ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى رحيل فاطمة رُشدى

هى ‘‘ سارَةُ بِرْنار الشَّرْق ‘‘ و ‘‘ أيْقونَةُ السِينِما و الْمَسْرَح الْمِصْرِى ‘‘ الرائدة الْمَسْرَحِيَّة و الْمؤَلَّفَة و المُمّثِلَة و المُخْرجَة الفنّانّة الْكَبِيرَة و القَديرة فاطِمَة رُشدى تِلْك المُمثلة الَّتِى تُعد إحْدَى رائدات فَنّ السِّينِما و الْمَسْرَح فى مِصْر و كذا مِنْ أَوَائِلِ الفنانات اللاَّتِى دَخَلْن هَذا الْمَجال و الَّتِى أشار لَها مُعظم نُجوم الزَّمَن الْجَمِيل بِالْفَضْل عَلَيْهِمْ جَمِيعّاً بعدما كانت فرقتها الْمَسْرَحِيَّة بمثابّة البوّابَة الْأُولَى الَّتِى يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ اجتيازها لِلْوصولِ إلَى السِينِما و الشُّهْرَة بَعْدَ ذلِكَ فاسْم فاطِمَة رُشدى لَمْ يَكُنْ مُجرد اسْم لِفِرْقَة تُقّدِم عُروضّاً فَنِيَّة فَحَسْبُ بَلْ كانَ إحْدَى عَلَامات السِّينِما الْمِصْرِيَّة مُنْذ تَقْدِيم الأفلام الصامتة و حَتَّى وَقْتٍ قَرِيبٍ وَ بِالرَّغْم أَن حَياتِها كانَت حَياة مَمْلُوءَة بالابداع لَكِنَّها انْتَهَت نِهايَة مأْساويَّة مِثْل أَفْلاَم التراجيديا التَّارِيخِيَّة بَعْدَما كانَتْ تُوضَع صوَرِها فى صَدْر ” أفيشهات ” الأفلام قبْل يوسُف وهبى ! و حُسَيْن صِدقى !! و غَيْرِهِمْ مِنْ الفَنَّانِين الْكِبارَ إلَّا أَنَّها فى نِهايَةِ حَياتِها كان يُشاهدها الْمارَّة تَجْلِس عَلَى الرَّصِيفِ بشارع الجُمهوريّة بِوَسَط مَدِينَة الْقاهِرَة و هى تَمِدُ يَدَها لِتَتّلَقّى الْإِحْسان ! .. وِلِدّت فاطِمَة رُشدى فى 15 / 11 / 1908م فِى حَىٍّ مُحرّم بِك بمُحافظة الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَسَط 3 أَشقاء هُنَ ” رتيبة ” و ” أَنْصَاف ” و اللَّتان عَمَلتا بَعْدَ ذَلِكَ بالفن أيضّاً و يُذكر أن بَدأْت فَاطِمَة حَياتِها الفَنِّيَّة مُبكرّاً جدّاً و بالتّحديد عِنْدَما كانَتْ فى التَّاسِعَةِ أوْ الْعاشِرَةِ مِنْ عُمرها بعدما كان لَدَيْها هوسٌ و حبٌ و ولاءٌ مُنقطع النَّظِير لفن التَّمْثِيل فى تِلْكَ الْفَتْرَة المُبّكِرة فالْتّحَقَت بِفِرْقَة ” آمِين عَطا اللَّه ” حَيْثُ كَانَتْ تُغنى أُخْتِها بِالْفُرْقَة و أُسْنِدَ إلَيْها آمِين عَطا اللَّه دورّاً فى إِحْدَى مسرحياته علاوة على تأديتها أدوارّاً غِنائِيَّة ثانَوِيَّة فى بِدايَتها ثُم الْتَحَقَت بِفِرْقَة ” عَبْدِ الرَّحْمَنِ رُشدى ” ثُمّ انْضَمَّت بَعْدَ ذَلِكَ إلَى فِرْقَةٍ ” الجزايرلى ” و عِنْدَما شاهَدَها فَنّان الشَّعْب خالِدَ الذِّكْرِ ” سَيِّد دَرْوِيش ” عَام 1921م دَعاها لِلْعَمَل بِفرْقَتِه الَّتِى كَوّنها بِالْقَاهِرَة و انْضَمَّت لِفَرِيق الكورس و الْإِنْشَاد مَعَ سَيِّدٍ دَرْوِيش و مَع العملاق نَجِيب الريحانى و فِى عَام 1923م الْتَقَى بِهَا رائِد فَنّ الْمَسْرَح ” عَزِيز عِيد ” بعدما تَوّسّم فِيهَا الْمَوْهِبَة و القُدرات الفَنِّيَّة الْكامِنَة فَضَمّها إلَى فِرْقَةٍ يوسف وهبى بِمَسْرح رَمْسِيس و تعهدها بالمِران و التَّدْرِيب و عَلِمَها التَّمْثِيل كَما أوْكَل مُهِمَّةٌ تَلْقِينُها قَواعِدِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ إلَى مُدرس لُغَةً عَرَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَها بَعْدَ ذَلِكَ لِتُصْبِح نَجْمَة فِرْقَةٌ رَمْسِيس الْمَسْرَحِيَّة و يُذكر كذلك أن فى عَام 1924م أُتِيح لِفَاطِمَة رُشدى بِفَضْلِ ذَلِكَ الدَّعْم الْكَبِير الْقِيام بأدوار البُطولَة فِى عِدَّة مسرحيات كان أبرزها ” الذِّئاب ” و ” الصَّحْراء ” و ” الْقِنَاع الأَزْرَق ” و ” الشَّرَف ” و ” لَيْلَة الدُّخَّلَة ” و ” الْحُرِّيَّة ” و ” النَزوات ” بِالْإِضافَة لمسرحية ” النِّسْر الصَّغِير ” لمؤلفها إِدْمون روستان و التى قَام بتّعريبها كُلٍّ مِنْ عَزِيزٌ عِيد و السَّيِّد قدرى و قَام بِدُور البُطولَة فِيها ” فَاطِمة رُشدى ” و ” عَزِيزٌ عِيد ” و يُذكر أيضّاً أن فِى عَام 1926م قد زارَت فِرْقَةٌ فَاطِمَة رُشدى و عَزِيزٌ عِيد الْعِراق شأْنها فى ذلِكَ شأْنُ العَدِيدِ مِنَ الْفرْقِ الْمّعْروفَة فى هَذا الْوَقْتِ وَ فى عام 1929م ذَهَبَت فاطِمَةَ إِلَى بَيْروت بَعْدَ أَنْ أَنشأَت فِرْقَةً مَسْرَحِيَّة بِاسْمِها و لَقِيّت إقبالاً كبيرّاً مِنْ جانِبٍ مُحبيها و لقِبّت بِصَدِيقِه الطَّلَبَة لِأَنَّها كَانَتْ تتيح لِلطَّلَبَة حُضور عُروضها الْمَسْرَحِيَّة مجاناً و أَقام لَها الطَّلَبَة حَفْلَةٌ تكريميّة فى فُنْدُق ” رويال ” ثُم انْصَرَفَت بَعْدَها فَاطِمَةُ عَنْ الْمَسْرَح و لِعِدَّة مَواسِم ثُمّ زاوجت بَيْنَه و بَيْن السِينِما و كانَت عَوْدَتِها إلَى الشَّاشَة بفيلم « الزَّواج » و الَّذِى عُرض عام 1933م كمؤلفة و مُخِرجة و مُمّثِلة و مَثّل أَمامَها فِيه الفَنَّان مَحْمود المليجى فى أَوَّلِ أدواره السينمائية ثُمّ فِيلْم « الْهارِب » مَع بَدْر لَاما و « ثَمَن السَّعادَة » ثُمّ فيلمها إلْهام مَعَ كَمالِ سلَيْم رائِد الواقعية الْمِصْرِيَّة « الْعَزِيمَة » و الَّذِى حَقَّق نجاحّاً مُنقطع النَّظِير و اُخْتِير مِنْ بَيْنِ أَهَمّ عَشْرَة أَفْلاَم فى تارِيخ السينِما الْمِصْرِيَّة و بَعْدَ ذلِكَ شَارَكَت فى فِيلْم « الْعامِل » و « الطَّرِيق المُستقيم » مَع يوسُف وهبى و تَتالَت أفلامها بَعْدَ ذلِكَ وَ هِى « بَنات الرِّيف » و « مَدِينَة الغَجَر » و « غَرام الشُّيوخ » و « الرِّيف الْحَزِين » و « عواصف » و « الطائشة » و « دعونى أَعِيش » و « الْجَسَد » ثُم انْضَمَّت فاطِمَة بَعْد ذَلِكَ إلَى الْمَسْرَحِ الْعَسْكَرِىّ و أَدَّت العَدِيدِ مِنَ البُطولات الْمَسْرَحِيَّة و أُخْرِجَت مَسْرَحِيَّة ” غادَة الكاميليا ” ثُمّ انْضَمَّت للمسرح الحُر عَام 1960م و قدّمَت مَسْرحيات الْكاتِب الْكَبِير نَجِيب مَحْفُوظ ” بَيْن القصرين ” ثُمّ ” ميرامار ” عام 1969م كَما قَدَّمْت مَجْموعِه كَبِيرَةً مِنْ المسرحيات تَعَدَّت الـ 200 مَسْرَحِيَّة .. جديرٌ بالذكر أن تَزَوَّجَت فاطِمَة 4 زيجات و ذلك عَقِبَ انْفِصالِها عَنْ عَزِيزٌ عِيد فتَزَوَّجَتْ مِنْ المُخرج ” كَمال سُلَيْم ” الَّذِى أُسْنِدَ إلَيْهَا أَهَمّ أَدْوَارِها و هو دَوْرها فى فِيلْم ” الْعَزِيمَة ” كَما تَزَوَّجَتْ مِنْ المُخرج ” محَمَّدٍ عَبْد الْجَواد ” و عاشَت بعيدّاً عَن الأضْواء لسَنوات طَوِيلَةً ثُمَّ تَزَوَّجَتْ رَجُلٌ أَعْمَال مِنْ الصَّعِيدِ و أخيرّاً عَام 1951م مِنْ ضابِطِ بولِيس .. يُذكر أن اعْتَزَلَت قاطِمَة الْفَنّ فى أَواخِر ستينيات الْقَرْن الماضى و انْحَسَرَت الأَضْواء عَنْهَا مَعَ التّقدُم فى السِن و ضَياع الصِّحَّةِ و الْمالَ وَكانَتْ تَعِيشُ فى أَوَاخِر أَيَّامِها فى حُجرة بِأَحَد الفنادق الشَّعْبِيَّة فى الْقَاهِرَةِ إلَى أَنْ كَشَفَتْ جَرِيدَة الْوَفْد الْمِصْرِيَّة المُعارضة عَن حَياتِها البائسة الَّتِى تعيشها و هى تتسول الْقُروش و الجُنيهات مِنْ الْمَارَّةِ !!! و ما إنْ قَرَأَ وَحْش الشَّاشَة الفَنَّان الْقَدِير فَرِيد شوقى عَن حالَتِها السَّيِّئَة الَّتِى وَصَلَت إلَيْهَا تَدّخل عَلَى الْفَوْرِ لَدَى المسؤولين لعلاجها عَلَى نَفَقَةِ الدَّوْلَة و تَوْفِير الْمَسْكَن المُلائم لَها وَ تَمَّ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ بَعْدَ جُهدٍ جَهِيد وَصَلَ إلَى حَدِّ الِاسْتِغَاثَة بِرَئِيس الدَّوْلَة ! بَعْد تخاذُل النِّقابَة عَنْها تَمامّاً ! ( كالعادة ) و لَكِنْ لَمْ يُمهلها الْقَدْر لتَتَمّتَع بِما قَدَّمْته لَها الدَّوْلَة لَتَمُوت وَحَيْدَة تارِكُة وَرائِها ثَرْوَة فَنِيَّة عملاقة تَزِيدُ عَنْ 200 مَسْرَحِيَّة و 16 فيلمّاً سينمائيّاً و حَياة عاشتها طولّاً و عَرضّاً عاصرت خِلَالِهَا جِيلٍ مِنْ عمالقة الْمَسْرَح و روَّاد السِّينِما حَتَّى توفيتْ فى 23 / 1 / 1996م عَن عُمرٍ يُناهز عَلَى الـ 88 عامّاً و قَبْل رَحِيلها بأسابيع فَقَط تذكرتها الحُكومة الْمِصْرِيَّة ! فأَرادَت تّكريمها فى ” عِيد الْفَنّ ” و أَرْسَل المسؤولون فى طَلَبِها لَكِنَّها حَتَّى صَباح لَيْلَة التَّكْرِيم لَمْ تَجِدْ فُستانّاً تَرْتَديه لتَتّسلم دِرْعٌ تكريمها ! مِن رَئِيسُ الدَّوْلَةِ لِأَنّ الْمَعاش الَّذِى كانَ يُصرّف لَها ” 100 جُنَيْة ” ! كَان يكْفى مأكلها و تَكالِيف عِلَاجها بالكاد ! و عِنْدَ وفاتِها لَمْ يَجِدْ جِيرَانَها مصاريف جِنازَتَها فَقاموا بِجَمْع الْأمْوال اللَّازِمَةِ مِنْ بَعْضِهِمْ وَ دفَنوها فى مَقَابِر الصَّدَقَة ! .. يُذكر أخيرّاً أن قالَ عَنْها النّاقِد الفنى الرَّاحِل د . رَفِيقٌ الصَّبَّان بَعْدَ رَحِيلِها ” فاطِمَة رُشدى لَمْ تَسْتَطِعْ التَّطَوُّر فى فّنِ الْأَداءِ لِأَنَّ فَنّ الْأَداء مِثْلِهِ مِثْل فَنِّ الْموسِيقَى و الْغِناء و بِالرَّغْم أَنَّ فاطِمَةَ رُشدى كانَتْ أَكْبَرَ قليلاً مِن الفنّانّة أَمِينَة رِزْقٌ لَكِن الْأَخِيرَة عَكْسُها تمامّاً كونها اسْتَمَرَّت حَتَّى آخِرِ أَيَّامِها أمام الكاميرا لأنها طوّرت مِنْ نَفْسِها و أَدْرَكْت أَنَّه لاَبُدَّ مِنْ التَّغْيِيرِ و التَّطَوُّر عَكْس فاطِمَة الَّتِى لم تَسْتَطِع اسْتِيعاب تِلْك المُتَغيرات لِذلِكَ لَمْ تَسْتَمِرَّ لَكِنَّهُ لَيْسَ مُبررّاً عَلَى الْإِطْلَاقِ للمسؤولين سَواء النقابيين أَو الحُكوميين أَنْ تَكُونَ نِهايَة فاطِمَة بِهَذِهِ الصُّورَةِ السَّيِّئَة و المُفْجِعة الَّتِى أوصلتها للتّسول و تَرَكْت فى نَفْسِها و نَفسِنا أيضّاً أثرّاً سيئّاً و صورَة مُشينة أَساءت لِمصْر هُليود الشَّرْق و قِبْلَة الْفُنون الْعَرَبِيَّة قَبْلَ أَنْ تُسيئ لَها ” ! .. رَحِم اللهُ فَاطِمَة رُشدى و تَجاوَزَ عَنْ سَيئاتها و أَسْكنْها فَسيحَ جَنَّاتِهِ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى