمْ تَقُلْ هذا الكلام بَلْ قَالَتْ بِأَنَّهُ ماتَ كَمدّاً و قّهرّاً كالمُنتَحِرْ عَلَى ماوصَلَ إلَيْه حال الْفَنّ و حالِ أَهْلِ الْفَن و بِأَنَّها سَتُقاضى تِلْك الْجَرِيدَة كَما أَكْدَت ميريت أَنَّها لَن تَجْرى أى حوارات عَن والِدها بَعْدَ ذلِكَ لتُحافِظَ عَلَى اسْمِهِ و عَلَى سُمعَتِهِ و حَتَّى لاتُعطى الْفُرْصّةً لِبَعْض الصحفِيين مِنْ الَّذِينَ كَانوا يَخْتلِفونَ مَعَه سياسيّاً بِأن يُلّوثوا سُمْعَتَهُ ! .. رَحِم اللهُ حَمدى أَحْمَد و تَجاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِهِ و أسْكَنَهُ فَسيحَ جَنَّاتِهِ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى