ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى رحيل إبراهيم خان

هو ‘‘ الشِريرُ اللَّئِيم ‘‘ و ‘‘ الْهادِئُ الْوَدِيع ‘‘ و ‘‘ الأسْمَرُ الوَسيمْ ‘‘ الفَنَّان المُتَمّيز السودانى الْمِيلَاد و الْجِنْسِيَّة و الْمِصْرِى الْهَوَى و السَجيّة ( إبْراهِيمَ إبْراهِيمَ خانْ ) الشَّهِير بِإِبْراهِيم خانْ صاحِب الْبَشَرَة الخَمريّة الّلون و الْعُيون الْمُلَوَّنَة و الْملاَمِح الْهَادِئة و الِاسْم ذُو الطَّابَع الهِندى ! و الَّذِى يُعد أَحَدِ الْوُجوهِ المُميزة فى السِينِما الْمِصْرِيَّة لِتَمَيُّزِه بِشِدَّة الجِدِّيَّة فى أَعْمالِه إلَى دَرَجَةِ تَجْعَلُك تُصّدِقَهُ فى كُلِ ما يُقّدِمَهُ و ذلِكَ عَلى الرَّغْمِ مِنْ قَسْوَتَهِ فى بَعْضِ أَعْمالِه إلَّا أَنَّك لَا تَسْتّطِيعُ أَنْ تَكْرَهُه مُطْلقّاً و هُو مايتمثل فِى اللُّغْز الَّذِى فَشَلَ مُعظم النُقّاد الفَنيين فى تَفْسِيرِهِ بَيْنَما تَوَصَّلَ إلَيْهِ جُمهوره و مُحبوه ! و للحَقيقة فنادرّاً ما نَجَح مُمّثل أَدْوار ثانِيَة فى حَصَد دُور أَكْبَر مِمَّا يؤّدِيه خاصَّة فِى ظِلِ تَنْمِيط الْأَدْوار الَّذِى مارَسَه المُنتِجون و المُخرجون فى ذلِكَ الْوَقْتِ وَ كأَنَّهُم امتَلكوا قَائِمَة بِأسْماء الفَنَّانِين مُصّنَفين فِى جداوِل ! فَهَذا لأدوار الْخَيْرَ وَ ذاك لأدوار الشَّرِّ وَ هَذِه فى دّور الْحَمْاة الشِريرَة و تِلْك فى دّورِ الْأم الطَّيِّبَة و لَكِن خان نَجَح أَن يَرْسُم لِنَفْسِه خَطّاً و لَونّاً خاصّاً بِه بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ طَبِيعَة أدوارة و اسْتَطاعَ أَنْ يُحْتَفَظ لِنَفْسِه بِمَكانَةٍ خاصَّة فى قُلوب المُشاهِدين إضَافَة لتّفَرُدِ أدوارِه الْجَمِيلَة فى الدِراما الإذاعِيَّة و الْمَرْئِيَّة أيضّاً و الحَقُ يُقال أن إبراهيم خانَ كانَ فنّانّاً كامِلّاً فى بهائِه و مُتَوَّجّاً بتاجٍ ثقيلٍ تّرصَعَهُ آلافُ اللآلئ و فى قلبِ كلِّ لؤلؤة مَشْهّد و فِكرَة و بيت شِعرٍ و قلبُ شاعِرٍ و روحُ أديبٍ و ليالٍ طوال من السَّهَرِ و السَفَرِ و التّدريب حَتى وَصَل عَلى عَربةٍ مَلكيّةٍ تَجُرها خُيولٌ عَربية قُدَّت مِن ماء الشِعرِ و المَلاحمِ و الأساطير فَتَعلَقّت الأبْصارُ بِصَوتِه و عَينيه الحاملانِ إرثّاً هائلّاً مِن فرائِد رفيع الآدابِ العالميّة الصَعبّة التى لا يَقوى عَلى مُطارَحتِها إلا ذوو البأسَ و ذوو المَوهِبَة مِن الحَقيقيين الذين لا تدثُرهم قُشور الزَّيفِ و غُلالاتِ الإدِعاءْ .. ولِدَ إبراهيم خانْ فى 12 / 8 / 1936م مِنْ أَبٍ سودانى و أَم مِصْرِيَّة مِن مُحافَظّةِ أسوان و قَدِمَ إلَى مِصْرَ عام 1954م ليَلتَحِقَ بالمَعْهَدْ الْعالِى لِلْفُنون الْمَسْرَحِيَّة فيَتَخّرَجَ مِنهُ عام 1961م و ما بَيْنَ الْبِدايَة و النِّهايَة خَمْسَةً وَ سَبْعونَ عامّاً فَفِى مَدِينَة ” مَدنى ” السودانِيَّة ولد إبْراهِيمَ خان كطِفْلٌ مُدلّلْ حيثُ يَصْطّحِبَهُ والِدَه إلَى السِينِما فى الخُرْطوم ليُشاهِدَ الأفلام الْمِصْرِيَّة فيُرْسّخِ فى وِجْدانِهِ حُب الْفَنّ و يُداعِب خَيالَهُ التَّمْثِيل فَكانَ يَتَقّمَصَ الشَّخْصِيَّات المُحيطّةِ بِهِ ثُمَّ يَقومُ بِتّقْلِيدِها أمام والِدِه و والِدَتَه و جِيرانِه لِيَنال بَعْدَها تّصفيقّاً حار .. يُذكر أن بالرَّغْمِ مِنْ المُدّةِ الَّتِى قَضاهَا خان فى مِصْر إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ عَلَى الْجِنْسِيَّة الْمِصْرِيَّة بل لَمْ يَطْلُبْها مِن الأساس ! و ظَّ مُحْتَفِظّاً بِجِنْسِيَّة والِدِه و لَمْ يَكُنْ ذلِكَ تكّبُرّاً مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ لِأَنَّهُ عَاش طِيلَة حَياتِه لايَعتَبِر أَنَّ مِصْرَ و السُّودان دولتان شَقيقتان أبَدّاً بَل بَلدّاً واحدّاً بِشِمالِه و جَنوبِهِ و هو ذات ما صَرّح به فى برنامِجٍ إذاعى بإذاعَةِ صَوت العَرَب حيثُ قال ” هوَّة أَنا يَعْنِى آيَة إللى حايعود عَلِيًّا لَمّا أَنْقل جِنسيتى مِن الْجَنوب للشَمال ؟! ماهى طول عُمرها بَلَد واحِدَةً وَ شّعَبْ واحِد بيجمَعَهُم نيْل واحِد وَ بَعدين أَنا عُمرى ماحَسيت فى مِصْر بغُربّة أبدّاً و لَا بِتَمْيِيز المُخرجين لفَنانين عَنَى فى اخْتِيار الْأَدْوار لإنى مِشْ مصرى عَشان أسْعَى فى مَوْضوع الْجِنْسِيَّة دَه ” .. يُذكر أيضّاً أن عَمِلَ خان فى بِدايَتِهِ بإذاعَةِ رُكنِ السودان الَّتِى تَحَوَّلَت بَعْدَ ذلِكَ إلَى اسْمِ ” إذاعَة وادَّى النِيل ” و عَلى الرَّغْمِ مِنْ تَخّرُجِهِ مِنْ مَعْهّدِ الْفُنونِ الْمَسْرَحِيَّة إلَّا أَنَّهُ كانَ غَيْرَ مُقْتَنِع بِنَفْسِه بِأَنَّه يَصْلُح كمُمّثِل مَسرحى أَو سينمائى ! بَل إذاعى فَقَطْ وَ رُبّما يَعودُ ذلِكَ الاقْتِناع الْخاطِئ بِسَبَبِ بَشْرَتِهِ الْخَمْرِيَّة الْمائِلَة للسَمار و الَّتِى لَمْ تَكُنْ جاذِبَة للمُنْتِجين سِينمائياً عَلى الْإِطْلَاقِ فى ذلِكَ الْوَقْتِ إلَى أَنْ قابِلَ بالصُدْفَةِ المُخْرِج ” حُسام الدين مُصطفى ” و أقْنَعَهُ بِأنَّه يَصْلُح لِلتَّمْثِيل ! و اعْتَقَد خانْ أَنَّ حُسام يَمْزَح مَعَهُ فَقالَ لَهُ ” رَبَّنا يخليك ,, مَش لِلدّرْجَة دى يا أسْتاذ ,, تُروح فِين يا صُعْلوك بَيْنَ الْمُلوكِ ,, أَنا دَرَسَتْ الْفّنْ عَشان أَشْبِعْ هوايتى بَِس ماعْتَقِدش إن حايكون لِى نَصِيب أبَدّاً فى التَّمْثِيل بِسَبَبْ بَشرتى السَمْرة دى ” ! و لَكِن حُسام آكَد لَهُ أَنَّهُ كانَ يَتَكَلَّم بجديّة و لَا يَمْزَح مَعَهُ أوْ يُجامله كَما تَخَيَّل خان و لِإِثْبات صِدقَ كَلامِه أَصَرّ بِشِدَّة بَعْد رَفَضِ مُدِير الإِنْتاج ( حَسَن موافى ) عَلى إشْراكِهِ مَع رُشْدى اباظّة و سُعاد حُسْنَى و صَلَاح ذو الْفَقّار فى أَوَّلِ أفلامِهِ الَّذِى حَملَ اسْم ” الشُجْعان الثَّلَاثَة ” و الَّذِى تَدور قِصَّتَهُ حَوْل 3 أشْقاء يَتْركون أشْغالِهِم بَعْد مَقْتلِ أَبِيهِم الصول شّعلانْ و يُكّرِسون كُلّ وقْتِهِم لِلثَّأْر لِأَبِيهِم ثُمّ قَدّمَ خانْ بَعْدَ هَذا الفِيلْم بعامٍ وَاحِدٍ فيلمَهُ الشَّهِير ” شُروق و غُروب ” بُناءً عَلى طَلَبِ مُدير الإِنْتاج ( حَسَن موافى ) ! الَّذِى كانَ يَرفُضُ بِشِدَّة إشْراكِهِ فى فيلمِهِ الْأَوَّلِ و الَّذِى وَضَعَهُ فى مَصافِ النُجوم ليُصْبِحَ بَعْدَ ذلِكَ قاسِمّاً مُشْتَركّاً فى العَديدِ مِن الأفلام الْمِصْرِيَّة لتَبدأ نُجوميتَةُ فى السُطوع لَيْس فَقَط بِسَبَبِ براعَتِه فى التَّمْثِيل و إنما أيضّاً لحُبِ كُلّ مَنْ تَعامَلَ مَعَهُ و ذلِكَ بِشَهادَةِ زَوْجَتِه الْأُولَى الفنّانَة ” سُهير رَمزى ” بالرّغْمِ مِن عَدَمِ استِمرارِ زواجَهُما مُدّةً طَوِيلَة حَيثُ انْفَصَلَا بِسَبَبِ الْغَيْرَة كَما أَكْدَت سُهير فى برْنامَج فضائى أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِف اثْنانِ عَلَى طَيبَةِ قَلْبِه و نُبلِ أَخْلَاقِهِ و حُبِهِ لِوَطَنِهِ ” مِصْر و السودان ” .. يُذكر كذلك أن امْتَدّ مِشْوار خان الفّنى لِما يّقْرُب مِن 40 عامّاً و عاش مُعْظّمَ حَياتِهِ بِمِصْر و مِثّلَ الْكَثِيرِ مِنْ الأفلام تَصِلَ إلَى حوالى 50 فيلمّاً و كَذلِك عَشَراتِ المُسّلسَلات التِّلِيفِزْيونِيَّة كانَ مِنْ أَشْهَرِها ” دائِرَة الِانْتِقام ” و ” الصُعودِ إلَى الْهاوِيَةِ ” و ” الحُب و الثَّمَن ” و ” دائِرَة الشَّك ” و ” نِهايّة الشَّياطِين ” و ” الْعَسَل المُر ” و ” عِتاب ” و ” كُلنا فِدائيون ” و ” المُذنبون ” بالإضافة لمُشاركاتِهِ فى عِدَةِ أَدْوارٍ تليفزيونيّة كانَ أبْرَزها ” رأفتْ الْهِجّان ” و ” الْإِخْوَة زَنانيرى ” و ” لؤْلؤ و أَصْداف ” و ” نار و دُخّان ” و ” نور الصَباح ” و ” أُوبِرا عايدَة ” و ” جاسوس عَلى الطَّرِيقِ ” و ” أَحْلَام الْبَنات ” و ” بْن ماجَهْ ” و ” أبرياءٌ فى قفصِ الاتِهامْ ” و ” امْرأَة لكُلِ الرِجال ” و الغَريب أن خان و بِرغمِ كل تِلكَ المُشارَكات المُتَمّيزَة لَمْ يقُم بِدُور البُطولَة أبدّاً فى حَياتِه ! .. جَديرٌ بالذِكرِ أن أحَرّجَ الْمَواقِف الَّتِى تَعَرَّضَ لَها خانْ كَما صَرَّحَ فى بَرْنامَج « النادى الدولِى » الَّذِى كانَ يُقّدِمَهُ الفَنَّان ” سمَيْر صَبرى ” فِى أَواخِر سَبعينيات الْقَرْن الماضى كان قَبْلَ تَصْوِير مَشْهَد الِاعْتِداء عَلَى السندريلا ( سُعاد حُسْنَى ) فى فِيلْم « غُروبْ وَ شُروق » عام 1970م أَنَّهُ وَجَدَ السِندريلا تَوجِهَهُ بِأَنَّ الْمَشْهّد مُهم و يَجِبُ أنْ يَظْهَرَ كَأَنَّه حَقيقى لِذَا طَلِبَتْ مِنْهُ أَنَّ يَقومَ بِضّرْبِها و شّدِها مِنْ شَعْرِها و هِى سَوْف تُساعِدَهُ عَلى ذلِكَ و هوَ ما حَدَثَ بِالْفِعْل حَيْثُ قامَ خان بِسّحلِها و ضّربِها ما أَدَّى لِإِصابَتِها بَعْدَة كَدَمات ليَتّوقَفَ التَّصْوِير عِدَّة أَيّام حَتّى يَتِمَّ شِفاءها و فى أَوَّلِ يَوْم تَصْوِير عَقِبَ الشِفاءْ ظّلَ خان يَتأَسَّفَ لَها كَثيرّاً و لَكِن السِندريلا قالَتْ لَهُ ” بتِتأسِف عَلى آيَةِ يا ابراهيم ؟! أَنْت تَقَمَّصَتْ دوْرَك و أَديتُه عَلى أَكْمَلِ وَجْه ” ثُمّ داعَبَتْهُ بِقَوْلِها ” و ياسيدى عَلقَة تَفوت و لَا حَدَّ يَموت ” .. يُذكر أخيرّاً أن كان يَوْم 9 / 1 / 2007م هوَ بِدايَة مَشْهَدْ النِهايَة لخان بَعدَما سَقَطَ عَلى الْأَرْضِ أَثْناء تأْدِيَتِهِ لمَشْهَد فى مُسّلسَل ” أَمِيرُ الشَّرْق ” لِيَنْقُلَهُ زُملاؤه إلَى المُسْتّشْفى لتَكون المُفاجأة بأَنَّ هَذا الرَّجُلُ المُتَماسِك يَكْتُم الْآمِه وَ مُعاناتِهِ مِن تَلّيُفِ الْكَبِدْ و الرِئَة حَتَّى لَا يُعّكِرُ صّفْو حَياة زَوْجَتِه ” سالى ” الَّتِى تَزَوَّجَها بَعْدَ قِصَّة حُبٍ طَوِيلَة و أَنْجَب مِنْها طِفْلَته الوَحِيدَة ” رَحِمَة ” و الَّتِى لَمْ يَكُنْ قد تَعّد عُمْرها أَرْبَعَ سَنَواتِِ لَحْظّةِ وفَاتِه لِيّرْحَلَ خان فى هُدوء و بِلَا أى ضَجَّة و يُدفَنُ فِى هُدوءٍ أيضّاً دونَ أَنْ يُمهِلَهُ الْقَدْر كَى يَتَسَلَّم جائِزَة تّكْرِيمِهِ الَّتِى كان مُقَررّاً لَه تَسّلُمها فى الثَّامِنَ عَشر مِنْ يَنايِر ” بَعْد 9 أيَّامٍ مِنْ رَحِيلِهِ ” مِنْ خِلَالِ فعاليات مِهْرَجان ” سودانيز ساوند ” المُقام بالخُرطوم و هوَ الْمِهْرَجان الَّذِى تُنّظِمَهُ إحْدَى شَرِكاتِ الإِنْتاج الفّنى بَعدما اخْتَارَتْه فى ذلِكَ الْعامِ كضيفِ شَرَف لِيَتِمَ تّكْرِيمَهُ بِما يَلِيقُ و تارِيخِه الفّنى الطَّوِيل .. رَحِم اللهُ إبْراهِيم خان و تَجاوَزَ عَنْ سَيئاتِهِ و أسْكَنَهُ فَسيحَ جَنَّاتِهِ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى