ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى رحيل حسن البارودى

هو ‘‘ شّيْخُ مُنافِقى السِينِما الْمِصْرِيَّة ‘‘ و ‘‘ أَوَّلُ تاجِرِ ديْنْ فى تارِيخِ الْفّنِ السَّابِعِ بِأكْمَلِهْ ‘‘ و ‘‘ أيْقونَةُ الْإِبْداع السَلِسْ ‘‘ الفَنَّان الْكَبِير و الْقَدِير ” حَسَن مَحْمود حَسَنَيْن البارودى ” الشَّهِير بـ حَسَن البارودى ذلِكَ المُمّثِلُ الرائِع المُخّضْرَم صاحِبُ الصَّوْتُ المُمّيَزْ الَّذِى كانَ يُطِلُ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ الشَّاحِب المُصاحِبِ لِجَسَدِهِ النَّحِيل و قامَتِه الْقَصِيرَة و عَيْنَيْهِ القاسيتين تِلْكَ الْمَلاَمِحُ الَّتِى ساهَمْت فى جّعْلِهِ واحدّاً مِن أَبْرَز مَواهِبِ السينِما الْمِصْرِيَّة بَعْدَما قَدّمَ العَدِيدِ مِنَ الْأَعْمالِ الرَّائِعَة المُناسِبَة لمَلامِحِهِ خاصَّةً بَعْدَ أَنْ اُشْتّهَر بِأَداء أَدْوارِ الشِرير الْماكِر أبْرَزَهُم دّورِهِ فى فِيلْم “ الزَّوْجَة الثّانِيَة ” مَعَ العِمْلاقْ ‘‘ صَلَاحِ مَنْصور ‘‘ لكِنَّهُ مَعَ ذلِكَ اسْتَطّاعَ أَنْ يَضَعَ بّصْمَته فى أَدْوار الْخَيْرِ كدَوْرِه المُمّيَزْ مَع المُخرج يوسُف شاهِين فى فيلْم “ باب الْحَدِيد ” و كذلِكَ نَجاحِه فى أَن يّحْفُر فى أَذْهان جُمْهورِه العَدِيدِ مِنَ الإفيهات ذاتَ الْمَغْزَى و الدَّلَالَات الْعَمِيقَة و الَّتِى أحْيانّاً يُطلِقَها مُحِبيه عَلَى سَبِيلِ الْمُزاح و السُخرِيّة كانَ أَشْهَرُها « تَعالَى يا قناوى يا أُبْنَى .. هاجوزك هنومة » و الَّتِى قالَها مُخاطِبّاً يوسُف شاهِين فى رائِعَتِه الْخالِدَة « باب الْحَدِيد » و ” أَوْقَف السن يا حِزْقِيل ” و ” أَطِيعوا اللَّهَ و الرَّسولِ و أَوْلى الْأَمْرِ مِنْكُمْ ” فى رائعَتِه الْخالِدَة أيضّاً « الزَّوْجَة الثَّانِيَة » و الَّذِى فَسّرَ فيهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةِ « و أَطِيعوا اللَّهَ و أَطِيعوا الرَّسول و أَوْلَى الْأَمْرِ مِنْكُمْ » تّفْسيرّاً مُغلوطّاً كَى يُبّرِرَ اِضْطِهادَ العُمْدّة لأبو الْعلَا الَّذِى أَدَّى دّوْره الفَنَّان الْقَدِير ‘‘ شُكرى سَرْحان ‘‘ و الْحَقُ يُقال و حَتَّى كِتابَةِ هَذِهِ السُطور و رُبّما إلَى يَوْمِ يُبْعَثون أَنَّنا كُلما مَرَّ عَلَيْنا رَجُلُ دَيْن مُنافِقٌ أَفّاقْ مُداهنٌ للسُلْطّةِ الحاكِمَةِ يَفْتى بِما تطلُبَهُ مِنَه ! أو يُساعِدَها عَلى الاسْتِمرارِ فى طُغيانِها بأراءِِ فِقْهيّة عَفا عليها الزَمنْ و لا تَتّناسَبَ مع الواقِع مُطْلَقّاً !! فسوف نَتَذَكَّر عَلَى الْفَوْرِ الْقَدِير حَسَن البارودى .. ولد حَسَن البارودى فى نِهايَةِ الْقَرْن التَّاسِعَ عَشَرَ و بِالتَّحْدِيد فى 21 / 1 / 1890م فى حَىٍ عابِدِين بمُحافَظّةِ الْقاهِرَة وَسَط أَسْرَةٍ فَقِيرَة يَعْمَل عائلها ” مِحولجى ” بِهَيْئَة السِكَّة الْحَدِيد ألحَقَ نَجْلَهُ بكُتّاب الشيخ ” مُحَمّد الدسوقى ” كى يَراه مُسْتّقْبَلّاً قارئ قُرآن أو فَقيه لكن البارودى كانَ عاشِقّاً لِفّنِ التَّمْثِيل مُنْذُ صِباه فى الْمَدْرَسَة حَتَّى حُصولِهِ عَلى شّهادة البَكالوريا ” الثَّانَوِيَّة الْعامَّة ” بَعْدَما تَفَتَّحَت مَواهِبَهُ التَّمْثِيلِيَّة فى فَرَقِ الْمَسْرَحِ المَدرَسى فى فَتْرَة ما قَبْلَ ثَوْرَة 1919م فشّقَ مِشْوار التَّمْثِيل المَسْرَحى مُنذُ طُفولَتِهِ ضارِبّاً ما تَمْناهُ له والدَهُ عّرَْ الحائِط و يُذكَر أن دَفَعَهُ ذَلِِكَ العِشْق إلَى أَنْ يَكونَ عُضْوّاً بارِزّاً فى فَرِيقِ التَّمْثِيل المَدرسى الَّذى أَتْقَنَ مِنْ خِلَالِهِ التّمثيل اضافَةً لإجادَتِهِ اللُّغّةِ الإنْجلِيزِيَّة التى تَعّلَمَها فى المَدرسَة و يُذكر أَنَّ تِلْكَ الإجادَة قَد أهّلَتُهُ لِلْعَمَلِ كمُتّرجِم فى شَرِكَة ” توماس لِلسياحَةِ ” إلَى أَنْ اُضْطُرَّ لِتَرْكِ دِراسَتِهِ و الْعَمَل فى مَحَلٍ لِبّيْعِ “ الطَرابيش” ! نَتِيجَة الظُّروف الاقْتِصادِيَّة السيِّئَة الَّتِى كانَتْ تَمُرُ بِها عائِلَتِه آنَذاك و يُذكر كذلِكَ أن كانَتْ عُروض الشَّيْخ ‘‘ سَلَامِة حِجازى ‘‘ و جورْج أَبْيَض هى تَسْلِيّةِ البارودى الوَحِيدَة فى تِلْكَ الظُروفُ الصَّعْبَةُ إلَى أَنْ أَتّتْهُ الفُرصَة كَى يَعْمل مُلّقِنّاً بـ 3 جُنَيْه فى الشَّهْر بِفِرْقَةِ ” حافَظ نَجِيب ” إلَّا أَنْ تِلْكَ المِهنَة لَم تسْتّهوِه ليَعودَ مُجَدّدّاً لِبَيْع الطَرابيش ! بَعدَما وجَدها مِن وجْهّةِ نَظَرِهِ أكْثَرَ احْتِرامّاً مِن مِهنّةِ التّلقينْ !! ليَظّلَ يعمل بها إلى أن أَتَتْه الفُرصَة مَرَّةً أُخْرَى حِين ضَمّهُ الفَنَّان ‘‘ عَزِيز عِيد ‘‘ إلَى فَرَّقَتِهِ الْمَسْرَحِيَّة الَّتِى كانَتْ تَسْتَعِدَ لِلْقِيامِ برَحلاتٍ فَنِيَّة إلَى فِلَسْطِينَ و سورِيا و لُبْنان ليَطير البارودى مِن الْفَرْحَة فَتْزداد فَرحَتَهُ فيما بَعْدْ خاصَّةً بَعْدَ النَّجاح الَّذِى حَقَّقَهُ فى تِلْكِ العُروضْ ليَعود إلَى الْقاهِرَةِ فيَتَقّدَم بِطَلَبٍ لِلالْتِحاقِ بِفِرْقَةِ ‘‘ يوسف وهبى ‘‘ كمُمّثِل لَكِنَ الْأَخِير رَفَض طَلَبَهُ لاكتِمالِ عَدَد أَعْضاءَ الفِرْقَةِ فلَمْ يَجِدْ البارودى مَفَرّاً سِوَى الْعَوْدَة مَرَّةً أُخْرَى على غَضاضّةٍ لِلْعَمَلِ كمُلّقِن ! و بأجرٍ أقَل ! عَنِ الَّذِى كانَ يَتَحّصَلَ عَلَيْهِ فى فِرْقَةِ حافَظ نَجِيب و ارْتَضَى هَذَا الدَّوْرِ الصَّغِير لعَلّهُ يَحْصُل عَلى فُرصّةٍ فى يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ و الّتى تَحَقَقّتْ بالفِعلِ حِين اعْتَذَرَ الفَنَّان ” استيفان روستى ” عَن تَمْثِيلِ دّوْرِهِ فى مَسْرَحِيَّة “ غادَة الكاميليا ” ليَسْنِدَ يوسُف وهبى إلَيْه الدَّوْر إنقاذّاً لِلْموقَف فَيؤّديه البارودى بِنَجاحٍ مُنْقَطِعِ النَّظِير ما جَعَلَ مُدير الْفِرْقَةِ يَطْلُبُ مِنْهُ الِاسْتِمْرار فى تّمْثِيلِ الدَّوْر و تَلّتْها أدوارّاً عَديدَة بِنجاحاتٍ كَبيرة ما جَعَلَ البارودى يسْتَمِر فى الْفِرْقَة لمُدَّةِ 5 أعوامٍ مُتواصِلَةٍ لَكِنَّهُ تَرْكِها فى النِهايّة بَعْدَ تعّسُفٍ يوسُف وهبى مَعَهُ عَلى زِيادَةِ أُجْرِةٍ مِنْ 3 إلَى 4 جنَيْه فى الشَّهْر ! بَعْد وَعْدَهِ لَهُ بِتِلْكَ الزِّيادَةِ مِرارّاً و تِكرارّاً ! ليَظّلَ البارودى بَعْدَ ذلِكَ يَتَنَقَّل مِنْ فِرْقِة إلَى أُخْرَى إلى أن شَكّلَ فِرْقَةً مَسْرَحِيَّةً مَع الفنّانة ‘‘ نجْمَة إِبْراهِيم ‘‘ جال بِها المُحافَظات و وَصَل حَتَّى السودان ليَسْتّقِرَ بِها لسَنوات قَبْلَ أَنْ يَعودَ مُجَدّدّاً لمِصر فيواصِل مُشوارِهِ الفّنى بالانْضِمامِ إلَى فِرْقَةٍ ‘‘ اتِّحادِ المُمّثلين ‘‘ عِلَاوَةً عَلى قِيامِهِ بِالْإشْراف عَلى الْفِرْقَةِ الخاصَّةِ بالمَسْرح الشَّعْبِى ليَنطّلِقَ قِطارِه الفّنْى المَسرحى فيُقّدِم العَدِيدِ مِنَ المَسرحيات يَذكُر مِنْها الجُمهور تِلْك الَّتِى عُرِضَتْ عَلى شّاشات التِليفزيون مِثْل “سِكّة السَّلَامَة ” و ” السِبنسَة ” إضافَةً لمُشاركَتِه فى العَديدِ مِن المسرحيات مِنْها ” غادَة الكاميليا ” و ” مِلْك الْحَدِيد ” و ” البؤساء ” و ” الكوكايين ” و ” الكونت دى مونت كريستو ” و ” أَوْلَاد الْفُقَراء ” و ” فاجِعَة عَلَى الْمَسْرَح ” و ” مَجْنونِ لَيْلَى ” و ” الْمَظْلوم ” و ” بَيومى أفندى ” و ” دُخول الْحَمَّام مَش زى خُروجِه ” و ” الْحِلَاق الْفَيْلَسوف ” و ” قَيْس و لُبْنَى ” و ” شّهْرزاد ” و ” مَصْرَع كليوباترا ” و ” بِدايَة و نِهايَة ” و ” الْقَضِيَّة ” و ” كوبرى النَّاموس ” ليَختّتِم آخَر أَعْمالِه الْمَسْرَحِيَّة فى عام 1973م بِمَسْرَحيّةٍ لِلْأطْفال كانت بعِنْوان ” وَلد وَ جنيْة ” و ذلَِلَ علاوة عَلى مشواره السِنيمائى الّذى بَدأَه البارودى فى عام 1934م بِدّوْرِه فى فِيلْم ” ابْن الشَّعْب ” ثُمّ ” عاصِفَة عَلى الرَّصِيفِ ” فى عام 1941م لتَتّوالى بَعْدَ ذلِكَ أدواره فى الْأرْبَعِينات أشّهَرها “عَلى بابا و الْأَرْبَعِين حَرامى ” و ” بِنْت ذَوات ” و” أَوْلَاد الْفُقَراء ” و ” الْعامِل ” و ” كُرسى الِاعْتِراف ” و ذلِكَ بِخِلَافِ عَشَرات الْأعْمال الْأُخْرَى الَّتِى كانَ مِنْ أبرزها ” باب الْحَدِيد ” و ” الزَّوْجَة الثَّانِيَة ” و ” الشّيْماء ” كَما قَدَّمَ البارودى فى الخّمسينيات أفْلاَم ” الافوكاتو مَدِيحِة ” و ” بِلَال مُؤّذِن الرَّسول ” و ” حِلّاق بَغْداد ” و ” دَرْب المَهابيل ” و ” لَحْن الْوَفاء ” و ” إِسْماعِيل ياسين فى البوليس ” و ” الْفُتوَّة ” و ” الِاسْتِبْعاد ” و ” حَسَن و نَعَيْمَة ” و ” وطَنى حُبى ” و ” نِهايَة الطَّرِيق ” و ” السّلَالِم الْخَلْفِيَّة ” و يُذكر أن اسْتَمَرَ عَطاء البارودى فى حِقبَةِ السِتينيات أيْضّاً ليُقّدِم ” زُقاق المَدّق ” و ” أَمِير الدَّهاء ” و ” الطَّرِيق ” إلَى أَنْ قَدّمَ فى عام 1973م آخَر أدْوارِه فى فِيلْم ” العُصْفور ” و ما لَا يَعْرِفَهُ الْكَثِيرِين أَن البارودى قَدِ اشْتَرَكَ فى ثَلَاثَةِ أَعْمالٍ عالَمِيَّة و هُم : الفِيلْم الألمانى « روميل يَغْزو الصَّحْراء » و الإنجليزى « الخُرْطوم » ثُمّ الأمريكى « EGYPT BY THREE » .. يُذكر أيضّاً أن حَصُلَ البارودى عَلى عِدَّةِ جَوائِز خِلَال مُشْوارِهِ الفّنْى كَان أبْرَزَها ” وِسامٌ الْفُنون ” عام 1959م و ” جائِزَةٌ الدَّوْلَة التّشْجيعيّة فى الْعُلوم و الْفُنون مِنْ الطَّبَقَةِ الْأولَى عام 1962م و جَديرٌ بالذكر أن تَزَوَّجَ البارودى مَرَّتَيْن طيلَة حَياته كانَتْ الْأولَى مِنْ الفَنّانَة خَفيفَة الظِل ” رَفِيعَة الشَّال ” الَّتِى أَنْجَبَتْ لَهُ ابْنَتَهُ ” أَمِيرُة ” ثُمَّ تَزَوَّجَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ خارِجِ الْوَسَط الفّنى أنْجَبت لهُ ثَلَاثَةَ أَوْلَاد و هُم ” انْتِصار ” و ” أشْرَف ” و ” أمِينَة ” و يُذكر أخيرّاً أن كانَتْ بِدايَة النِّهايَة للبارودى لَحْظّة تَسّلُمَهُ خِطابً يُفِيد بإحالَتِهِ إلَى الْمَعاشِ فَكانَ ذلِكَ الخِطاب بِمَثابَةِ الطّعَنَة الكُبْرَى التى هَدّتْ كيانه لِأَنَّهُ كانَ يَرَى نَفْسَهُ مازَال قادِرّاً عَلَى الْعَطاءِ رَغِم بُلوغِهِ سِن السِتين و عَبثّاً حاوَل الْعَوْدَةَ مَرَّةً أُخْرَى لِلتَّمْثِيل إلَّا أَنْ أحدّاً لَم يَسْتَجِبْ لِشّكواه ليّعْتَكَف فى مَنْزِلَهِ فيشْتّدَ عَلَيْهِ الْمَرَضَ ليُصابَ بِالْعَمَى الْكامِلِ و يظّلَ بِهذا المَرض المؤلم لسَنواتٍ عَديدَةٍ حَتَّى تَوَفَّى فى 18 / 1 / 1974م عَن عُمرٍ ناهَز عَلى الـ 84 عامّاً و للأسَف لَمْ يَسِرْ فى جِنازَتَه سِوَى عَددٍ قليلٍ جِدّاً مِن الفَنَّانِين لَمْ يَتَجاوَزْ أَصابِعِ الْيَدَيْنِ ! كانَ عَلَى رأْسِهم وَحْش الشَّاشَة ” فَرِيد شّوقى ” و ” عَدلى كاسِب ” و ” صَلَاح مَنْصور ” و ” أمِينَة رِزْقٌ ” و ” سَناء جَمِيل ” و ” تَحِيَّة كاريوكا ” و ” سُعاد حُسنى ” و اكْتَفَى الْباقونَ بالتّرَحُم عَلَيْهِ فَقَطْ فى الصُحِفِ و الْإِذاعَة و التِليفزيون ! .. رَحِمَ اللَّهُ حَسَن البارودى و تَجاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِهِ و أسْكَنَه فَسيحَ جَنَّاتِهِ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى