كتب :خالد عاشور
الموسيقى التصويرية واحدة من اهم لغات السينما والدراما.. بدأت للمرة الأولى على إستحياء عام 1915 في فيلم The Birth of a Nation كمزيج من موسيقى لا تنتمي الى الفيلم ذاته.. ولكن في عام 1933 تم صناعة أول موسيقى تصويرية خاصة بفيلم لتواكب احداثه وهو فيلم ” king kong”.. الآن اصبحت الموسيقى التصويرية أحد أهم لغات الدراما والسينما، لدينا الكثير من مهرة العزف والتأليف الموسيقي أمثال خالد حماد وخالد الكمار وأمين بوحافة وراجح داود وعمار الشريعي وعمر خيرت ومودي الإمام و العظيم فؤاد الظاهري وهشام نزيه وغيرهم كتير كل واحد منهم له بصمته ومدرسته.. من أهمهم بالطبع تامر كروان.. تامر كروان من مؤلفي الموسيقى المبدعين والدارسيبن لسيكلوجية العمل الذي يقوم بتأليف الموسيقى التصويرية له.. في مسلسل لعبة نيوتن قدم موسيقى معبرة عن حالة التوتر والتناقضات البشرية داخل كل بطل من ابطال الحكاية… موسيقى تامر كروان من أجمل المقطوعات التي ستسمعها لموسيقى تصويرية معبرة عن حركة (البندولات / الشخصيات) أو الأبطال في لعبة نيوتن.. معبرة عن شخصية كل واحد فيهم.. معبرة عن المشاعر داخل كل واحد منهم.. “البريمو” كمانجة و”السكوندو” كمانجة في المقطوعة بتمثل (حازم وهنا) أحدهم يتخيل انه البريمو كمانجة وله الصدارة في الأوركيسترا مثل حازم (محمد ممدوج).. وواحد مجبر على ان يكون في دور (سنيد/ سكوندو كمانجة) مثل (هنا أو منى زكي).. وعزف الأتنين سويا يخلق حالة من الجمال والروعة إستطاع أن يعبر عنها تامر كروان بمنتهى الروعة.. البيرمو كمانجة تظهر في بداية العزف في الموسيقى التصويرية وأثناء الحكابة في كل حلقة.. ثم تلحقها الكمانجة (السكوندو أو السنيدة) كما يحدث بين حازم وهنا من تبادل أدوار وصراع معقد مخفي أحيانا وظاهر احيانا اخرى.. ثم ظهور لآلة التشيلو كظهور سيد رجب الغامض والغريب والقوي في حضوره وغرائبيتة مواقفه مع حازم وعائشة بن أحمد أو امينه.. التشيلو هنا يظهر بقوة ولكنها قوة ناعمة وغامضة.. غموض “سيد رجب/بدر” نفسه في الأحداث.. يتسحب رغم صوته القوي والحاد كآلة قوية الصوت.. التشيلو آلة من ذات عائلة الكمانجة.. ولكن حجمها أكبر.. هذا الحجم الذي يملؤه سيد رجب.. سيد رجب هنا اسقاط لآلة التشيلو التي تظهر قوية للحظة وتختفي…. الكمانجة هنا ليست مقتصرة على “البريمو والسكوندو” أو “حازم وهنا” الكمانجة هنا تظهر مع ظهور الفنان الشاب “آدم إلشار” أحد جماليات العمل وأكثر مفاجأته الجميلة.. آدم إلشار او “بج زي” لم يعد ذلك المصري الحالم بالجنسية الامريكية مثل حازم وهنا وغيرهم.. “شخصية بج زي” تجاوزت هذا المفهوم من كونه شخصية حالمة بالهروب من وحل القمع والفقر والجهل والمرض الى الحرية والحلم الأمريكي الجميل في عقول الأغلبية.. انها تعبير صادق عن اختلاف الثقافات بين الشرق والغرب.. الرجل الشرقي بمفهوم الوصاية لدى حازم ومؤنس وكل من ظهروا في الجانب الشرقي من الأحداث.. “بج زي” تخلى عن الفكر الشرقي في علاقة الرجل بالمرأة القائمة في الأساس على الغريزة أولا ثم الوصاية ثانيا ثم التبعية وسلب الحرية في النهاية.. انها علاقة شاب تخلى عن الفكر الشرقي في قمع المرأة بأكثر من مسمى.. ظهر هذا جليا في لقاءات “بج زي وهنا” حتى تفردهم سويا قس غرفة واحدة أكد على هذه التيمة والتي يريد ان يؤكده بها تامر محسن هذا الأسقاط والمعنى في الحكاية.. وأكدها بجلاء وقوة وخفة تامر كروان في الموسيقى التصويرية.. “بج زي” كمانجة من ضمن كمانجات الحكاية.. ولكنها لا تعزف عزفاً شرقيا من البياتي والسيكا والنهاوند والحجاز.. انها تعزف بشكل غربي في الموسيقي والفكر والتخلي عن معتقدات قديمة .. الفرق بين عزف آلة هي في الأصل آلة غربية أدخلت الى الموسيقى الشرقية وتم تعديلها فكانت لها موسيقى شرقية لها حلاوتها وخصوصيتها.. ولكنها اكثر حزنا وكثافة في سلمها الموسيقي عن شقيقتها الأصل في الموسيقي الغربية.. “بج زي” هو الرجل الشرقي الذي تخلى عن مفاهيم الوصاية والقهر والتبعية المجبرة للمراة العربية فعبر عنه تامر كروان ككمانجة “سكوندو” من ضمن فرقة العزف في المقطوعة الموسيقية الرائعة للمسلسل.
ثم يظهر للحظة الكونترباص بقوته وفخامته وصوته الغليظ والحاد في ذات الوقت.. واقفا بين الآلات الموسيقية المنتمي لنفس عائلتها ولكنه مختلف في صوته واسفاطاته النفسية لدى تامر كروان ومتناص مع فكرة تامر محسن في السرد.. يظهر للحظة بصوته العالي كاسقاط نفسي لشخصية “مؤنس أو محمد فراج” العائش في الحرية.. والمحاول دائما في استعباد والأستيلاء على من حوله بافكار وايديولوجية دينية.. ثم تظهر آلات تعبر عن شخصيات موازية في الحدث مثل العائلة والاهل في مصر كالبيانو أو الكيبورد.. تظهر بهدوء.. وتختفي بهدوء بذات التأثير والصوت للعائلة عند هنا وحازم.. وفي الفرقة تظهر الات النفخ وخاصة بالتتر.. تظهر للتعبير عن الجميع.. الجميع لهم وجوه اخرى.. لهم اصوات اخرى.. الناي الحزين حزن والدة هنا ووالد ووالدة حازم شخصيات تشبه الناي والفلوت والترومبيت.. صوتها خافت في الأحداث على حساب الكمانجات البريمو والسكوندو.. ومع موسيقى التتر يتضح كل هذا من بداية دخول البريمو كمانجة والسكوندو كمانجة وصراعهم وحركة توترهم كتوتر الأبطال.. مع صوت قرع الطبول والذي تمثلة آلة التمباني.. بعض الشخصيات في العمل ذاته تشبه الطبلة او التمباني.. مجبرة على اظهار صوتها القوي الأتي من قوة الضربة.. الطبلة والتمباني والرق وكل هذه الألات لا يصدر صوتها الا بالقرع على جسمها.. وبعض الأبطال كذلك.. لا يظهر صوتهم في المسلسل الا بسبب خارج عن ارادتهم مثل حازم وهنا انفسهم وباقي الأبطال.. الجميع يأخذ دور الطبلة والتمباني في صوته.. قوي وحاد.. ولكنه لا يتعدى غير كونه لحظي الصدور كما في التتر ثم تظهر الات النفخ مزيج من الفلوت والباص توبا أو الترومبيت للتعبير عن دواخل ونفوس الأبطال.. موسيقى تامر كروان عبرت بامتياز عن شخصيات الحكاية التي تشبه الأوركسترا او فرقة موسيقية من الألات.. الحياة ذاتها فرقة موسيقية بناسها الذين يعيشون حولنا كالات موسيقية نسمعها وتسمعنا.. من الناس من يأخذ دور البريمو كمانجة أو دور السنيد كالسكوندو كمانجة.. ومنهم من لا يصدر صوته الا بالقرع كالتمباني والطبلة.. ومنا من لا يظهر صوته الا بالنفخ.. النفخ الصادر من داخله.. او النفخ من احد عازفي الفرقة.. الحياة مقطوعة موسيقية وفرقة تعزف.. ونحن نشبه تلك الألات.. منا من يقف في الخلفية كواحد من فريق العزف يتكئ على عزف الآخرين وصوته مجرد كمانجة لأو آلة تائهه بين عزف الفريق.. ومنا من يشبه التشيلو يتسحب رغم قوته بهدوء مماثل لهدوء سيد رجب او بدر وأمينه.. ومنا من يكتفي بالظهور للحظة والتواري بين العازفين ليبقى في النهاية معزوفة وموسيقية أشد غرابة من موسيقى تامر كروان اسمها الحياة.. الحياة فرقة موسيقية كبيرة تعزف اوركيسترا نحن احد عازفيها أحيانا.. والمعزوف بنا أحيان كثيرة ايضاً.
استمعوا الى الموسيقى التصويرية الداخلية للمسلسل والتعبير عن تناقضاتنا الداخلية المتمثلة في عزف الألات التي استخدمها تامر كروان للتعبير عنا وعن ابطال المسلسل.. موسيقى تتر البداية والنهاية هي احد روائع وجماليات المسلسل.
